الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

فاطمة رومات: هذه أسباب ضعف تعاطي البرلمان والحكومات المتعاقبة مع ملف التكنولوجيا

فاطمة رومات: هذه أسباب ضعف تعاطي البرلمان والحكومات المتعاقبة مع ملف التكنولوجيا فاطمة رومات

ترى فاطمة رومات، أستاذة بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-الرباط أن ضعف تعاطي البرلمان والحكومات المتعاقبة مع ملف التكنلوجيا مقارنة مع البلدان المتقدمة يعود الى سببين: الأول هو عدم الوعي بأهمية التنمية التكنولوجية والتي تعتبر اللبنة الأساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحسب مجموعة من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والدراسات التي قامت بها مراكز الأبحاث المنخرطة في الحكامة الدولية. والسبب الثاني يعود الى غياب الإرادة السياسية لأن التنمية التكنولوجية تعني أيضا مستوى متقدم من النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد، مؤكدة بأنه لا يمكن فصل التقدم التكنولوجي عن التقدم في المسار الديمقراطي.

 

كيف تقيمين دور البرلمان المغربي في التنمية التكنولوجيا ؟

مما لاشك فيه أن جائحة كرونا سرعت انتقال العالم إلى عصر الذكاء الاصطناعي الذي يرتكز على دعامتين أساسيتين و هي التعليم و البحث العلمي. وبالرجوع إلى الولايات التشريعية المتعاقبة نجد أن دور المؤسسة التشريعية ضعيف جدا وهذا الأمر يمكن إثباته بعدد القوانين ذات الصلة بالمجال والتي تمت مناقشتها المصادقة عليها وأيضا عدد الأسئلة الكتابية والشفوية التي تقدم بها نواب الأمة. ولعل أكبر دليل هو الميزانية الهزيلة المخصصة للبحث العلمي، في الوقت الذي يشهد فيه العالم سباقا نحو الذكاء الاصطناعي وتشجيع الاستثمار فيه.

تساهم التكنولوجية في تحقيق التنمية المنشودة، فإلى ماذا يعزى ضعف تعاطي البرلمان والحكومات المتعاقبة مع هذا الملف مقارنة مع البلدان المتقدمة؟

يمكن تفسير هذا الأمر بسببين أساسيين:

السبب الأول: عدم الوعي بأهمية التنمية التكنولوجية والتي تعتبر اللبنة الأساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحسب مجموعة من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والدراسات التي قامت بها مراكز الأبحاث المنخرطة في الحكامة الدولية. الغريب في الأمر أن المشرع الذي صادق على اتفاقيات التبادل الحر مع القوى التكنولوجية الكبرى هو نفسه الذي لا يعير أي اهتمام للتنمية التكنولوجية على مستوى المهام الثلاث المنوطة به والمتمثلة في التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية بحسب الفصل 70 من الدستور.

السبب الثاني: غياب الإرادة السياسية لأن التنمية التكنولوجية تعني أيضا مستوى متقدم من النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد ولأن التكنولوجيا عدوة الفساد فهي تساعد على توثيق كل شيء وتمكن من المراقبة بشكل أفضل، لهذا نلاحظ أن الدول التي تحتل المراتب الأولى في الشفافية هي الأكثر تقدما على المستوى التكنولوجي مثل بعض دول أوروبا الشمالية كالسويد والنرويج.

لا يمكن فصل التقدم التكنولوجي عن التقدم في المسار الديمقراطي، فالديمقراطية رهينة بتحقيق التنمية التكنولوجية وهذه الأخيرة أصبحت ضرورة لا اختيار إذا ما أخدنا بعين الاعتبار النظام العالمي الجديد والذي انطلق مع بداية الجائحة. لذا يتعين على البرلمان المغربي أن يكون في مستوى المرحلة التاريخية والتي تتسم بمتغيرات جوهرية على المستوى الوطني والدولي والإقليمي.

على المستوى الوطني: يتعين التفكير في إستراتجية وطنية للذكاء الاصطناعي والاستراتيجية، أية إستراتيجية، تقوم على ثلاثة دعائم أساسية: الإطار القانوني والمؤسساتي والمالي، دون إغفال أهمية التعاون الدولي في المجال.

على المستوى الإقليمي: وبالنظر إلى الموقع الجيوستراتيجي للمغرب والذي يفرض عليه الانخراط في كل المبادرات الإقليمية الرامية لضمان التحول إلى عصر الذكاء الاصطناعي الذي يتميز بأشكال جديدة من الحروب من بينها حرب الجيل الخامس والقارة الإفريقية لن تسلم منها.

