السبت 27 إبريل 2024
ضيف

خديجة رضوان: الصحافية التي اقتحمت مجال الإعلام السياسي

خديجة رضوان: الصحافية التي اقتحمت مجال الإعلام السياسي

تابعت خديجة رضوان (المديرة السابقة للبرامج بإذاعة "أصوات") مجمل دراستها الابتدائية والثانوية بتفوق بمدينة الولادة الدارالبيضاء إلى أن حصلت على شهادة البكالوريا سنة 1983 بميزة. وبما أن خديجة كانت تتابع دروسا خاصة في اللغة الإسبانية، فإن مسارها الطبيعي كان هو أن تصبح أستاذة لهذه اللغة، لكنها استسلمت لجاذيبة خاصة كانت تمارسها عليها مهنة الصحافة فمنذ التحاقها بسلك الثانوي.

 

إعداد: محمد شروق

 

كانت خديجة رضوان تقرأ الكثير من الروايات والقصص المصورة التي كانت تتلقى أجزاءها الكاملة من طرف أستاذة العلوم الطبيعية البلجيكية. هذا الانجذاب قادها إلى الالتحاق بالمعهد العالي للصحافة بالرباط، لتبدأ رحلة طويلة في عالم «صاحبة الجلالة». وهي مهنة تقول عنها خديجة تتطلب الكثير من الطموح والإتقان والالتزام.. وهي كلها عناصر تتكامل لدى الصحافي من أجل القيام بعمله بكل مهنية.

طموح خديجة في اقتحام هذه المهنة دفعها إلى متابعة دراستها العليا بفرنسا، ثم العودة إلى المعهد العالي بالرباط لتحصل، في بداية التسعينيات، على دبلوم الدراسات العليا. في هذه المرحلة بدأت تظهر العناوين الأولى للصحافة المستقلة بالمغرب، وهو ما شكل موضوع بحث تخرجها من المعهد، والذي خصصته لتحليل الخطاب في مجلة «ماروك إيبدو» التي أسسها ويديرها إلى اليوم محمد السلهامي.

العلاقة الحقيقية لخديجة رضوان مع المهنة انطلقت من الدار البيضاء كمراسلة لإذاعة الوطنية باللغة الفرنسية، ثم تلتها مسيرة طويلة بالصحافة المكتوبة عبر الاشتغال بعدد من المنابر مما مكنها من تجربة مهنية وإنسانية غنية. لكن في سنة 2007 ستقفل خديجة قوس الصحافة المكتوبة وتعود إلى الإذاعة، لكن هذه المرة بالمشاركة في إطلاق مشروع إذاعة «أطلانتيك» الذي تزامن مع تحرير القطاع السمعي بالمغرب. وفي سنة 2009 عينت خديجة رضوان على رأس مديرية البرامج لإذاعة أصوات. اليوم عندما تتأمل ضيفتنا مسيرتها المهنية، تشعر باعتزاز بأنها اشتغلت واستطاعت أن تفرض نفسها خاصة عندما اختارت اقتحام الكتابة في الشؤون السياسية في جميع المنابر التي اشتغلت بها في وقت كان هذا الأمر حكرا على الرجال.. فالأمر لم يكن سهلا، بل تطلب من خديجة الكثير من الصبر والجدية والمصداقية.

عندما تسأل خديجة عن المجال الذي تفضل: الإذاعة أم الصحافة المكتوبة؟ تقول إن مرورها بهذين النوعين منح لها لمسة خاصة. فالعمل بالإذاعة يدفع إلى التركيز والتدقيق، ويحتم على الصحافي أن يذهب مباشرة إلى الأهم في دقائق معدودة. في حين أن الصحافة المكتوبة تتطلب إعدادا ومجهودا أكثر على مستوى الكتابة. علما أن انتقال خديجة من المسموع إلى المقروء لم يكن اختيارا، بل كان بدافع أن الإذاعة الرسمية التي كانت تعمل بها في البداية كانت تطلب أدنى مجهود من صحافييها في جو من الملل والروتين بعيدا عن الإبداع. لكن خديجة كانت تتحدى هذه الخطوط وتقوم بعملها كصحافية تقتحم مواضيع كانت تنصح (بضم التاء) هي وزملاؤها بعدم الاقتراب منها. مثل فكرة إجراء حوار حول «السيدا» في زمن كانت فيه الإحصائيات حول هذا المرض في حكم الطابوهات. الحوار منع بطبيعة الحال واضطرت خديجة إلى الاعتذار للشخصية المستجوبة. وكان أول درس حقيقي في الابتعاد عن الأوهام. وفهمت خديجة قبل أن يفهم المسؤولون أنها في المكان الخطأ. حملت حقائبها وتوجهت إلى فرنسا لمتابعة دراستها العليا والقيام بتداريب بقناة فرنسا (2). ولظروف عائلية اضطرت للعودة إلى المغرب لتشتغل كملحقة صحافية بإحدى عمالات الدارالبيضاء الكبرى قبل أن يمسها فيروس الصحافة من جديد، وتجد محمد السلهامي فاتحا لها أبواب أسبوعية «ماروك إيبدو»، وتنتقل بعدها إلى يوميات «لوكوتديان دي ماروك»، ثم «لوماتان»، ف «ليكومنومست». وكأن قدرها بالعودة إلى الإذاعة كان يتربص بخديجة لما أقدم منعم الديلمي، رئيسها بجريدة «ليكونومست» على إنشاء إذاعة «أطلانتيك»، وقدم لها مفاتيح قسم التحرير.

