الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

يوسف الهلالي: كتاب الريف زمن الحماية الإسبانية أو "الاستعمار الهامشي" لشمال المغرب

يوسف الهلالي: كتاب الريف زمن الحماية الإسبانية أو "الاستعمار الهامشي" لشمال المغرب يوسف الهلالي وفي الاطار غلاف الكتاب
تعززت المكتبة المغربية بإصدار جديد ومهم تحت عنوان " الريف زمن الحماية الإسبانية"، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه لميمون أزيزا، والتي أشرف عليها المفكر رونيه غاليسون، المعروف في الأوساط الجامعية المغربية بكفاءته ومعرفته بالمغرب.
 
وتمت ترجمتها مرة أولى إلى الإسبانية سنة 2003، قبل ان ترى النور باللغة العربية السنة الماضية وذلك بدعم من مجلس الجالية بالمغرب ورئيسها ادريس اليزمي. وأشرف على الترجمة كل من محمد حاتمي وجمال حيمر في منشورات ملتقى الطرق2021.
 
طبعا هذا الكتاب جاء ليسد فراغا في الاعمال المخصصة للاستعمار شمال المغرب من طرف اسبانيا، وهي أعمال جد نادرة مقارنة بغزارة الإنتاج حول المنطقة الوسطى للمغرب والذي انتجته الأنثروبولوجيا الكولونيالية الفرنسية حول المغرب. ويقول الباحث حول هذه النقطة" نظرا لطابعه الهامشي، فان الاستعمار الاسباني لم يحظ بما يكفي من الاهتمام الأكاديمي، ليس فقط من طرف الباحثين المغاربة، بل كذلك من المهتمين الأجانب بتطور الدولة والمجتمع المغربيين." وهو ما يجعل عددا كبير من الباحثين يختزلون الحقبة الاستعمارية للمغرب في الاستعمار الفرنسي، نظار لطابع الهامشي الفقير الذي كان عليه الاستعمار الاسباني للمنطقة الشمالية.
 
ويبرز الباحث في هذا الكتاب نوعية وخصوصية الاستعمار الاسباني للمنطقة الشمالية للمغرب، وهو استعمار كانت له أهداف متواضعة مقارنة مع نظيره الفرنسي.
 
لكن أهمية هذه الاطروحة حول استعمار اسبانيا لشمال المغرب هي انها بينت "مكامن التحول الطارئ على المجتمع الريفي خلال نصف قرن من الزمن، وسط اليات التطور وما نجم عنها من مضاعفات مست البنيات والعقليات والولاءات ...والعلاقة بالدولة المركزية، ثم تمديد لكل هذا بالدولة الحامية بعد انسحابها."
 
واختار الباحث في هذا الكتاب تتبع التحول الذي عرفه المجتمع الريفي بشمال المغرب وظهور العمل المأجور، وتكون طبقة من المأجورين بالإضافة الى ظاهرة الهجرة نحو الجزائر وكيف ساهم الاحتلال الاسباني للمنطقة في تكون بروليتاريا كانت مجبرة على البحث عن موارد إضافية تغطي بها على فقر موارد المنطقة. وهذا الاختيار للباحث بدأ بالعنوان" الريف زمن الحماية الاسبانية، 1912-1956 الاستعمار الهامشي " وهي أطروحة حاولت رصد حالة التهميش التي تسبب فيها هذا الاستعمارالفقير والتحولات الاجتماعية التي أحدثها بالمنطقة، وظهور العمل المأجور بالمنطقة لتعويض عن تفككك البنيات الاقتصادية المحلية.
 
