الأربعاء 1 مايو 2024
فن وثقافة

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح/10)

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح/10) مصطفى حمزة يتوسط بعض رجال المقاومة بالمنطقة

في لقاء لجريدة "أنفاس بريس" مع الباحث مصطفى حمزة، المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي، بخصوص حلقات حول: "جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر"، أشار بالقول: " إننا عادة ما يكون عدم اهتمامنا ببعض الأحداث، والأمكنة وغيرها من تراثنا المادي واللامادي رغم أهميتها المادية والمعنوية، سببا في زوالها واندثارها، وبذلك نفقد جزءا مهما من ذاكرتنا".

وانطلاقا من هذه الملاحظة، شدد الباحث مصطفى حمزة قائلا: "يتضح أننا ضيعنا جزءا كبيرا من تراثنا المادي واللامادي". مضيفا بأن ما ضيعناه على سبيل المثال لا الحصر بإقليم اليوسفية بقبيلة أحمر من معالم ومواقع أثرية وتاريخية يتمثل في "معلمة القصبة الإسماعيلية، ومدرسة الأمراء العلويين، إلى جانب الحاضرة الفوسفاطية التي بدأت تخضع للتشويه، فضلا عن بنايات حي (الديور الجداد)، ومراكز قرية سيدي أحمد، والقرية الفوسفاطية المزيندة، والأحياء العمالية، وقصبات الكثير من القواد، دون الحديث عن معلمة معصرة السكر بمنطقة سيدي شيكر...".

وأكد رئيس جمعية أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية (مصطفى حمزة) إلى أن الإهمال جعلنا نضيع كذلك "العديد من الأهازيج والأغاني النسائية، والأحاجي، والألعاب الشعبية، والكثير من الكلمات التي كانت تشكل ثروة لغوية، كما ضيعنا العديد من أسماء الأعلام البشرية والجغرافية".

ورغبة منه في المساهمة في توثيق و الحفاظ على تراث المنطقة، قرر الباحث مصطفى حمزة الشروع في الكتابة عن بعض الأحداث والوقائع من تاريخنا الراهن، وأن تكون البداية بـ "سجن الشماعية" القديم والذي انقرضت معالمه بمدينة الشماعية، لكونه استقبل شخصيات وطنية كان لها وزن كبير عند الحمريين والمغاربة، يذكر منهم: (الفقيه عبد السلام المستاري، أحد الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، والوطني محمد بن الطبيب الآسفي، والحاج أحمد زغلول أحد أبرز الوطنيين ببلاد أحمر..)

 

أ - وطنيو أسفي يخترقون الحفلات الرسمية لعيد العرش لسنة 1947م.

 

يبدو أن رغبة سلطات الحماية الفرنسية بأسفي، في التنكيل بالوطنيين والحط من كرامتهم، كانت هي الدافع وراء ترحيلهم من سجن أسفي "بيرو عرب" إلى السجون الموجودة خارج المدينة، ومن ضمنها سجن مدينة الشماعية الذي كان معروفا بظروفه القاسية. والواقع أن وراء هذا الإجراء الفرنسي عاملين أساسيين:

- العامل الأول: هو أن التجذر والامتداد القوي للعمل الوطني بمدينة أسفي، كان يمنع الفرنسيين من التنكيل بالوطنيين بسجن المدينة.

- العامل الثاني: هو رغبة الفرنسيين في ترهيب وتخويف الحمريّين، وخاصة من خلال المشاهد اليومية للمعتقلين بسجن الشماعية وهم يقومون بالأشغال الشاقة داخل أحياء المدينة وخارجها. فهل كان لهذين الإجراءين تأثير على العمل الوطني للوطنيين بقبيلتي عبدة وأحمر؟. 

 

تؤكد النصوص المتوفرة حاليا ، أن العمل الوطني بمدينة أسفي يعود إلى منتصف العقد الثاني من القرن الماضي، وتعزز أكثر مع الاحتجاجات التي رافقت صدور الظهير البربري، وتأسيس  كتلة العمل الوطني، وبدايات الاحتفال بعيد العرش، ومشاركة وطنيي مدينة أسفي (الفقيه عبد السلام المستاري، محمد بلخضير، محمد البوعمراني ) في توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال في يناير 1944م، وتأسيس أول فرع لحزب الاستقلال في نفس السنة.

 

هذه الروح الوطنية كان لها امتداد قوي لدي مختلف الفئات، بفضل التأطير المنظم والمحكم الذي كان يقوم به الوطنيون لفائدة الشباب والعمال والتجار والحرفين والبحارة، وهو ما يترجم التجاوب الكبير الذي كانت تلقاه الإضرابات والحركات الاحتجاجية من قبل المواطنين، هذا إلى جانب المواقف التي كانت لباشا المدينة الطاهر المقري الذي كان معروفا بعطفه على الوطنيين، ومحبته الخاصة وتقديره الكبير لبعض شيوخ ورموز الحركة الوطنية بأسفي مثل: الفقيه محمد بن الطيب الوزاني، والفقيه محمد الهسكوري .

 

الترجمة الحقيقية للعمل الوطني لوطنيي أسفي، برزت بشكل قوي في نونبر من سنة 1947م، فخلال هذه السنة اضطرت اللجنة التنفيذية إلى توجيه تعليمات دقيقة لفرع الحزب بأسفي، تدعو الوطنيين إلى اختراق الحفلات الرسمية والعمل بكل الوسائل والحيل لتحويلها إلى مهرجانات وتظاهرات وطنية. ولتحقيق ذلك، كلف الفرع عددا من الوطنيين منهم: محمد الشقوري، وعلال قنبوع، وسي عبد السلام مجيد، ومحمد بنهيمة، ومحمد الزين . وبالفعل تمكن هؤلاء الوطنيون خلال الاحتفال بعيد العرش، من تحقيق توجيه اللجنة التنفيذية، مما أحرج ممثلي سلطات الاحتلال، فغادروا مكان الحفل مضطرين، وكانت نتيجة ذلك اعتقال الوطنيين المشار إليهم، واتهامهم بتدنيس العلم الفرنسي، والحكم عليهم بمدد متفاوتة ، وللنيل منهم تم ترحيلهم إلى سجن الشماعية المعروف بقساوة ظروفه.

 

ب - وطنيو أسفي المعتقلون بعد الزيارة الملكية لمدينة كشكاط " لوي جانتي ".

 

النيل من وطنيي أسفي من طرف الفرنسيين، لم يقف عند حد اعتقال هذه الدفعة، بل تعداه إلى اعتقال وطنيين آخرين على امتداد السنوات المتبقية من فترة الحماية.  فبعد الزيارة الملكية التي قام بها السلطان محمد الخامس لمدينة كشكاط "لوي جانتي" مقر إقامة القائد محمد بلكوش في أبريل 1950م، وما ترتب عنها من ردود فعل عنيفة من طرف الفرنسيين وعملائهم، ضد المنظمين للزيارة والوفود المشاركة فيها (وفد أسفي، ووفد مراكش )، فمباشرة بعد الزيارة الملكية، تم تدبير مؤامرة دنيئة ضد متزعمي وفد مدينة أسفي، إذ تم اعتقال كل من المناضل الوطني الفقيه عبد السلام المستاري، والوطني محمد ولد الطبيب، حكم عليهما بثلاثة أشهر سجنا قضاياها بسجن الشماعية.