الثلاثاء 21 مايو 2024
ضيف

فؤاد أبو علي: الدفاع عن اللغة العربية واجب وطني

 
 
فؤاد أبو علي: الدفاع عن اللغة العربية واجب وطني

عرف المشهد الثقافي/ السياسي المغربي خلال السنوات الأخيرة تناسل جمعيات وهيآت جعلت من اللغة العربية هما أساسيا لها، معتبرة أن هذه اللغة معرضة لخطر وهجوم عليها من أطراف وجهات داخلية وخارجية متعددة.. «الوطن الآن» حاورت الأستاذ الباحث فؤاد أبو علي (رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية)، قصد معرفة الخطر والهجوم الشرس الذي تعرفه اللغة العربية دون غيرها من اللغات، ومعرفة المصادر التي يصدر عنها هذا الهجوم...

 

حاوره: بوجمعة أشفري

 

+  ما الذي يجعل بعض الباحثين الأكاديميين «يشمرون» عن سواعدهم لتأسيس جمعيات وائتلافات هدفها الأساس هو حماية اللغة العربية. هل تتعرض اللغة العربية في بلادنا إلى هجوم شرس من جهة ما؟

- إن الانتقال من البحث الأكاديمي الخالص إلى مجال المدافعة المدنية ليس بالأمر الهين، ولكنه مفروض بطبيعة المرحلة والتحديات التي فُرضت على النقاش اللغوي بالمغرب. فبعد ردح من الزمن كان الاهتمام بالعربية والدفاع عنها منحصرا في نخبة من الوطنيين ورجال الدين وبعض الأكاديميين المنشغلين باللغويات. لم يعد المجال يسمح بأن يظل النقاش نخبويا محصورا في التراتيل الممجدة والبحوث النظرية، بل غدت القناعة راسخة بأن العربية اليوم مهددة في وجودها داخل الوطن ومعها يهدد تراكم من القيم والمعارف التي يمكن أن تضيع بضياعها. ويكفي أن نتابع المنتج الإعلامي والتربوي لمعرفة الأخطار المحدقة بلغة الضاد وفق هجمة منظمة بعناوين متنوعة تارة باسم الخصوصية القطرية، وتارة باسم الحداثة، وفي كل الأحوال هي حرب على العربية من جهات عدة. لذا كان على الأكاديمي أن يترجل وينزل من برجه العاجي ليقوم بوظيفته كمثقف عضوي ينتمي للحظة الدفاع عن العربية.

+ إذا كان هناك هجوم ما على اللغة العربية، فما هو مصدره، في نظرك، هل الدوارج الموجودة في المغرب، أم اللغات الأجنبية، أم هي جهات أخرى؟

- إذا كنت لا أحبذ كثيرا منطق المؤامرة فإن واقع الحال هو الذي يفرضها. فالهجوم على العربية لا يقصد به اللغات أو التعبيرات الثقافية المختلفة التي يمكنها لو دبرت جدولتها الوظيفية أن تتكامل مع اللغات الوطنية، بل المقصود هو الأيادي التي تجعل من هذه اللغات أو اللهجات بدائل لسنية عن لغة الضاد. فمنذ الاستقلال ونحن نعيش فوضى لغوية أبرز تمثلاتها سيطرة فرنكفونية على دواليب الاقتصاد والتعليم والشأن العام، وتدثرت الآن بمظهر جديد هو الدعوة لاستعمال اللغة العامية في الإعلام والتعليم والسياسة. فضلا عن التناسل القوي لاستعمال الرأسمال في الإذاعات الخاصة التي اختارت أن تتحدث إما بالفرنسية أو العامية... فهل الأمر مصادفة؟... بل هل مصادفة دوما أن الذين يدافعون عن التلهيج هم أنفسهم من يدافع عن القيم البديلة أخلاقا ودينا وسياسة في السينما والاجتماع، وقس على ذلك. فالعامية لم تكن في يوم ضرة للعربية، بل هي البنت الشرعية لها والتي تمثل حالة التواصل اليومي وغير الرسمي، لذا تميزت على الدوام بالغنى الاستعمالي. فما قدمه التراث الشفهي المغربي مثل الملحون للثقافة الشعبية لا يمكن نكرانه، بل قد يغدو صالحا لتفكير جوهري حول الدارجة واستعمالاتها. لكن الإشكال يطرح حين تستعمل العامية بديلا عن العربية. أما بالنسبة للغات الأجنبية فهي إن حوفظ على دورها الانفتاحي، كما جاء في الدستور، فلا يمكن أن تكون في مواجهة مع اللغات الوطنية.. لكن المشكل أن الفرنسية على الخصوص تستخدم بمنطق الآلة الاستعمارية التي تواجه كل المقومات الهوياتية والحضارية. وكما قال جون كالفي إن الإمبريالية الفرنسية تنشر لغتها وثقافتها لتصل عن طريقها إلى فرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية. فاللغة هنا في مركز القيادة، وأما السياسة والاقتصاد فتابعان. إن واقع الحال يثبت أن الفرنسية لم تكن في يوم من الأيام غنيمة حرب كما قال كاتب ياسين أو مكسبا ثقافيا هاما كما رأى مرزاق بقطاش، بل كانت على الدوام وسيلة للهيمنة السياسية والثقافية. لذا فالمشكل ليس في الفرنسية أو أي لغة أجنبية، بل في طريقة استعمالها لمواجهة الضاد بغية فرض النموذج القيمي البديل. إن الإشكال هو أكبر من مجرد تنازع الفضاءات بين لغات.

