الاثنين 6 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمن العمراني: هل تحمل الحرب في أوكرانيا تأكيدا جزئيا لأطروحة صدام  الحضارات؟

عبد الرحمن العمراني: هل تحمل الحرب في أوكرانيا تأكيدا جزئيا لأطروحة صدام  الحضارات؟ عبد الرحمن العمراني

الوقائع بهذا الشأن مزعجة...، وهي مزعجة لأنها عنيدة.

 

والوقائع، وراء دوي المدافع والصواريخ وتحرك الجنود واضحة وقابلة للقراءة بشكل جلي.

 

وهي تقول:

الحلف الاطلسي أنشأ من طرف بلدان كلها  غربية وكلها إما ليبرالية أو اشتراكية ديموقراطية، لمواجهة حلف آخر بزعامة بلد كبير كان يسمى الاتحاد السوفييتي، الذي كان في نفس الوقت شيوعيا ورئيس تحالف كان يسمى حلف وارسو، وكل بلدانه الأعضاء أوروبية شرقية بالموقع وشيوعية بالمذهب.

 

تفكك الاتحاد السوفييتي ولم يبق منه إلا فدرالية روسيا. ولم تعد روسيا شيوعية. وتغيرت ملامح وتركيبة الأقطار التي كانت مرتبطة معه في حلف وارسو، وودعت نظمها الشيوعية القديمة. وانتصرت النزعات القومية في كل هذه الأقطار  وانتهت الحرب الباردة حتى صارت ذكرى قديمة.

 

وارتفعت أصوات حتى داخل الأوساط الاستراتيجية الغربية بل وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها  تطرح سؤال الجدوى -في ظل هذه التحولات الحاسمة- من بقاء حلف الناتو.

 

لكن زعماء الحلف قرروا توسيع مجال الحلف ومشمولاته مؤكدين على أن المخاطر لا زالت قائمة. مرة باستحضار حركات التطرف الديني في أقطار الشرق العربي، ومرة باستحضار ما سمي في الأدبيات السياسية المستحدثة بالدول المارقة وأخطار مغامراتها الممكنة، ومرة باسم نوازع قوة روسية يرونها داهمة رغم تغير الأزمنة والايديولوجيات.

 

وهكذا وقع، في المحصلة، الانتقال من مفهوم ايديولوجي سياسي استراتيجي للخصم، إلى مفهوم ثقافي أو هو يقارب هذا التحديد بشكل من الأشكال.

 

وقع إذن نوع من essentialisation  للخصم الذي يجب مواجهته، أي إعطاؤه جوهرا هو أقرب إلى الثقافي منه إلى السياسي أو الايديولوجي.

 

وجرى توسيع الحلف تدريجيا إلى ما يقرب من حدود روسيا، ما دفع بوتين إلى القول بأن توسيع الحلف  بهذه الصورة وهذا القرب، هو تهديد وجودي لكيانه ذاتهexistential threat ، وهي مقولة أقرب إلى الثقافي منها إلى السياسي .

 

وبدأ استعمال المقولات وإعادة قراءة فصول التاريخ والانتماءات الهوياتية من طرف روسيا، بعد احتلال جزيرة القرم Crimea قبل خمس سنوات، حيث بدأ القادة الروس يقولون تقريبا إن الأوكرانين والروس فضاء ثقافي واحد ان لم يكن قومية واحدة.

 

ودخلت الصين على الخط رابطة بشكل واضح بين الناتو كحلف و الغرب كفضاء ثقافي. ما سهل قربها من روسيا بشكل ما، فيما باتت تعتبره نزاعا روسيا - غربيا وليس فقط نزاعا روسيا أوكرانيا .

 

ثم يأتي نوع من التأكيد للجوهرنة الثقافية للنزاع essentialisation حينما نرى ذلك الاصطفاف الغريب  للإعلام الغربي المعروف والمسيطر، مقروءا ومسموعا ومرئيا؛ وراء موقف حكومات بلدانه أعضاء الناتو، عند استعراض الوقائع والتاريخ، وعند تكييفها في عملية صياغة  المواقف، بما يذكرنا تقريبا بنفس التبعية التي حصلت أثناء حرب الخليج، ثلاثين سنة قبل اليوم، حيث لم يعد من الممكن وأنت جالس في فترة المساء أمام التلفاز أن تميز بين رأي حكومة ورأي قناة إعلامية في مجمل دول الغرب.

 

وبعد،

ألا يحق أن نطرح بعض الاسئلة عند النظر من خلفية الصورة. وليس فقط من سطح الأحداث وضجيجها ونتائجها المأساوية، وهما سؤالان نبدأ بهما .

 

أولا: لا تحمل هذه الحرب تأكيدا -جزئيا على الأقل- على الرؤية التشخيصية للصراعات المستقبلية  كما كان قد بلورها صامويل هونتينغتون، الذي كان قد أكد على وراثة الثقافي للإيديولوجي في زمن ما بعد الحرب الباردةpost cold era ؟

 

ثانيا: الآن، مع التباعد الزمني بين المرحلة الراهنة وبين الفترة التي صدر فيها كتاب صدام الحضارات، آلا يصح القول إن الاعتراض على الأطروحة التي حملها وقد كان شاملا وراديكاليا كما أذكر، كان إيديولوجيا  أكثر منه اعتراضا مدروسا أو بناء على الوقائع  على الأرض؟

 

سؤالان ووجهة نظر ليس إلا...