الثلاثاء 19 مارس 2024
فن وثقافة

حسن نجمي: الهجوم على الشّيخات هو هجوم على الوجدان الشعبي المغربي

حسن نجمي: الهجوم على الشّيخات هو هجوم على الوجدان الشعبي المغربي حسن نجمي
أجرت جريدة "MarocHebdo" حوارا مع الشاعر والباحث حسن نجمي المهتم بالفنون الشعبية، حيث اعتبر في سياق أجوبته أن الهجوم على الشيخات هو في حد ذاته هجوم على الوجدان المغربي، خصوصا حين يخلط البعض بين الفن والفسوق. وقد قام  عبد اللطيف بحيري بترجمة الحوار الذي تنشره جريدة "أنفاس بريس" نظرا لقيمته الثقافية والمعرفية تعميما للفائدة.
 
ما هو رأيك في السجال الذي اندلع مؤخرا حول ما يسمى بقضية "الشيخ" ضد "الشيخة"؟
وجدت الشيخات بالمغرب منذ ثمانية قرون وهن يمارسن عملهن كأي عمل آخر، كانت مهمتهن تتوقف على إضفاء البهجة والفرح في نفوس المغاربة، حيث كن يمثلن الوجدان الجماعي. فالهجوم على الشيخات يعد هجوما وخدشا لهذا الشعور المغربي مثلما قد نتهجم  على فناني الملحون، أو السماع أو المديح (الذِّكْرْ) و غيرها من الأنواع الموسيقية المغربية.
للسيد ياسين العامري الحق أن يكون له رأيه الشخصي وأن يعبر عنه، لكني لا أعتقد أنه مؤهل للخوض في موضوع معقد كهذا.
 
ومع ذلك لقد عرف مساندة واسعة داخل وسائل التواصل الاجتماعي؟
هذه مفارقة عجيبة، إذ يلاحظ استغلال كبير لوسائل التواصل الاجتماعي من طرف القوى المحافظة أكثر مما يستعملها التقدميون، مع العلم أن أشخاصا كثيرين يتسترون عن اهتماماتهم الثقافية ويظهرون بوجه مخالف أمام الجمهور. 
إن مجتمعنا يحتكم بالأخص إلى الوازع الديني، لدى فمعظم الأحكام الصادرة في حق الشيخات تتسم بالسكيزوفرينيا أو بشكل من أشكال النفاق الاجتماعي.
 
لماذا ألصقت تهمة السمعة السلبية بـ "الشيخة" في وقتنا الحاضر؟
جب رفع اللبس بين الشيخة والبغي (ة)، لدى وجب الرجوع إلى جدور ظهور الشيخات منذ ثمانية قرون خلت. في البدايات لم يكن لهن أجر، حيث كانت نساء القبائل الأمازيغيات أو العربيات تشاركن في أفراح الأعياد والأعراس والمناسبات بالغناء والرقص إلى جانب الرجال، لم تكن القبائل تجلب مجموعة الشيخات من مناطق أخرى لأنها لم تكن متواجدة. أما ظهور الشيخة التي تعمل مقابل المال فقد برزت هذه الظاهرة نهاية القرن التاسع عشر مع بدايات التوغل الاستعماري بالمغرب والقيم الرأسمالية التي تميزه. وتحول عمل هؤلاء النساء إلى المقاهي والمتنزهات في المدن المغربية الكبيرة. يمكن القول إذا أن هذا النوع من الشيخات هو نتاج تحديث المجتمع وصدمة اللقاء مع النموذج الثقافي الغربي.
اللبس بين الشيخة والبغي (ة) نابع من قرار السلطة الاستعمارية بالموازاة مع الباشا لكلاوي حين قام بتنظيم المهن، فقام بتخصيص حي "عَرْصَةْ الْحُوتَةْ" بمراكش مكانا قارا للشيخات، حيث كانت توجد كذلك العديد من بيوت الدعارة.
 
لهذا السبب أصبح تصورنا للثقافة مشوها؟
بالضبط، والمشكل أعمق من السجال الحالي. إن نظرتنا للشيخات هي نتاج تراتبية ثقافية، فخلال أبحاثي حول الفن بالمغرب سجلت أن المرينيين بدأوا إرساء أسس الهوية المغربية، بالموازاة مع ذلك بدأ نزوح المورسكيين من الأندلس نحو المغرب. لقد كانوا مثقفين ويتقنون أحسن المهن والحرف. وتواجدهم في المدن المغربية اعتبر مثالا يحتدى في مجالات الفن والموسيقى والطبخ واللباس والعادات.. وأساس التمدن والتحضر. فقد أصبحوا أخيار دولة المخزن إبان حكم المرينيين واستطاعوا فرض توجهاتهم السوسيو ثقافية، من هنا برزت الخطابات القدحية والمتعالية (فلان مديني وفلان عروبي) ومن هنا أصل المشكل.
 
هل مازال واقع الحال كالماضي؟
نعم، فقد امتد هذا الازدراء في فترة الحماية مع "بروسبير ريكار" المسؤول عن خدمة "فنون السكان الأصليين"، (وبالخصوص أليكسي شوتان) الذي حاول تكريس واختزال الموسيقى المغربية في الموسيقى الأندلسية الآتية من إسبانيا مُوحيا أن المغاربة لم تكن لهم لا موسيقى، ولا حضارة سابقا، وبأن الأنواع الموسيقية المغربية إناء فارغ صالح للاستعمال، و وجب زرع الحضارة فيه. وهذا المشكل لم يحل بالرغم من الاستقلال.
 
هل فات الأوان لإعادة تأهيل صورة الشيخة وفنها؟
سأبقى متفائلا، لأن هذا السجال القائم يبين أن المغاربة يتملكون فنهم وموسيقاهم أكثر فأكثر، فهم لا ينفكون يدافعون عنها ضدا على الخطابات التي تهدد هويتهم ومقومات شخصيتهم. أمور كثيرة تغيرت مقارنة بسنوات 1980 و1990، آنذاك كان بعض أصدقائي (مسؤولين كبارا وأطرا) يخبرونني بأنهم يستمتعون بفن العيطة والشيخات سرا، لأنهم كانوا يخجلون من الجهر بذلك. وكان بعد صدور بحوث ودراسات وكتب حول هذا التراث، فهم يشكرونني لأنهم يتوفرون الآن حجج علمية للدفاع عن أذواقهم.
 
ما العمل الآن؟
لحسن الحظ فدستور 2011 يشكل قطيعة نوعية مع الدساتير السابقة من سنة 1962 إلى سنة 1996، فهو يذكر جليا بكل المكونات العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية لهويتنا وكذلك بروافدها الإفريقية والأندلسية المتوسطية والعبرية، وهذا يجب أن يشكل أساس إعادة هيكلة الحقل الثقافي بالمغرب. ولنظام الجهوية الموسعة دور في سبيل الوصول إلى ما أسميه الديمقراطية الثقافية. 
 
سجلنا بعض التأخر، مثلا في إخراج القوانين التنظيمية مثل القانون الاطار حو للأمازيغية، وكذلك عدم اهتمام الطبقة السياسية بهذا الموضوع المهم، أضف إلى ذلك أن البرنامج التنموي الجديد لا يلبي كل الإنتظارات في الحقل الثقافي، فمعظم أعضاء اللجنة المكلفة بتطبيقه هم فرنكوفيون، لا أعني الفرنسية كلغة للتعبير وإنما كروح فكرية، ففكرهم في باريس ولا يحيطون بالواقع الثقافي واللغوي بالمغرب.
 
ترجمة: عبد اللطيف بحيري