السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: مذكرات عبد السلام جلود.. تزوير للحقائق و افتراء على التاريخ

يونس التايب: مذكرات عبد السلام جلود.. تزوير للحقائق و افتراء على التاريخ يونس التايب
يبدو أن قدرنا في المغرب هو أن نظل هدفا لخطط الأعداء و مؤامرات المتربصين ببلادنا إلى آخر الزمان. فما أن ندبر ملفا أو نفكك لغما تضليليا زرعته هذه الجهة أو تلك، حتى يقوم الخصوم بزرع ألغام جديدة في طريقنا بغرض توظيفها في حروب إعلامية لتشويه صورة بلادنا و إلهائنا عن الأهم، ألا و هو تعزيز التنمية و تسريع التأهيل الشامل الذي نطمح إليه لتطوير واقع البلاد و العباد نحو الأفضل. 
 آخر فصول الديناميكية العدائية التضليلية ضد المغرب، تمثل في ما قاله عبد السلام جلود، رئيس وزراء ليبيا و أحد أركان النظام السابق، في حوار تلفزي أجراه على قناة "فرنسا 24"، هذا الأسبوع، للحديث عن مذكراته التي نشرها قبل مدة. و ما أثار الانتباه في ما قاله جلود، حديثه عن شأن مغربي خالص و خاص، حيث قال : (حينما تم الإعلان عن تأسيس جبهة البوليساريو في 1972 بحضور الرئيس الجزائري هواري بومدين، ذهبت إلى المغرب لمقابلة الحسن الثاني من أجل دعوته لدعم البوليساريو لتحقيق استقلال الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني، لكن الحسن الثاني قال لي أنا أعيش في حقل من الألغام في بلدي وعندي من المشاكل ما يكفيني، والصحراء الغربية لا تعنيني وهي ليست مغربية حتى ادافع عنها.)
طبعا، ليس على مثل ذلك الكلام شاهد، و لا وجود لأي مصدر يؤكد احتمال 1% بأن كلام جلود صحيحا. كما أنه لم يسبق أن تجرأ أحد على اختلاق ذلك المعنى من قبل. و حتى كبار رجال المعارضة المغربية في مرحلة السبعينيات، لم ينزلوا بالصراع السياسي إلى مستنقع الكذب على جلالة الملك الحسن الثاني، و تقويله في مسألة الصحراء المغربية ما لم يقله من كلام، مثل ما فعله عبد السلام جلود بشكل بئيس أخلاقيا و لامسؤول تاريخيا و سياسيا.  
صراحة، و أنا أنصت لما قاله المسؤول الليبي الخارح من غياهب النسيان، داهمتني مجموعة من الأسئلة منها :
- كيف يمكن تصديق أن عبد السلام جلود، الرقم الثاني في نظام القذافي المتورط في التآمر على المغرب و تشجيع المحاولتين الانقلابيتين في بداية السبعينيات، يمكن أن يحضى أشهرا فقط بعد ذلك، في سنة 1972، بشرف الجلوس بين يدي المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، و كأن شيئا لم يقع، و يتحدث إليه رأسا لرأس، و كلنا نعلم أن الملك الحسن الثاني كان له مستشارون لا يفارقونه في مثل تلك اللقاءات. ثم يأتي جلود، في سنة 2022، أي بعد 54 سنة، ليدعي أن الملك الراحل قال كلاما كالذي يدعيه، في غياب أي دليل يزكي روايته؟؟
 
- أي عقل يمكن أن يصدق أن مبدع المسيرة الخضراء، المغفور له الملك الحسن الثاني، الوطني الغيور الذي كانت الصحراء المغربية تسكن قلبه و عقله، و تشكل ركيزة أساسية في تمثله للامتداد التاريخي و السياسي للمملكة المغربية، يمكن أن يفكر بالشكل الذي يحيل إليه ما يدعيه عبد السلام جلود، الذي خرج فجأة من الجحر الذي كان متخفيا فيه، بتنسيق مع الجهات التي تواطأ معها بصمته، منذ سقوط النظام الليبي السابق؟ - كيف لا نستنتج أن نفس تلك الجهات هي التي تقف وراء دفع جلود لنشر كذبة كبيرة في أمر دقيق و حساس للغاية بالنسبة للمغاربة ؟ و إلا كيف نفهم أن الرجل ظل صامتا طيلة هذه السنوات؟ و ماذا قدمه جلود مقابل النجاة من نفس مصير القذافي، و بعض أركان نظامه، دون أن يمسه سوء  و هو الذي كان يحكم عمليا ليبيا أكثر مما يحكمها العقيد ؟
 
- لماذا اختار المسؤول الليبي السابق الخروج في هذا الظرف بالذات، و من أمره بذلك؟ ألا تدخل برمجة هذه الخرجة التضليلية، في سياق سعي جهات معروفة، لبلوغ مصالحها في الملف الليبي و في قضية الصحراء المغربية، عبر ترويج البهتان و الزور، ثم تصنع له قيمة إعلامية بقصد توظيفه من طرف قوى الشر التي يمولها النظام الحاكم في الدولة الجار ؟؟ 
 
- ما هي دلالات استعمال منصة قناة "فرنسا 24" بالتحديد، لإطلاق افتراء لم يسبق أن قال به أحد قبل اليوم ؟؟ و ما هي الرسالة التي يحملها استمرار خروج أصوات البهتان من قلب العاصمة الفرنسية ؟؟ 
 
