الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

مولاي عمر صوصي: همسات في أذن "الشيخ" و"الشيخة"

مولاي عمر صوصي: همسات في أذن "الشيخ" و"الشيخة" مولاي عمر صوصي

بات معلوما لدى القاصي والداني ذلك اللغط الذي أحدثه نقد الشيخ (وغيره) للمسلسل الدرامي المعالج لقضية الشيخة، فتمزقت آراء المغاربة بين معارض ومؤيد، كل ينطلق من مرجعيته الثقافية ومخياله الشعبي ورؤيته الاستشرافية. فإلى أي الآراء المستقر والمأوى؟

نسبية الأفكار والمواقف:

إن القصد من هذه المقالة ليس تأجيج الصراع وإلقاء الأعواد على النار المستعرة، إنما هو محاولة لتوجيه الأفكار وتلطيف الأجواء عسى أن نتحاشى في قابل الأيام مثل هذه الشجارات. فأنا لست مع الشيخ ولست ضده ولست مع المواد الإعلامية -في أيامنا هذه-ولست ضدها، فهل معنى ذلك أنني موغل في سوفسطائية الفيلسوف الإغريقي بروتاغوراس؟ أو ضاعت مواقفي مع النسبية الأخلاقية التي روج لها الفيلسوف الألماني نيتشه؟

"الجمال والفن" ثالثة الأثافي لمقاربة الذات الإلهية

لا شك أن مطلب كل فيلسوف أو مثقف هو معرفة الحقيقة وشفاء الغليل من أسئلة أنطولوجية مؤرقة والتحيز لمواقف أكسيولوجية مقلقة باعتماد أدوات ومناهج إبستيمية دقيقة، والمهتم بالشأن الديني في حقه ذلك أكد استجابة لقول الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون: سورة الذاريات:56) [قال ابن عباس: ليعبدون أي ليعرفون]، فكانت المقاربة الشاملة لمعرفة الحضرة الربانية ترتكز على ثلاثة عناصر لا غنى عنها وإلا سقط الباحث في اختزالية قاصرة وتبسيطية مخلة وهي: 1-المنطق العقلي 2- الضمير الأخلاقي القلبي 3- البعد الجمالي الفني.

وعليه، كل استبعاد للفن والجمال عن المعادلة البحثية عن العيش الكريم المتسم بالمعنى ومعرفة الحقيقة الأنطولوجية بشموليتها يعد ضربا من التنائي عن الصواب ومجانبة الحق. فكان -إذن- كل هجوم -بإرسال ودون تقييد- على السينما وما يتصل به من مسلسلات ومسرح وغيرها من ألوان فنية يعتبر غمطا للحق وتبخيسا للناس أشياءهم الوارد فيها نهي من الله تعالى في القرآن الكريم ومن رسوله المبين عليه الصلاة والسلام.

دعاة لا قضاة

لا يخفى على كل ممارس للدعوة الإسلامية، قيم على الوعظ والإرشاد، أن وظيفته قاصرة على التوجيه والبشارة والنذارة بطرق سلمية، هاشة باشة، غير منفرة وليست قائمة على الإجبار والإكراه والقسر، فالدخول في الدين جملة قائم على الإقناع والتحبيب لقوله عز وجل: (لا إكراه في الدين: البقرة: 256) وما كان رسول الله بأمر من ربه سبحانه إلا مبلغا: (لست عليهم بمصيطر: الغاشية: 22) بل أمر بالدعاء لأهله وصحبه استمطارا لرحمة الله بهم والحنو عليهم. (وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم: التوبة: 103).

فكيف يستساغ أن يطلق الشيخ في أحد دروسه الرمضانية صفة "الكلاب الإعلامية" على أعمال قدمها مغاربة يدينون بالإسلام وغالب الظن -بل طمأنينة الظن أو محض اليقين-أنهم يقيمون الشعائر الدينية من صلاة وصيام وغيرها، ويدعون ربهم بالمغفرة والسلامة من العنت والشقاء.

ثنائية أهل الحق وأهل الباطل

جاء في كلام الشيخ في نفس المحاضرة المفاصلة بين من سماهم أهل الحق وأهل الباطل، فالسامع لهذا الحديث لا يدري هل الشيخ يوجه خطابه في دولة غير مسلمة يتزايل فيها أهل الحق عن أهل الباطل، ويتدافعون في رقعة محددة ليعلم لأيهم تكون الغلبة، وكأني أستحضر قوله تعالى: (ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا: الحج:40). هذا وإن كنت أرجح أن الشيخ يقصد الأيادي التي تمسك بالخيوط وتؤثث المشهد وفق أجندات معينة. لكن رغم ذلك يبقى إطلاق الثنائية فيه ما فيه من الإجحاف والحيف.

