الثلاثاء 23 إبريل 2024
جالية

أبو نعمة نسيب:"يتيم الوطن" عبارة لن يعرف قسوتها إلا من عاش الغربة وتأوهاتها

أبو نعمة نسيب:"يتيم الوطن" عبارة لن يعرف قسوتها إلا من عاش الغربة وتأوهاتها أبو نعمة نسيب

كيف حالي؟

أنا بألف خير وكيف لا أكون كذلك ... أنتم تعرفون شعور من ألف العيش في كنف والديه منذ صباه، فعادي جدا أن أحس أني بخير ... وحتى أكون صادقا فإن الاحساس فقدته وبات جسمي عبارة عن إناء فارغ من المشاعر، ربما ذلك يرجح سبب قولي أني بخير لكل سائل عن أحوالي...وأتساءل أحيانا هل حقا الرجل القوي هو الذي يعيش الوحدة؟

الغربة تكسر الآلات فما بالها بالإنسان...وحتى إن صمدت كثيرا فإن مشاهدتي لآخرين يسقطون جرحى الشوق أو قتلى البعاد يزيدني تحسرا، ولأني إنسان فأكيد تصيبني عدوى التأثر أحيانا كثيرة. وقادني قدري أن أعود الى زمن القراءة الذي أصابني في قراءة الكتب التي حشرتها بحاسوبي يوما، اليوم فقط أنثر الغبار عنها واليوم فقط عرفت المعنى الحقيقي لجملة "الكتاب صديق الوحدة"... أصبحت الكلمة تأسرني وتخفف عني ذاك الوقع وأحيانا تعود بي إليه حانقا عاجزا.

الكثيرون هنا من أصدقاء الغربة اقتنوا "المدواخ" لينسيهم مشاعر مكبوتة يغمضون اعينهم للسباحة بمخيلتهم في فضاء الماضي الذي لن يعود، ومن يفعل ذلك فهو في النهاية عزاء الشقاء. ولم أصادف بعد أحدا يبكي في عزلة أو يخفي دموعه التي ستنهمر طوعا، لكن يكفي بقائي ساهرا ليالي أرى وأسمع تأوهاتهم وإحساساتهم الفظيعة من حولي وكأني في ساحة الوغى والكل مصاب. الكل يريد العودة للوطن باكرا، بينما أنا سأتخذ من الغربة وطنا أكون فيه غريبا.

بربكم ألست مجنونا؟

يخيل لي بعد مضي وقت من الزمن أنه حتى وإن ذهب الانسان إلى بلاد الجنة وكان أبعد عن الوطن، سيصبح يتيما...أجل ما أشد قسوة عبارة "يتيم الوطن"، ولن يفهمها إلا الذي يعيش الغربة...أعترف أني استخففت كثيرا بكلمات المتغربين أيامها والأن قد فهمتها، ولو متأخرا.

قد أكون عشت في بلدي كثيرا وقد قلت كثيرا أنه أجمل بلد ساخرا، أجدني الأن ملزم بالاعتذار للوطن كثيرا. فشرب "كاس اتاي في البيت أو حتى بمقهى الحي -العكاري- البيكوب-" كفيل أن يرجعني لرشدي وأن يحييني من جديد. وأصدقوني القول أني لم أحس بمذاق الشاي المغربي المنعنع إلا وأنا أشربه خارجا، أليس غريبا ...

الغريب أنه أحسستني إنسانا يبصر النور أول مرة عندما انتشر مذاقه في جسدي، هو إحساس يصعب تفسيره حقا، حتى وإن حاولت مجازا.

منذ متى وفيروز يخطفني صوتها الشجي من الأرض ويسبح بي في السماء، فأشرد فترمم ترانيمها أشلاء قلب خزفي محطم ... باتت الكلاسيكيات تزيد الحطام حطاما فتصبح تداخلات فوضى أشلاء الماضي والحاضر تحشر بضيق لم أتعود عليه من قبل. لطالما وقفت صامدا أمام أي حطام، فهل سأسمح لنفسي أن أهون الان ...

أحيانا يكفي الاعتراف بضعف أحاسيسنا لنحس بالراحة ...في النهاية أجد ربا يرعاني وملائكة تحملني عندما أغدق في ظلمات يأسي المتكرر.

أشكر السيد زاك، فبفضل اكتشافه العجيب بات لقاء غرباء الوطن سهلا وبات من الأسهل مشاركتهم لقاءات، أفراح وأعياد. والجميل ابتسامتهم التي تخفي خلفها تراكمات مرض الغربة. لكن عزاؤنا الوحيد هو تبادل الطرائف والانغماس في الأحاديث الترفيهية التي تحيلنا مباشرة وبسرعة البرق إلى ذكريات الماضي في الوطن البعيد.

ليتني ببساطة أذرف دموعا كغيري عندما يزورني الشوق على حين غرة مني.

وبالمناسبة لا تسألوني ما الجديد؟ فلا جديد تحت الشمس .!!!!

 

أبو نعمة نسيب /كريتيبا - البرازيل