في تفاعله مع مذكرات عبد السلام جلود، يقول الصحفي حسان الزين، في مقال بعنوان "قصة انقلاب عبد السلام جلود على معمر القذافي"، نشره بجريدة "الأندبندنت العربية The Independent"، بتاريخ الأربعاء 20 أبريل 2022 : (بعد ربع قرن من الشراكة في الحكم، ومن موقع الرجل الثاني، لا يقرأ جلود تجربته نقدياً، بل يغسل يديه من الأخطاء كلها ويضعها على عاتق "الطاغية" وأزلامه. ولا ينفصل هذا عن تقديم جلود نفسه نقيضاً للقذافي، فهو ثوري وإصلاحي، بينما القذافي "طاغية" وتدميري؛ وهو "أي جلود" مع ثورة الشعب، بينما القذافي مع العسكرة؛ وهو شعبي بينما القذافي يكره الشعب ويحتقره ويريد استبداله بأشخاص مرتزقة لا يكونون مجتمعاً ولا يشكلون خطراً عليه؛ وهو يرفض قتل المعارضين و رفاق الدرب، بينما القذافي يرسل رجاله وراء هؤلاء؛ وهو "ناكر للذات" بينما القذافي "شخص مريض"؛ وهو من يستقيل بينما القذافي يتصل به ليعيده؛ وهو مبادر ونشط على الصعيد الخارجي والدولي بينما القذافي في خيمته يحيك المؤامرات لتثبيت سلطته... إلخ. وإضافة إلى هاجس تبرئة الذات الذي يحكم المذكرات، يعاني السرد من مشكلة أنه لا صوت يعلو فوق صوت الذات. فعبد السلام جلود يروي الأحداث كما رآها وعاشها هو، بل كما بات يتذكرها ويتخيلها ويتصورها. والمحور دائماً هو ذاته. فلا يعود إلى مرجع أو أرشيف أو رواية أخرى لشخص آخر. ما يُضعف النص وصدقيته، خصوصاً أن أحداثاً عديدة فيه لم تُفحص وتُدقق. فمثلاً، في مذكراته عن حرب لبنان تتشوش التواريخ والأزمان والأحداث على جلود. ويروي أنه اجتمع بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982 بكمال جنبلاط الذي اغتيل في 1977. "صفحة 158").
 
لن أزيد على كلام الصحفي حسان الزين، شيئا : عبد السلام جلود ليس شخصا يمكن الوثوق بكلامه، لأنه لا يحتمل أي صدقية أو موضوعية. 
 
الحكاية أننا بصدد حرب عصابات إعلامية، لها أبعاد جيوستراتيجية خطيرة، تحركها شبكة تآمر حقيقي يحاول أن يمسك بخيوطها، تحالف مصلحي اقتصادي و استخباراتي، تتلاقى فيه طموحات دولة "شقيقة" مع جشع استعماري لدولة "صديقة". الأولى تحمل عداء كبيرا للمغرب و تريد تشتيت وحدته الترابية بأية طريقة كانت، و الثانية تريد إعاقة أي مسار تنموي جديد يخرج به المغرب من عباءة التبعية الاقتصادية، و لا تخفي تضايقها من إصرار المملكة على سيادتها و حقها في بناء تحالفات دولية و شراكات اقتصادية على أساس تقدير المغرب لمصالحه. و من دون شك، تريد الأطراف المتحالفة ضد بلادنا، إجبار المغرب على التراجع عن طموحاته الاقتصادية التنافسية، سواء في القارة الإفريقية أو خارجها، و تريده أن يوقف نهج التعاون جنوب - جنوب الذي يصر عليه بشكل يزعج آلة الاستغلال الاقتصادي التي تريد الاستمرار في نهب ثروات بلدان إفريقية استعمرتها سابقا. 
 
و بالتأكيد أن خيوط التآمر ضد بلادنا ممتدة و تتحرك في سياق تحالفات موسعة مع أطراف مختلفة، و مع قوى إقليمية بعيدة جغرافيا عن المنطقة المغاربية، بعضها يسعى لوضع قدمه في ملفات جيوسياسية جهوية، كالملف الليبي، و بعضها غاضب من بلادنا بسبب مواقف سيادية أربكت حسابات بعض الأطراف و مصالحها الخاصة. و في رأيي، أعداءنا بصدد المرور نحو مرحلة نوعية قد تعرف أشكالا غير مسبوقة من الضرب تحت الحزام، بشكل لا أخلاقي يعتمد على نشر التضليل و الكذب على الأحياء و على الأموات، بغرض إحداث البلبلة و شحن الانفعالات ثم استغلالها في اتجاهات و مسارات تخدم المصالح الاستراتيجية لأعدائنا. 
 
لذلك، أمام دقة الظرف، نحن مطالبون بالتعاطي مع المخاطر المستجدة بأعلى درجات اليقظة الاستراتيجية، و تعزيز روح التعبئة الوطنية و الالتحام بثوابت الأمة المغربية، و تقوية الجبهة الداخلية عبر خطوات تعزز أجواء الثقة في تفاصيل تدبير شؤوننا ومشاكلنا، و تنفس الضغط الاجتماعي الذي تسببت فيه أزمة ارتفاع الأسعار و أثرها على الطبقة المتوسطة و الضعيفة. و يتعين الإسراع بتطوير استراتيجية التواصل العمومي، و بناءها بمنطق جديد يعتمد بوضوح الخطاب الوطني المستند على الهوية المغربية و نهج الاحترافية و المهنية و الكفاءة، للتصدي بفعالية للحرب الإعلامية الشرسة التي تشن ضد وطننا، و الوقوف، مؤسساتيا و شعبيا، في وجه ما تحيكه قوى الشر التي تخطط لإيذائنا بمصائب لا يعلم مداها إلا الله وحده.