ثم إن المؤمن قد نهاه الله تعالى على أن يزكي نفسه ويتعالى على الآخرين، فهو سبحانه أعلم بمن تزكى فحذرنا قائلا: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى: النجم:32)

انتقاد العيوب لا تعميم العيب

لا ريب أن كل عمل بشري لا يخلو من العيوب والهنات، والناقد الحصيف المنصف هو الذي يتوجه رأسا إلى العيوب الجزئية فيعلق عليها ويوجه ويصوب وفق مرجعيته التي يفترض أن تكون مرجعية البلد الذي يعيش في ترابه ويتنفس هواءه، والمملكة المغربية سطرت في دستورها أن الإسلام هو دين البلاد الرسمي، وبهذا القيد يلتزم كل متدخل وناصح.

وكغيرها من الأعمال تعرف هذه المسلسلات الرمضانية أخطاء وترتكب فيها هفوات -دون الغفلة عما حققته من نجاحات باهرة- تتنافى مع ثقافة المجتمع المغربي المحافظ، وحتى يكون كلامنا مبنيا على وقائع حقيقية لا مجرد انطباعات وتحكمات دون دليل، نضرب مثالا وأختاره -بعيدا عن مسلسل "المكتوب" الذي كان محلا للنزاع- من مسلسل "بيا ولا بيك"، حيث يخرج شاب مع شابة تعرف عليها حديثا -ولم يرتبط بها بعد حتى ولو بالخطبة- في نزهة إلى الجبال وقد حملا على ظهريهما خياما (Sacs de couchage) صالحة للاستراحة والمبيت، كل ذلك تحت أعين الوالدين وبمباركتهم. أليست هذه ثقافة دخيلة على الوعي الجمعي المغربي؟ لكن السؤال هو: هل وجود عيب جزئي يضرب العمل كله عرض الحائط؟ أليس من الإنصاف أن نعترف بأهلية وجدارة ممثلين وازنين كبار مثل محمد خيي ومليكة العماري ومن في طينتهما؟ أليست السينما هي السلطة الرابعة التي يمكن أن تنهض بالبلد إن وظفت خير توظيف أو تطيح به إن جانبت الصواب؟ أليس أولى أن يصح هكذا عيب ويعدل المخرج وكاتب السيناريو منه بما يحافظ على القيمة الفنية للمسلسل ويحفظ للمغاربة أخلاقهم وتربيتهم على العفة والحياء؟

وحدة القدوات

إن نجوم السينما والفن عموما من حيث علموا أو لم يعلموا يعدون من قدوات المجتمع يتأسى بهم الصغير والكبير، فاستحضارهم لهذه المعاني يدعوهم لتقديم مستوى رسالي وهادف بما يخدم الصالح العام ويفتل في حبل خدمة المجتمع والرقي به نحو الازدهار ومزاحمة الأمم المتقدمة، لكن إذا تم الهجوم عليهم من قبل الأستاذ الواعظ -الذين يعتبر أيضا أسوة للناشئة-يتفرق الناس بين من يختارون للتآسي به والسير على خطاه ويسقطون في حيرة مقلقة. فكان اتفاق قدوات المجتمع على خلفية فكرية واحدة وخط أخلاقي موحد أجمع للشمل وألم للشعث. وإن كان هذا المطلب طوباويا حالما إلا أن تكثيف الجهود من أجل التلاقي ومد الجسور من أجل تلافي التنافي والتدابر ليس مستحيلا إذا استحضرنا حب الوطن واستشرفنا مستقبل الأجيال الصاعدة.

هذا وإني أكن كل الاحترام للشيوخ والأساتذة الناصحين المرشدين ولا أحاشي أحدا منهم ما داموا يسعون للخير، كما أشد على يدي كل الفنانين الذين يصنعون الفرجة ويبهجون الرائين ويخففون الهموم عن المكلومين عند الالتزام بالقيد نفسه. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 

الدكتور مولاي عمر صوصي، خريج كلية الشريعة بفاس ودار الحديث الحسنية بالرباط