+ ولكن، لماذا الإصرار على إضافة جمعيات أخرى رغم وجود جمعية أو جمعيتان تهتمان أكاديميا باللغة العربية وتطوير أدواتها وإمكانيات التواصل بها بطرق وآليات جديدة، وكمثال على ذلك ما يقوم به الأستاذ الباحث عبد القادر الفاسي الفهري؟

- قلت في البداية إن ولوج الأكاديمي مجال المدافعة المدنية أمر فرضه الواقع اللغوي الموسوم بالفوضى والاضطراب. لذا فتعدد الهيئات المدنية المنشغلة بالسؤال اللغوي بحثا وتعليما ودراسة ودفاعا هو أمر طبيعي فرضه تعدد الانشغالات وسبل النهوض بالعربية. وهو نفس الأمر في المجالات الحقوقية والنقابية وغيرها. فما أنجزه أستاذنا الفاسي الفهري من كنوز معرفية وعلمية ينبغي أن يجد مجاله التطبيقي، ولن يتم ذلك إذا غيبت العربية عن مجال التداول العلمي والتعليمي كما هو حاصل حاليا. لذا فالتعدد في المؤسسات لا ينفي التوافق في الغايات.

+ ألا ترى أن هذا الاهتمام بتأسيس إطارات تدافع عن اللغة العربية، على الرغم من أن الدستور المغربي يعتبرها اللغة الرسمية الأولى، مرده إلغاء لغات أخرى توجد منذ القدم في المغرب؟

- لعل السبب في طرح هذا السؤال هو التجاذب الهوياتي الذي صاحب النقاش الدستوري والآن يصاحب تنزيل مقتضياته. لكننا نعتقد أن رسمية العربية في الدستور المغربي كانت ومازالت شكلية لا تتعدى النص الذي وردت فيه. والواقع يشهد بذلك: غياب شبه تام عن التداول في التعليم والإدارة والشارع العام، حرب يومية عليها دون أي آلية قانونية للحفاظ على سيادة الدولة لغويا، مؤسسات معلقة مثل أكاديمية اللغة العربية التي كان من المفروض أن ترى النور منذ 2001/2000 وخرجت كل القوانين المؤسسة لها وبقي تنزيلها، لكن لحد الآن لم تر النور... فهل الأمر ما زال يحتاج إلى تأكيد على أننا نعيش حربا على العربية؟ أما عن العلاقة مع اللغات الوطنية الأخرى فقد قلنا في «الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية» إننا نتجاوز مرحلة ما قبل التعديل الدستوري الذي بني على توافق معين، ينبغي استحضاره في بناء سياسات لغوية تعبر عن تعددية الشعب وهويته الجامعة. والاستفادة من التجارب العالمية مثل جنوب إفريقيا والهند وبلجيكا أمر ضرري في كيفية تدبيرها القانوني والمؤسساتي لتعدديتها الهوياتية والذي أسسته على قواعد ثلاثة: السيادة الوطنية والحفاظ على التعدد وموقع اللغة في التنمية. وهذا لن يتأتى دون حوار مجتمعي تشارك فيه كل الأطراف ويستمع فيه إلى أهل الاختصاص وفي المجال اللغوي فأهل اللسانيات هم من يؤخذ برأيهم في قضايا التخطيط والتدبير اللغويين. وكما نقول دوما إن العلاقات بين اللغات الوطنية لا يمكن أن تؤخذ بمنطق الغلبة والمكاسب الآنية، بل بجدولة وظيفية تحدد المجالات والفضاءات الاستعمالية.

+ هناك من يرى أن هذا الإصرار في التكثير من جمعيات تدافع عن العربية تقف وراءه حركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الحالية)، والتي يعتمد خطابها على الواحدية، ومن ثمة فهي تستهدف الأمازيغية والتعدد اللغوي في البلاد؟

- أولا مشكلة الخطاب اللغوي بالمغرب أنه خطاب مؤدلج استعمل فيه الاصطفاف الإيديولوجي، وليس منطق المصلحة العامة والتفكير الأكاديمي. لذا فالبيان الذي أصدره الائتلاف يغني عن إعادة النقاش حول المواجهة بين اللغات الوطنية، لأننا قلنا بصريح العبارة إن التعدد اللغوي والثقافي أمر محسوم فيه لأن فكرة النقاء الهوياتي لم يعد لها وجود، وأن الهدف هو التعبير عن حالة التوافق بتفكير عميق حول المسألة اللغوية دون تأجيج أو صراع حزبي. أما ربط الفكرة بحزب أو حركة، فلا أظن أنه صائب، لأن الدفاع عن اللغة العربية ليس وليد اللحظة، بل هو قديم وإن عبر عن نفسه بأشكال مختلفة. والأكثر من ذلك، فلو اطلعتم على لائحة المنسقية الوطنية للائتلاف وما تضمه من شخصيات وأسماء علمية وأكاديمية وحقوقية وإعلامية من كل أطياف الشعب المغربي لوصلتم إلى أن الأمر غير مرتبط بتوجه معين. لكن المشكل دوما عندنا هو هذا الاصطفاف الإيديولوجي الذي يجعل كل التحركات مقاسة بمعيار الانتماء وليس بمعيار الفكرة وجدارتها.