بالإضافة الى جانب التحولات الاجتماعية التي تسبب فيها الاستعمار الإسباني للمجتمع الريفي ببروز العمل المأجور والبروليتاريا بالمنطقة وظاهرة الهجرة خارج المنطقة خاصة في اتجاه وهران التي كانت تحت السيطرة الفرنسية. فان الكاتب ميمون أزيزا قام أيضا في هذا العمل بتقييم لدور الاستعمار الاسباني في المنطقة، " إنجازات الحماية الاسبانية التي تمت تحت يافطة "الحداثة والعصرنة" وان اتسمت في اغلبها بضعف الوثيرة وقلة التمويل مما جعلها نسبية الى اقصى الدرجات " وأضاف ان التحولات التي طرأت على المجتمع الريفي لم تكن لصالح السكان بل أساسا من اجل إرضاء مصالح المستثمرين الاجانب. لكن رغم ذلك فان السكان استفادوا من بينات الطرقات التي تم احداثها وكذلك من حملات التلقيح بالإضافة إلى أحداث إدارة مغربية مرتبطة بإدارة الحماية.
 
ويرى الباحث ان جزءا من التهميش الذي عاشه الريف بعد الاستقلال المغرب، بعض مرضه الى الإرث الكولونيالي، "فعند حصول المغرب على استقلاله ، فكانت المنطقة على راس الجهات الكبرى الأكثر فقرا والاقل تجهيزا."
ومن أجل تتبع التحولات التي تسبب فيها التواجد الاستعماري الإسباني بمنطقة الريق لمدة نصف قرن، فان الباحث ميمون أزيزا قسم بحثه إلى تلاث أقسام:
 
في القسم الأول من هذا العمل، تم التطرق لمنطقة الريف كمجال اقتصادي وكيان تاريخي واجتماعي وقام بحصر ومعرفة المؤسسات التقليدية بالمجتمع الريفي قبل دخول نظام الحماية الاسبانية كما تك التطرق للبنية الاقتصادية للمنظومة الاستعمارية التي تركت حسب الباحث على الاستغلال الزراعي والصناعي والمناجم والاشغال العمومية، والتي كانت تعمل لوضع بنية تحتية بالمنطقة. وكيف أثر العمل المأجور على البنيات التقليدية للمجتمع الريفي.
 
في حين، تطرق الجزء الثاني من هذا العمل الى مخلفات الاستعمار الاسباني على المجتمع الريفي. والتفقير التي تعرضت له المنطقة جراء حرب الريف ودور الإدارة الاستعمارية في تفكيك البنيات الاقتصادية التقليدية التي كانت تعتمد على الأرض.
 
والجزء الثالت لهذا العمل المتميز تطرق لتحولات الكبرى المترتبة عن المواجهة والتي كانت تارة عنيفة وتارة هادئة حسب الباحث بين البنيات الاجتماعية التقليدية الريفية والنظام الاقتصادي الرأسمالي الاسباني في صيغته الاستعمارية. وظهور الهجرة الدائمة الى خارج المنطقة وكذلك العمل المأجور الذي يعتبر أكبر تحول بالمجتمع الريفي.
 
في هذه الدراسة القيمة التي أغنت المكتبة حول تاريخ المغرب بهذا العمل الجديد خاصة حول المنطقة الشمالية التي عانت من التهميش حتى في مجال البحث الأكاديمي، هو تتبع ظاهرة العمل المأجور الذي كان أحد اثار التواجد الاستعماري بالمنطقة وبروز لظاهرة الهجرة نحو الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي قبل ان تصبح ظاهرة دائمة تمس المنطقة وتنتشر إلى باقي البلدان الأوربية.
 
بالإضافة إلى رصد خصوصية الاستعمار الاسباني بالمنطقة الذي كان يغلب عليه الطابع العسكري، بل أن الانقلاب على الجمهورية الذي انطلق من شمال المغرب وتزعمه فرانكو كان مكونا من ضباط عملوا بالمغرب. لهذا فاستعمار المنطقة الشمالية للمغرب كانت له انعكاسات على اسبانيا نفسها التي لم تكن لها إمكانيات قوة استعمارية من أجل تحقيق أهدافها.