الجمعة 29 مارس 2024
منبر أنفاس

عبد الإله شفيشو: كتابات في زمن كورونا.. المثقف المغربي وأزمة الاغتراب

عبد الإله شفيشو: كتابات في زمن كورونا.. المثقف المغربي وأزمة الاغتراب عبد الإله شفيشو

مفهوم الاغتراب: يمكنه أن يتضمن معان مختلفة، كما يمكن أن يتم استخدامه استخدامات عديدة قد يبدو بعضها مناقضا للبعض؛ فكل مضامين ودلالات الاغتراب تعني أنه يتطور وينمو كرد فعل لأوضاع اجتماعية موضوعية. فالمرء يصبح غريبا تجاه شيء معين أو شخص معين كان يرتبط به على نحو وثيق. فالشخص المغترب هو ذلك الشخص الذي يكون لديه شعور دائم نسبيا بالغربة عن المؤسسات وعن القيم السائدة.. فالإحساس بالغربة لا يكون بالضرورة علامة مرضية، فخيال المغترب قد يستمد قوة كبرى من الإحساس بالغربة، فهو يعني نوعا من التحرر وقد يضيف نوعا من التجديد والحيوية على نظرية الحياة ويثير خياله ويحرك روحه الخلاقة.. العامل الأساسي المسؤول عن الأزمة الحادة للمثقف المغربي تتمثل في اغترابه وهذه حقيقة يجب أن تكون إيجابية حتى لا يصير الاغتراب مبررا لتنصل المثقف من مسؤوليته المجتمعية.. فالمثقف على هذا النحو يعني وجود مستوى راق من الوعي، النقاء، المثالية والأمانة.. فهو يبرر وضعه على أنه رافض لمجتمعه، وناقد بسبب وجود ما هو جدير بالنقد. فحيثما يكثر الحديث عن اغتراب المثقف، فإنه لا ينظر أو يفكر في اغترابه الذاتي، ولكن ينظر إلى اغترابه عن الآخرين، وبصفة خاصة عن المجتمع.. فمظاهر اغتراب المثقف المغربي قد يأخذ ذلك أشكال مختلفة تكون في بعض الأحيان متداخلة..

ومن بين هذه الأشكال:

- للمثقف أسلوب حياة ونمط العمل واللغة والقدرات الاهتمامات والميول التي تضعه بمعزل عن الآخرين وتجعله مغتربا عنهم.

- للمثقف الشك الدائم أو الرفض التام للقيم الثقافية أو فلسفات الحياة السائدة.

- للمثقف اغتراب عن النسق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد، وقد يصير منظرا أو مدافعا عن قضية ولكنه قد يتقهقر إلى شكل من أشكال اللامبالاة السياسية.

- للمثقف اغتراب عن الثقافة السائدة والتي كانت دائما في حالة تعارض مع الواقع الاجتماعي.

فالمثقف هو الأكثر اهتماما بالقيم الأساسية كما أنه نزاع إلى التعامل مع عالم أكثر اتساعا، ويعتبر كذلك أكثر التزاما بدراسة البدائل والاحتمالات، وليس فقط بدراسة الواقع أي أن المثقف يلتزم بدراسة ما يجب أن يكون، وليس فقط ما هو قائم..

فالتكوين الثقافي للمثقف يتضمن أربعة عناصر هي: (الاتجاه العلمي، الرومانسي، الثوري والشعبي)؛ وكلا من هذه الاتجاهات يتضمن إشكالية معينة للاغتراب، ولذلك فإن تصرف المثقف المغربي المغترب على نحو معين إيجابي أو سلبي يرجع إلى وضع التوازن بين درجة قوته الذاتية، وقوة الوضع أو الشيء المغترب عنه.

وعلى ذلك فإن تصرف المثقف المغربي ينطلق من خيارات ثلاثة يتمثل:

- أولها) في الانسحاب من الواقع الذي يسبب اغترابه وسيتم الانسحاب بعدم المواجهة أو الهروب واللامبالاة واليأس والاقتصاص من الذات؛

- ثانيها) يتمثل في الرضوخ للنظام القائم والتعاون معه قهرا الأمر الذي يفسر نشوء الأقنعة وكثيرا ما يرافق الرضوخ نزعة التعليل والتبرير؛

- ثالثها) تتمثل في التمرد الفردي من أجل تغيير الواقع وتجاوز حالة الاغتراب، ومع ذلك فإن الاغتراب الكامل للمثقفين لا يبدو أمرا مرغوبا فيه، إلا أن درجة معينة من منه تمثل القدر والنصيب الدائم للمثقف.

وعليه، المثقف لا يستطيع أن يغمض العينين على ما يصرخ من حوله وقد يكون هو ما يحسها بطريقة متفردة عندما يختلي بنفسه في لحظات الاسترجاع والربط بينها، فهو من يتلقى الأزمة مجسدة في الكلمات واللغة.. فيكفي أن يتذكر أن الوطن لم ينتج سوى تغييب الأصوات الصادقة، وبؤس العلاقات، وانكسار النفوس، ليدرك في الأخير أن هذه الأزمة بالرغم من وعيه بمصادرها قد استقرت وكأنها قدر لا يقوى أحد على تغييره.

هكذا يجد المثقف نفسه أمام أسئلة يتداخل فيها الآني بالموروث، والمظهري بالجوهري، والقومي بالإنساني، ويظل الرهان لديه هو تحرير الإنسان من كل ما يتهدد وجوده وكيانه وحقه المشروع في التعبير والتغيير.

فالمثقف الذي يحترم قلمه هو في طليعة من يعترضون لانعكاسات الأزمة ماديا ومعنويا، فهو لا يحتمل فقط أعباء الكتابة، بل غالبا ما يضيف إليها عبئ المتابعة والمحاصرة وأحيانا الاعتقال.

 

عبد الإله شفيشو، السجن المحلي شفشاون