على المستوى الدولي: يجب التنويه بالمشاركة الفعالة للمغرب في صياغة التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التي تبنتها اليونسكو في نوفمبر 2021، مع الإشارة إلى ضرورة انخراط البرلمان المغربي في ملائمة التشريع الداخلي مع كل التدابير والإجراءات السياسية التي تضمنتها التوصية والضرورية مثلا لحماية الأفراد من أضرار بعض الأنظمة الذكية المستخدمة في المراقبة والتي توظف تقنية التعرف على الوجه في الفضاء العام مع ما يطرحه ذلك من انتهاك للحريات وتعزيز لما بات يعرف "بدكتاتورية" الذكاء الاصطناعي.

كيف يمكن في نظرك النهوض بدور البرلمان واستثمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتطوير البحث العلمي والارتقاء بالجامعة المغربية وتحسين تصنيفها الدولي؟

النهوض بدور البرلمان في مجال التنمية التكنولوجية يتطلب بداية إعادة النظر في المستوى التعليمي للنواب والمستشارين. ثانيا البرلمان يقوم بالتصويت على مشاريع القوانين التي تنظم مختلف المجالات والتكوين القانوني وفي السياسات العمومية لكن مؤسسة مثل البرلمان تحتاج أيضا لمتخصصين في الفيزياء والرياضيات والذكاء الاصطناعي وعلم الاجتماع وعلم النفس واللسانيات وحوار الثقافات والأديان وغيرها من التخصصات. البرلمان المغربي في حاجة أيضا لمكتب يضم الباحثين والخبراء الذين يجب أن يتم اختيارهم بناء على معيار الكفاءة العلمية فقط. فالبرلمان الكندي مثلا يتضمن مصلحة خاصة بالمعلومات والأبحاث مهمتها تتمثل في انجاز أبحاث ودراسات وتقديم الاستشارة في مجال السياسات العمومية حصرا للبرلمانيين لمساعدتهم على الوفاء بالتزاماتهم بوضع كل القضايا في سياقها ودراستها في إطار الحقل العلمي الذي تنتمي إليه قبل الانفتاح على رؤى علمية من زاوية تخصصات أخرى. وفي فرنسا قامت الجمعية العامة بإنشاء مكتب برلماني لتقييم كل الاختيارات العلمية والتقنية بمقتضى القانون رقم 83-609 المؤرخ 8 يوليوز1983 وصوت عليه بالإجماع. ما نلاحظه في المغرب وهو أن كل المبادرات الجيدة تصطدم بالفساد المستشري في كل المؤسسات واستثمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي للنهوض بالتنمية في البلد يتطلب تدخل البرلمان بتقييم هذه السياسة بما في ذلك الوضعية المزرية التي تتخبط فيها الجامعة المغربية وبطرح الحلول القانونية وبمراقبته عمل الحكومة. السؤال الذي يجب طرحه هو هل هناك بالفعل إرادة سياسية لدى صناع القرار السياسي في البلد؟ وهل هناك إرادة لدى مجموعة كبيرة (مع عدم التعميم) من الأساتذة والطلبة تستفيد من الوضعية المزرية للجامعة المغربية؟ هناك دوما مستفيدين من مظاهر الفساد المحصن بالثغرات التي تشوب الإطار القانوني المنظم للقطاع من محسوبية وانتماءات حزبية أو للمنطقة الواحدة أو لأي سبب أخر قبل الكفاءة العلمية وكأن هناك إصرار على التضييق على الكفاءات بل وإقصاؤها دون أن تحرك الوزارة الوصية ساكنا، بل من المضحك المبكي هو استمرار مشاركة بعض المتورطين في خروقات وتزوير في اللجان العلمية للانتقاء في الماستر والدكتوراه والتوظيف وربما أيضا كمستشارين في وضع البرامج الإصلاحية.

حسم مسألة الإرادة السياسية أساسية لأن، التكنولوجيا، كما أشرت إلى ذلك سابقا، هي عدو الفساد واستثمارها يجب أن يكون على مستويين:

أولا: باعتبار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي مادة يجب أن تدرج بشكل عرضاني في كل التخصصات.

ثانيا: باعتبار هذه التكنولوجيا كأدوات للتعلم والبحث العلمي في هذا الإطار تضمنت التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي مجموعة من التدابير والإجراءات تتطلب وضع ترسانة قانونية تضمن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.