الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الله الكوا: هل مازال في مدارسنا تلاميذ يدفعون المدرس إلى الإبداع والاجتهاد؟

عبد الله الكوا: هل مازال في مدارسنا تلاميذ يدفعون المدرس إلى الإبداع والاجتهاد؟ محمد عبد الله الكوا
كان لتلميذ بسؤاله الصادق وراء ما دفعني إلى إنجاز كتيب كدراسة أنجزتها حول مؤلف أوراق للكاتب المغربي الشهير عبد الله العروي الذي كان من مقررات السنة الثانية بكالوريا بداية سنوات الألفين..
فكنت ذات حصة قد أفضت في شرح بعض الأبعاد النفسية والاجتماعية لشخصية مؤلف عبد الله العروي " أوراق" الذي كان مقررا، وهو من المؤلفات والسير الذهنية المعقدة، بحيث كان التلاميذ يجدون صعوبة كبيرة في قراءته وفهمه،وفهم شخصيته الرئيسية "إدريس" وذات يوم بعدما أنهيت الحصة بعد شرح مستفيض لتلك الأبعاد وبتتبع وانسجام مع التلاميذ وهم يقرأون بعض المقاطع ويستفسرون، سألني تلميذ ونحن في طريق العودة من العمل: - أستاذ ما تدرسنا في هذا المؤلف شيق ، ولكن هل شخصية إدريس البطل حقيقة حية ، أم مجرد خيال؟؟ واردف انني أعيش القصة في درس المؤلفات كما لم أعشها مع شخصية إدريس من قبل ، وأنا كررت السنة ، فهل هذا "الإدريس" شخصية حقيقية ؟ وهل هو معروف موجود كتب عنه العروي ؟؟
وكان فعلا سؤال غريب في منتصف السنة، لا يقدر الأستاذ أحيانا على بساطة السؤال أن يجيب بإجابة واضحة وافية؛ واستحضرت أن من حق المتعلمين في تخصص الآداب أن يكون لديهم فهم و تمييز واضح عن معنى " القصة " الرواية " المسرحية " والمقالة ..الخ ، وهذا اعتقد هو صلب وجوهر برنامج البكالوريا الحاسم في مسارهم ما قبل الجامعي …
من هنا تأثرت بعفوية التلميذ الذي شرحت له الأمر على قدر ما تسمح به المسافة الفاصلة بين المؤسسة وسكناي ...وفكرت في أن أكتب شيئا ما يفك هذا الإكراه المعرفي قدر المستطاع، وحاولت في المؤلف (الكتيب ) الذي كتبت أن ابسط السهل الممتنع ، لأن مؤلف " أوراق " فعلا يحتاج إلى نباهة أدبية ودراسة واطلاع للتمكن من سردياته المعقدة بالنسبة لقارئ متمرن فما بالك بتلاميذ في الغالب.. لا يتعاطون القراءة الأدبية الحرة؟ وللإشارة وحتى لا أبيع أو أشتري، والذي لم يكن هو هدفي، فقد خصصت عائدات المؤلف (الكتيب) لفائدة جمعية ثقافية محلية بكلميم، واشترطت عليها أن يكون الثمن في متناول التلاميذ ..
هنا تذكرت ما كتب الفيلسوف والمفكر المغربي محمد عابد الجابري ذات يوم: سؤال طالب في الكلية كان دافعه الأول والأساس إلى إنجاز مؤلفه الشهير "نحن والتراث ".
خلاصة القول: أن السؤال الصادق من تلميذ راغب في المعرفة يعد أكبر محفز لمزيد من شرح الدرس وإعادة الشرح إن اقتضى الحال، فهل مازال في مدارسنا ومؤسساتنا تلاميذ يدفعون المدرس إلى الإبداع والاجتهاد، أم غلبت نمطية الإجابات الجاهزة على رغبات المتعلمين ؟؟