الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

العثماني: أيها المسلمون الجنة ليست بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب 

العثماني: أيها المسلمون الجنة ليست بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   الصادق العثماني
فالحديث المركزي الذي يعتمد عليه الكثير من الدعاة والمشايخ والوعاظ الذين يحكمون على الناس من خلاله بالإيمان أو الكفر أو الجنة والنار، هو الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "والذي نفسُ مُحمَّد بيدِه، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ، ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرْسِلتُ به، إلَّا كان مِن أصحاب النار" .  
مع أن هذا الحديث يصنف من الأحاديث المرفوعة، والحديث المرفوع صفة للحديث لا تُوجب صحّةً ولا ضعفاً؛ بمعنى أنّ رفع الحديث للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليس سبباً للحُكْم بصحّته، فقد يكون المرفوع مُرسلاً إذا سقط من رواه من الصّحابة، وقد يكون منقطعاً، وقد يكون مُعضلاً، وحينئذٍ يُحكم عليه بالضّعف، والحُكْم بصحّته يلزم اتّصال السّند من أوّله إلى منتهاه، ثمّ ثبوت درجة رجاله من الرّواة، والانقطاع سبب كافٍ لإدارج الحديث المرفوع في أبواب الحديث الضعيف، كما أن متن الحديث يحتاج إلى تفصيل وتحقيق وبيان،  ولو سلمنا بصحته - مع أنه حديث مرفوع- فسنجد أن معنى كلمة  " السماع" فيه لا تعني  كما يتوهم هؤلاء الدعاة والوعاظ؛  أي مجرد السماع، وإنما تعني معرفة حقيقية يقينية برسالة الإسلام وبرسول الإسلام عليه السلام، لا مجرد السماع، هذا من جهة،  أما من جهة أخرى فكتب الحديث والفقه والتفسير القديمة، كانوا أصحابها قد صاغوها وكتبوها على حسب الزمان والمكان والحال والأحوال؛ بالإضافة إلى السياق العام التي كانت تعيشه الأمة الإسلامية وصراعاتها مع الدول المجاورة المعادية والمحاربة لها، التي كانت  لا تدين بدين الإسلام؛ بحيث كان العالم يعيش في صراع وحروب على الدوام والقوي يبلع الضعيف ويستعبده، لهذا الفقهاء آنذاك قسموا العالم في كتبهم الفقهية إلى دار الكفر ودار الإسلام، كما نظروا إلى الإنسان من زاية ضيقة جدا فمن كان مسلما مؤمنا فهو حبيبنا وصديقنا ومقدس طاهر ولايجوز بأي حال من الأحوال انتهاك حرماته أو ظلمه أو التعدي عليه، ومن كان غير ذلك فهو نجس شرير فاسق ضال مضل دمه وماله وعرضه حلال مباح للمسلم ولخليفة المسلمين !!. فهذه التقسيمات والتصنيفات التي قاموا بها سادتنا العلماء والفقهاء في كتبهم وتشبع بها العقل المسلم فوتت على الأمة المسلمة الشيء الكثير وخصوصا فيما يتعلق بالمجال الدبلوماسي والسياسي والعلاقات العامة الخارجية عموما، مع أن القرآن الكريم وفلسفته ومنظوره للإنسان والكون والحياة مختلف تماما عن منظور الفقهاء، فالقرآن الكريم جعل من التعارف أصل من أصول العلاقات البشرية، كما جعل من البر والتقوى والعمل الصالح وحدة القياس في موازينه "جل جلاله" ؛ ولهذا نجد القرآن الكريم يقص علينا بعض القصص سنظل نتلوها إلى قيام الساعة، ومن هذه القصص ، وهي عندما تفاخر المسلمون بإسلامهم على اليهود والنصارى في إحدى المجالس وقالوا لهم نحن وحدنا سندخل الجنة نزل قول الله تعالى: " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ".
 أخرج ابن جرير عن مسروق قال : تفاخر النصارى وأهل الإسلام فقال هؤلاء : نحن أفضل منكم ، وقال هؤلاء نحن أفضل منكم ، فأنزل الله : "لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ " . وأخرج نحوه عن قتادة والضّحّاك والسدي وأبي صالح ، ولفظهم تفاخر أهل الأديان ، وفي لفظ : جلس ناس من اليهود وناس من النّصارى وناس من المسلمين فقال هؤلاء :  نحن أفضل ، وقال هؤلاء : نحن أفضل ، فنزلت. 
وأخرج أيضاً عن مسروق قال : لما نزلت "لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ " قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الآية : " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً " .  
 الصادق العثماني، باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني