الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يونس وانعيمي: علمانية "مغربية اسلامية"...قهوة وتراب

يونس وانعيمي: علمانية "مغربية اسلامية"...قهوة وتراب يونس وانعيمي

 

اعتقلت السلطات العمومية المحلية لمدينة الدار البيضاء 50 شخصا في مقهى ووضعتهم تحت الحراسة النظرية بتهمة الإفطار العلني.

وهي الواقعة التي أثارت نقاشات "ساخنة" في الإعلام الرقمي والفضاء الأزرق وتنافرت مواقفها بين المؤيدة لقرار الاعتقال وبين مواقف دعاة شجبه والدعوة لإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي بموجبه تم اسقاط التهمة على الأظناء.

 

ليست هي المرة الاولى التي نرى فيها افرادا يتم اعتقالهم بسبب اشهار افطارهم العلني في الفضاءات العامة خلال زمن الصيام من شهر رمضان، وهي غالبا ما تكون محاولات يقوم بها اناس في اطار سلوك احتجاجي ايديولوجي وسياسي وفكري على مسألة تجريم الإفطار العلني والتي تتبناها بعض الجمعيات والحركات ذات التوجه العلماني، وغالبا ما يتم تقييد هذه الاحداث المتفرقة كجنح يتم التخفيف من مساطر متابعاتها لتمر الامور في لين وسلاسة من قبل السلطات، باستثناء بعض الاحداث المحزنة والقليلة التي يأخذ فيها بعض المواطنين القصاص العنيف والمباشر ضد المفطرين وغالبا ما تنتهي هذه الاحداث بنهايات مأساوية.

 

لكن الفريد في هذه النازلة الاخيرة هو اولا العدد الكبير للمفطرين (80 فردا) وثانيا مكان افطارهم (مقهى) وثالثا الدعوات المجتمعية المتكاثرة بشكل أكثر إلحاحيه وتنظيما لإلغاء مواد مجموعة القانون الجنائي المجرمة للإفطار العلني وخصوصا مقتضيات الفصل 200

 

أولا : فالمادة اعلاه، وبعدما وضحت جنحة الإفطار العلني المشمولة بالغرامة والسجن (حسب تبيئ النوازل) فتحت امكانيات الغاء العقوبات بعد تقديم الاعذار الشرعية التي تسمح بالإفطار الاضطراري (شيخوخة، مرض، حمل، سفر...) ولكن النص لم يوضح لا مساطر ولا كيفيات تقديم العذر ولا كيفيات التحقق المادي منه (جوازات أو رخص استثناء أو ما شابه) ولم ينص على كل ضمانات حماية المفطر من قصاص الناس ولا تنزيل شديد العقوبات على المعنفين المحتملين في حالة تعرضه للعنف من طرف مواطنين افرادا او جماعات وكثيرا ما تتسم تدخلات السلطات بنوع من تواطؤ صامت مع عنف الجماهير مع "جانحي الحريات" ... ففي العمق يبقى النص الجنائي مكلفا اكثر بحماية المواطنين كيفما كانت السيارات. النص وبعيدا عن مضامين النقاشات الحقوقية الممكن فتحها بهدوء يحتاج لضبط تشريعي أكثر مما هو عليه في اتجاه احقاق أكبر هوامش الحقوق الفردية.

 

ثانيا: من الناحية العملية فالإفطار العلني، كما السكر العلني واشهار العقائد، لا تسقط في محظور القانون والجزاء الجنحي إلا على مستوى اشهارها العلني والعمومي. ولا يضع المشرع ممارستها في الفضاءات الخاصة في إطار متابعات نسقية الا طبعا في حالات خاصة (كأن يكون هناك افطار او سكر جماعي ولو في فضاءات خاصة وتحول لموضوع تبليغ لشبهة حصول ضرر يسببه للغير) وهي متابعات تتبع لمساطر ضبطية خاصة ومصادرات وحراسات يكون غالبها معقد. المشرع المغربي لا اراه يسقط هنا في تناقضات مع الشرع والشارع عندما يتغاضى عن حالات الإفطار الخاص او السكر الخاص او حتى الجنس الخاص لأنه تشريع "متحور وتأويلي"أراه يحاول المسك بذكاء بين متطلبات الحريات الفردية المتنامية وبين مقتضيات شرعية كابحة لبعض هذه الحريات بل ومنافية لها.. كما لو كان القانون المغربي يخاطبنا بمذهب شرعي ذكي ومتوازن مفاده أن " من ابتلاه الله فليستتر".. ويوضح بالموازاة ان الجهر والاشهار بكل سلوكيات فردية منافية للشرع "المقنن" هي ليست سلوكيات تدخل في باب ممارسة الحريات بل في باب التحريض المنظم ضد القانون.

 

ثالثا: المجتمع المغربي يتغير كسائر المجتمعات واكيد أن السلوكيات الدينية للناس تتغير اتباعا واكيد ان هناك مفطرين كما ان هناك متناولي الكحوليات وممارسي الجنس حتى في ملامح متطرفة..

 

وأكيد ان السلطات العمومية تفطن بوسائلها لحدوث ذلك لكنها تبقي على مسافة بينها وبين الفضاءات الخاصة لأنها سلطة تابعة لدولة اختارت في منظومتها الجنائية ان تكون مرنة مع الحريات الفردية المنافية للشريعة بشرط عدم تأسيسها العمومي. لكنها دولة لا تريد لعقيدتها الجنائية ان تكون علمانية بشكل صريح كما تونس مثلا.. وستبقى الدولة في نظري صارمة مع دعاة علمانية الجانب الجنائي ومرنة جدا مع العلمانيين الافراد الذين يمارسون حرياتهم في فضاءاتهم الخاصة بدون تحويل هذه الحريات لنماذج تؤسس عليها مطالب سياسية.. واستبعد تعديلا في مجموعة القانون الجنائي يسير في هذا الاتجاه على الاقل في العقد المقبل

 

رابعا: بصراحة واقولها بمسؤولية وبشكل بناء... في المغرب بخلاف دول عربية اسلامية عديدة لا يحس المواطن برقابة سلطوية مؤسساتية صارمة فيما يتعلق بممارسة حريات (غير سياسية) كالسكر او الإفطار او العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين...لكن نحس ان الدولة تميل بسرعة في اتجاه كفة تقييد وتكبيل هذه الحريات ان احست بان هؤلاء الافراد (المتهورين) سيتسببون في قلاقل اجتماعية ويثيرون احتجاجات جماعية او يطالبون سياسيا بإسقاط التوازن التشريعي المغربي الذي يمكن أن أصفه بالعلماني-الإسلامي.