الرهان كان كبيرا ومشجعا، لكن الإقامة هناك لم تطل، لترحل إلى إذاعة «أصوات» وتتقلد منصبا مديرة البرامج. في مهنة الصحافة التقت خديجة رضوان بنساء ورجال رائعين أعطوا لهذه المهنة النبيلة من حياتهم، هناك منهم من مات في المجهول ومنهم من طواه النسيان. وتتأسف خديجة، وبحرقة، على ما عايشته في وقت ما من صحافة جيدة على مستوى الشكل والمضمون.

وها هي اليوم تشهد تراجعا مرهبا وضربا لأخلاقيات ومبادئ المهنة. فهناك منابر ارتقت وتطورت في دول بلا تاريخ وبدون موارد بشرية حقيقية، ونحن في المغرب ما زلنا نراوح مكاننا. وتستشهد: في آخر استطلاع حول عناوين الصحافة الأكثر انتشارا في العالم العربي تمت الإشارة إلى الجزائر كبلد في المقدمة، في حين أن المغرب غائب تماما عن اللائحة، وهو أمر يفوق أي تعليق. فقط يبقى من حق خديجة رضوان والغيورين على الإعلام في هذا البلد أن يحلموا باليوم الذي سيملك فيه المغرب صحافة مهنية محترفة قادرة على المنافسة الجهوية والدولية. فها هم صحافيونا يهاجرون، وقانون الصحافة المأمول يتعثر في الصدور، والجميع يسمح بهشاشة قطاع الإعلام الذي أصبح اليوم في العالم أجمع عنوان التغيير والتقدم في ظل إطلاق استراتيجيات تغلب فيها المصالح الشخصية ودور الإنتاج ساعية في الحفاظ على ما اكتسبته في زمن ما لدى قنوات تلفزيونية تمثل الجودة آخر انشغالاتها. في هذا الوقت، الوطن هو الذي يؤدي الثمن. فهل من يوقف النزيف؟

عندما تلتفت خديجة رضوان وراءها تكتشف أنها أعطت كل شيء لمهنتها جسدا وروحا، وتجد اليوم في حنان الأم وصداقة أخواتها وإخوتها وفي صديقاتها وأصدقائها الأوفياء كامل قوتها التي تعينها على الاستمرار. ورغم كثرة الانشغالات، فإن خديجة رياضية جيدة منذ طفولتها وخاصة في ممارسة رياضة المشي، وهي المتعة التي افتقدتها. لكنها عادت لتمارسها في الشهور القليلة الأخيرة. إذ تقضي الساعات الطوال في المشي. خديجة مولعة بالأسفار، وعندما تضطر إلى البقاء في الدار البيضاء، إما لضيق الوقت أو لغياب الإمكانيات، فإنها تطلب «اللجوء الثقافي» إلى فضاءات الكتب التي تمنح لها التحليق بحرية في عوالم أخرى تشكل لهل متنفسا مثل جرعات أكسجين.

ومن الصدف أن إعداد هذا البورتريه تزامن مع تقديم خديجة رضوان لاستقالتها من إذاعة «أصوات» التي قضت بها حوالي أربع سنوات. أكيد أن خديجة لن تخلد للراحة، لأن فيروس الصحافة قد تمكن من جسمها، ولابد أن نراها تمارس المهنة التي ولدت واجتهدت وضحت بكل شيء من أجلها.