السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: أزمة صامتة بين الرباط وباريس على خلفية تراجع تأثيرها بالمنطقة

يوسف لهلالي: أزمة صامتة بين الرباط وباريس على خلفية تراجع تأثيرها بالمنطقة يوسف لهلالي
يبدو ان السحابة التي تجتازها العلاقات بين الرباط وباريس مازالت مستمرة حتى الان وسط صمت في الأوساط الرسمية في العاصمتين.
لم يكسر هذا الصمت، الا تصريح يتيم لرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمواطنين مغاربة على هامش مهرجان موسيقي بتوكي، عبر من خلاله عن رغبته في زيارة المغرب في شهر أكتوبر المقبل، وهو اقتراح لم ترد عليه الرباط حتى الأن. وهي زيارة إذا تمت، ستضع هذه العلاقة التي كانت متميزة في الماضي الى مسارها الطبيعي. وذلك بعد ان تدهورت في الشهور الأخيرة، خاصة بفعل موضوع التأشيرة التي أربكت التعاون في العديد من المجالات بين البلدين.
وإذا كان الصمت هو السائد على المستوى الرسمي بين الجانبين، وهو ما جعل المتتبعين يطلقون عليها "الازمة الصامتة"، فان الحرب مشتعلة على مستوى الشبكات الاجتماعية، حيث يتمتع "المؤثرون" في هذه الشبكات بحرية أكبر في تأويل المواقف دون الاعتماد على تصريحات رسمية، حيث "يتهم عدد من الناشطين المغاربة فرنسا الرسمية في الضلوع في اغلب الازمات التي تعرض لها المغرب في الآونة الأخيرة"، بما فيها الازمة مع تونس. وكذلك حسب نفس الشبكات الاجتماعية، فان فرنسا تستعد "على نشر تسريبات كثيرة تمس رموز وشخصيات مغربية". وهذه "التسريبات" المفترضة التي تم تداولها بشكل واسع على شبكة الواتساب، حول تسريب وثائق رسمية للمخابرات الخارجية، تبين "استعداد" بل" قرار" الأجهزة الفرنسية "شن حملة من العمليات ضد شخصيات مغربية متهمة بالتوفر على ممتلكات وحسابات بفرنسا غير مصرح بها". بالإضافة الى تحدث هذه الشبكات عن غضب فرنسا من اقصائها من مشتريات السلاح التي قام بها المغرب في السنوات الأخيرة، والتي استحوذت عليها الولايات المتحدة الأميركية وكذلك منح مشروع بناء القطار السريع الى الصين بدل فرنسا التي بدأت هذا المشروع وانجزت شطره الأول الرابط بين طنجة والدار البيضاء.
طبعا كما يقول المثل المغربي " ما كاين دخان بلا عافية"، من المؤكد ان هناك ازمة في العلاقة بين الرباط وباريس، رافقها غياب التواصل على المستوى الرسمي، والذي اججه هو الحقبة الانتخابية التي شهدتها فرنسا من اجل إعادة انتخاب الرئيس والمؤسسة التشريعية.
وتم اقحام المغرب وباقي بلدان المغاربية في هذا السجال الانتخابي، من خلال اعلان فرنسا المفاجئ عن تقليص التأشيرات، بدعوا ان المغرب وباقي بلدان المنطقة لا تقبل المهاجرين بدون إقامة الذين تحاول فرنسا ترحيلهم، واتهمت السلطات المغربية بعرقلة هذه العملية. وهو ماردت عليه باريس بتقليص نصف التأشيرات الممنوحة للمغاربة. وهو ما تسبب في عرقلة التبادل بين البلدين خاصة الذي يمس الجانب الاقتصادي والعلمي بين البلدين.
بالإضافة الى الاتهامات التي تداولتها بعض صحف فرنسا للمغرب، وبدون دليل، بالتجسس على الرئيس والنخبة الفرنسية بواسطة بيغاسوس.
مند تخلص المغرب من عقد الحماية، شهدت العلاقة بين البلدين أزمات بشكل دوري، كان أولها في عهد محمد الخامس والجنرال ديغول بسبب التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الشرقية والدعم الشعبي والرسمي المغربي لحرب التحرير التي قادتها المقاومة بالجزائر وهو ما اغضب فرنسا.
لتعرف العلاقات بين البلدين استقرارا الى حدود وصول الاشتراكيين الى الحكم سنة 1981، حيث تأزمت العلاقة من جديد حول قضايا حقوق الانسان وحول دعم زوجة الرئيس ميتران للانفصال ضد المغرب.
لكنها تحسنت في عهد جوسبان وشيراك في عهد التناوب التوافقي الذي قاده الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي.
نفس التحسن الذي عرفته العلاقات في عهد نيكولا ساركوزي، وعادت لتتدهور من جديد في عهد فرنسوا هولاند بعد زيارة الشرطة لمقر الديبلوماسية المغربية وهو ما تسبب في ازمة بين البلدين.
اليوم من المفترض تعرف العلاقات نوع من الاستمرارية، حيث يحكم فرنسا رئيس من الوسط وقريب من اليمين، وهي عائلة سياسية كانت دائما قريبة من المغرب ومن المصالح المتبادلة بين البلدين.
لكن يبدو ان هذه العلاقة تعرف صعوبات بفعل التحول الجيوسياسي الكبير الذي تعرفه المنطقة، والتي تميزت بظهور قوى جديدة تأثر بالمنطقة مثل الصين، تركيا واسرائيل. والدور الذي أصبحت تلعبه روسيا ولو بشكل غير مباشر بمنطقة الساحل وانسحاب الجيش الفرنسي من مالي.
الاتفاق الثلاثي الذي عقده المغرب مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والذي اعترفت بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الأقاليم الصحراوية. وهو تحول جعل من السياسية الخارجية بالمنطقة متجاوزة، كما ان سقف العلاقات المتميزة مع المغرب تحول هو الاخر والتي حددها الخطاب الملكي الاخير. المغرب اليوم يطالب من حلفائه الحقيقيين الاصطفاف في الموقف الأميركية من قضيته، والابتعاد عن المواقف المزدوجة. ودعم مبادرة المغرب للحكم الذاتي كحل وحيد الذي تبنته باريس مند 2007 لم يعد كافيا اليوم لعلاقات متميزة مع الرباط، خاصة في ظل التحول الذي تعرفه منطقة الساحل الافريقي، ووضعية عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه اغلب بلدان شمال افريقيا. حيث أصبح المغرب هو الركيزة الوحيدة لاستقرار كل المنطقة.
من المؤكد ان رسالة الرباط وصلت الى باريس، والرئيس الفرنسي يعرف جيدا ما يمكن ان يرضي الرباط، لتستمر العلاقة المتميزة ولتعود الحرارة الى خط باريس الرباط، ويعرف ما يجب قوله في حالة التوافق على زيارة في شهر أكتوبر المقبل. لان التحول الذي يعرفه العالم والمنطقة يقتضي تجديد هذه العلاقة.