الجمعة 3 مايو 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويسي: مدريد "تؤيد" والجزائر"تندد"

عزيز لعويسي: مدريد "تؤيد" والجزائر"تندد" عزيز لعويسي

بعد إعلان الجارة الإسبانية عن موقفها التاريخي وغير المسبوق بشأن قضية الوحدة الترابية للمملكة، كان من الطبيعي أن يحرك هذا الموقف مشاعر الرفض والتنديد والاحتجاج لدى قادة الجارة الشرقية، وقد جاء الرد سريعا باستدعاء السفير الجزائري المعتمد بمدريد، في خطوة دبلوماسية فاقدة للبوصلة، من الصعب فهمها أو تفهمها بمعزل عن عقيدة العداء الخالد للمغرب ووحدته الترابية.

 

بعد الموقف الأمريكي التاريخي القاضي بمغربية الصحراء وما تلاه من نجاحات دبلوماسية متعددة الزوايا، كرست مغربية الصحراء وسيادة المغرب على كافة ترابه، راهن أعداء الوطن الخالدين على الجارة الشمالية إسبانيا عبر سلاح الغاز، لخدمة ما يسكنهم من أحقاد غير مبررة تجاه المغرب الذي طالما تم توصيفه بالعدو الخارجي، لكن ورقة الغاز بكل ما تحمله من سخاوة وإغراء، لم تكن كافية لكسب ود مدريد والحفاظ على صلابة موقفها الاعتيادي حيال قضية الصحراء المغربية، بعدما استوعبت الجارة الإسبانية الدرس المغربي جيدا، وفهمت ولو متأخرا، أن مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس، وأن أمن واستقرار إسبانيا من أمن واستقرار المغرب، ومصالحها الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، لا يمكن أن يتم كسب رهاناتها إلا بالمغرب ومع المغرب، بحكم الجغرافيا التي جعلت من المغرب بوابة أوربا نحو إفريقيا، ومن إسبانيا بوابة إفريقيا نحو أوربا.

 

وبقدر ما نثمن الموقف الإسباني غير المسبوق على غرار الموقف الألماني فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة، بقدر ما نأسف على جار شرقي لازال مصرا على الأنانية والعناد والعداء غير المبرر، ليكون حاله كحال البقرة التي تأكل العشب ولا تنظر إلى الحافة، والعشب هنا معناه الانشغال بالمغرب واستنزاف القدرات والمدخرات لكبح جماحه والتشويش على وحدته ومصالحه الاستراتيجية، أما الحافة فتشير إلى الإصرار على الرهان على مليشيات الوهم والسراب، دون تقدير كلفة هذا التهور، على الجزائر ذاتها وعلى المعيش اليومي للشعب الجزائري الشقيق، وعلى وحدة الصف العربي وأمن واستقرار الفضاء المغاربي ومنطقة غرب المتوسط عامة.

 

كنا نأمل أن ينتبه قادة الجزائر إلى المتغيرات الجيوسياسية ذات الصلة بالوحدة الترابية للمملكة، ونشير بالأساس إلى متغير الاعتراف الأمريكي غير المسبوق بمغربية الصحراء والإجماع الخليجي العربي حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، وتوالي الاعترافات بسيادة المغرب على كافة ترابـه، وبنجاعة الحكم الذاتي كخيار واقعي ذي مصداقية لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، وتغير المواقف الأوربية التي باتت أكثر مسؤولية وواقعية ووضوح في علاقاتها مع المغرب، كما حدث مع إسبانيا وقبلها ألمانيا ودول أوربية وأمريكية أخرى.

 

كنا نأمل أن ينظر الجيران بعيون متبصرة إلى ما طال المشهد الإفريقي من متغيرات في السنوات الأخيرة بشأن قضية الصحراء المغربية، في ظل اتساع دائرة البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة التي سحبت الاعتراف بجمهورية السراب، ومالت بشكل طوعي إلى خيار الوحدة والأمن والاستقرار والسلام والتعاون المشترك، عبر دعم الوحدة الترابية للمملكة وتزكية مقترح الحكم الذاتي.

 

كنا نأمل أن يستمع الجيران إلى صوت العقل والحكمة، ويطرحوا عن طواعية أسلحة الحقد والكراهية والدسائس والفتن، لأنها باتت متجاوزة ولم تعد تجدي نفعا، واستحضار ما يجمع الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري من روابط الدين والدم والعروبة وحسن الجوار والتاريخ والمصير المشترك، ووضع اليد في اليد لبناء مستقبل آمن ومطمئن ومزدهر للمغرب والجزائر ولكافة شعوب المنطقة.

 

لكن يبدو أن جليد الأمل يذوب أمام حرارة العداء الخالد، بدليل أن الرد الجزائري على الموقف الإسباني، أتى سريعا بعد استدعاء السفير الجزائري بمدريد، وهذا يجعلنا أمام نظام عنيد بات حاله كحال الثور المطعون الذي وبدل الاعتراف بنتيجة المباراة والخلود إلى الراحة في انتظار استرجاع القوى المنهوكة، يصر على المناورة والتحدي، دون أن يدري أن المباراة انهاها الحكم بالضرب القاضية.

 

وبلغة الأمل والتفاؤل، نأمل أن يغير حكام الجارة الشرقية النظارات السوداء، حتى يدركوا أن أمورا كثيرة قد تغيرت، وينتبهوا إلى يد ممدودة إليهم من جهة الغرب، باسم الدين والعروبة وحسن الجوار والأمن والسلام والعيش المشترك والرخاء والازدهـار، ويفهموا بروح رياضية أن "المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها"، وأي تصور أو موقف خارج هذا الإطار، لن يكــون إلا عبثا وسباحة ضد التيار، وإصرارا على البؤس واليأس والعزلة والنفور...

ونختم المقال بتوجيه البوصلة نحو "المغاربة الصحراويين" أو "الصحراويون المغاربة" الذين يعيشون تحت الحصار في مخيمات الدل والعار، بعدما وقعوا في مكيدة عقيدة العداء التاريخي الجزائري للمغرب لسبب أو لآخر، وباتوا أداة تسخرها الجارة الشرقية لاستهداف المغرب والمساس بوحدته الترابية، لنؤكد لهم ما قاله الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، في أن "الوطن غفور رحيم"، وقد آن الأوان ليعودوا إلى رشدهم، ويلتفتوا إلى الغرب، ليدركوا أن هناك "وطن" حبه من الإيمان، لن يجدوا حرية ولا عزة ولا كرامة ولا كبرياء ولا بهاء بين الأمم إلا بين أحضانه، ليفهموا أن لا حياة لهم إلا بالوطن ومع الوطن الأم، ونقصد بهذا الكلام، المغاربة الذين وقعوا تحت الأسر أو غرر بهم لسبب أو لآخر، وهؤلاء اذا اختاروا حضن الوطن، فالوطن رحيم وكريم، وإذا جنحوا إلى حضن الوهم والبؤس والعار، فالوطن منهم بــراء، أما "المرتزقة" أو من يحمل السلاح في وجه الوطن من المغاربة المغرر بهم، فلا يمكن إلا أن نتمنى لهم حياة "سعيدة" في "فردوس" تندوف، لكن اذا اقتربوا من الحدود، سيكونون قد اقتربوا من خط "اللاعودة"...