الثلاثاء 21 مايو 2024
ضيف

أحمد بوز: مالية الأحزاب المغربية مازالت تسكن في "العالم السحري"

 
 
أحمد بوز: مالية الأحزاب المغربية مازالت تسكن في "العالم السحري"

يرى أحمد بوز، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي الرباط، أن نشر مجلس الحسابات لتقريره حول مالية الأحزاب وإن كان مهما من ناحية الإحراج الذي قد يسببه للأحزاب التي يرد اسمها ضمن خانة الأحزاب التي تسيء التصرف في تدبير أموال دافعي الضرائب، فإنه يبقى غير كاف إذا لم تليه إجراءات أخرى، وأعني هنا تطبيق الجزاءات التي يفرضها القانون...

 

حاوره: منير الكتاوي

 

+ نشر المجلس الأعلى للحسابات مؤخرا تقريرا حول نتائج فحص حسابات الأحزاب السياسية، منبها إلى أن عددا من الأحزاب لم تدل بحساباتها السنوية إلى المجلس، كيف تقيم هذا التقرير؟

- أظن أن هذا شيء مهم، إذ بعد أن كان قانون الأحزاب لسنة 2006 لا يلزم المجلس بنشر التقارير المحاسبية التي يعدها حول التدبير المالي للأحزاب السياسية جاء دستور 2011 لكي يفرض على المجلس بأن يقوم بنشر تقاريره بما فيها التقارير ذات الطابع الموضوعاتي، وضمنها التقارير الحزبية، ولكن هذه العملية لا تزال تطرح بعض الإشكاليات. فمن جهة، فإن ما نشر في تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير، وكذا الذي من قبله، لا يرقى إلى مستوى التقارير المحاسبية كما تتم في عدد من البلدان الديمقراطية التي تعتمد نظام تمويل الدولة للأحزاب السياسية. فهو يعد جزء من التقرير العام لأنشطة المجلس، وليس تقريرا موضوعاتيا مستقلا، كما أن الحيز المخصص له لا يتعدى أربع صفحات، ثم أن المعلومات المدرجة فيه تبقى عامة عن الأحزاب التي استفادت من الدعم وحجم المبالغ التي توصلت بها، وحجم المصاريف التي صرحت بها، ولا تتوقف بدقة عند تحديد طبيعة الاختلالات الموجودة والأحزاب المعنية بها. ومن جهة أخرى، فإن النشر في حد ذاته، وإن كان مهما من ناحية الإحراج الذي قد يسببه للأحزاب التي يرد اسمها ضمن خانة الأحزاب التي تسيء التصرف في تدبير أموال دافعي الضرائب، فإنه يبقى غير كاف إذا لم تليه إجراءات أخرى، وأعني هنا تطبيق الجزاءات التي يفرضها القانون.

+ ماهي طبيعة هذه الجزاءات؟

- ينص القانون التنظيمي للأحزاب على حرمانها من الدعم السنوي برسم السنة المالية الموالية في الحالة التي لا تقدم فيها المستندات والأدلة المتعلقة بكيفية صرف الدعم العمومي (السنوي أو الانتخابي) الذي تتوصل به، بل إن هذا القانون يذهب إلى حد اعتبار كل استخدام كلي أو جزئي للمال العمومي الممنوح من طرف الدولة لأغراض غير تلك التي منح من أجلها اختلاسا للمال العام يعاقب عليه قانونا. ولكن المشكل يكمن، كما قلت من قبل، في أن هذه الجزاءات تظل حبرا على ورق. إذ ما قيمة أن يأتي المجلس ويؤكد في تقريره السنوي بأن 17 حزبا من أصل 35 مرخص لها بكيفية قانونية لم تقدم تقارير محاسبية إلى المجلس، وأن 15 منها هي التي قدمت تقارير مشهود عليها من طرف خبير محاسب، وأن 32 في المائة من النفقات المدرجة في التقارير المقدمة للمجلس غير مبررة..إذا لم تواجه هذه الاختلالات بمقتضيات القانون. ولذلك، ففي تقديري، كان على المجلس في تقريره الأخير، عوض أن يكتفي بتقديم بعض «التوصيات التعليمية» المتعلقة بتدريب الأحزاب على إعداد مخططاتها المحاسبية، أن يحث على ضرورة مواجهة الاختلالات المسجلة بسلطة القانون.

+ على ذكر المجلس الأعلى للحسابات يطرح التساؤل حول الدور الذي يمكن أن يلعبه في فرض هذا التقليد الحزبي في كشف ميزانيات تؤخذ من المال العام؟

- من المهم الإشارة هنا إلى أن المجلس الأعلى للحسابات قد أضحى منذ صدور قانون الأحزاب لسنة 2006، وبصفة خاصة منذ صدور القانون التنظيمي للأحزاب لسنة 2011، يتمتع بإمكانيات كبيرة لفرض الرقابة على مالية الأحزاب. فقد أصبح هذا المجلس، بنص الدستور والقانون التنظيمي للأحزاب، هو الجهة الوحيدة المخولة للرقابة على مالية الأحزاب، سواء تعلق الأمر بالدعم السنوي الذي تتلقاه الأحزاب أو الدعم الانتخابي. كما أصبحت الأحزاب ملزمة بحصر حساباتها السنوية ويشهد بصحتها خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين، وبأن توجه قبل 31 مارس من كل سنة إلى المجلس جردا مرفقا بإثبات مستندات صرف النفقات المنجزة برسم السنة المالية المنصرمة وبجميع الوثائق المتعلقة سواء بالدعم السنوي أو الدعم الانتخابي الذي تتلقاه الأحزاب من الدولة.. ولكن في كثير من الأحيان فإن هذه الإمكانيات لا تفعل، وحتى وإن فعلت فإن ذلك لا يتم بالشكل المطلوب.

+ سبق لحزب الاستقلال أن نشر تقريره عن الميزانية العامة للحزب لسنة 2012، إلى أي حد يشكل هذا العمل تكريسا لثقافة جديدة في تعاطي الأحزاب مع ماليتها؟

- لا أظن أن هذا الأمر يعد سلوكا جديدا في الحياة الحزبية المغربية، فقد دأبت أحزاب أخرى على تقديم ميزانيات من هذا النوع، كما أن انعقاد المؤتمرات الحزبية عادة ما تكون مناسبة لتقديم تقارير محاسبية حول مالية الحزب، حيث يكون التقرير المالي، بمعية التقرير الأدبي، من الأمور التي تخضع لمصادقة وتزكية مؤتمري الحزب. المشكل لا يكمن هنا، بل يتجلى في طبيعة هذه التقارير التي تنشر، إذ يطرح التساؤل حول ما إذا كانت تعكس حقيقة التدبير المالي لهذا الحزب أو ذاك، وما إذا كانت تحترم الشروط والمعايير المطلوبة وفقا للمخطط المحاسبي، سيما وأن هذه التقارير عادة ما تقتصر على العموميات (المداخيل والنفقات..)، وفي بعض الأحيان مصادر بعض المداخيل والمجالات التي صرفت من أجلها. وها نحن أمام تقرير للمجلس الأعلى للحسابات حول مالية الأحزاب يشهد بأن أزيد من 30 في المائة من النفقات المدرجة في التقارير المحاسبية التي توصل بها من بعض الأحزاب غير مبررة. وربما أكثر إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تلك التقارير تخضع لـ«التهيئة» قبل أن ترسل إلى المجلس المذكور. ولذلك يصعب القول، انطلاقا من واقعة نشر حزب ما لتقرير حول ميزانيته، أن التدبير المالي للأحزاب قد أضحى على درجة كبيرة من الشفافية، وأن المال الحزبي قد تخلص من «العالم السحري» الذي ظل يسكنه، ومن الغموض والالتباس الذي يلف تدبيره...

+ في الوقت الذي تقيم بعض الأحزاب الدنيا ولاتقعدها بشأن حقها في الإعلام الرسمي لأنه مدفوع من مال الشعب، يلاحظ أن تعاملها مع الدعم الذي تتلقاه من دافعي الضرائب، تتركه ضمن خانة الطابوهات، لماذا في نظرك؟

- في تقديري أن هذا الأمر يرتبط بتداخل عدة أسباب وعوامل، منها ما هو ثقافي مرتبط بالثقافة السائدة في المجتمع ككل فيما يتعلق بالتعاطي مع ما هو مالي، إذ عادة ما يندرج ما هو مالي في خانة الطابوهات، كما جاء في سؤالك، ومنها ما هو مرتبط بطبيعة المصادر المالية لبعض الأحزاب، التي تتم إما بطريقة غير مشروعة أو يتم الحصول عليها من جهات وأشخاص يرفضون الكشف عن هوياتهم. ومنها ما هو مرتبط بقصور الدور الذي يفترض أن يلعبه أعضاء الحزب، إذ في ظل تراجع مساهماتهم المالية وأدائهم لـ«الضريبة الحزبية»، أو ما يعرف بالاشتراكات، واقتصار موارد الأحزاب على ما تحصل عليه من الدولة، ربما أصبحوا يقدرون بأن هذا المال ليس مالهم وبالتالي ليس من حقهم مراقبته وتتبع آليات صرفه وتدبيره. ثم هناك محدودية الدور الذي يفترض أن تقوم به الجهة المخولة بالرقابة الخارجية على المال الحزبي، وأقصد هنا بالتحديد المجلس الأعلى للحسابات، حيث لا يزال يتعامل بنوع من الاحتشام في التعاطي مع المال الحزبي خلافا للعمل المهم الذي أخذ يقوم به عندما يتعلق الأمر بتدبير المال العام في مجالات وقطاعات أخرى، كما تشهد على ذلك التقارير التي ينجزها حول بعض المؤسسات العمومية والجماعات المحلية...