الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: كلمة في رثاء ريان المغربي وأخرى في محاكمة خالد نزار

كريم مولاي: كلمة في رثاء ريان المغربي وأخرى في محاكمة خالد نزار كريم مولاي
رحمك الله يا ريان المغرب، فقد أشعت في بلادنا من مشاعر الرحمة والإنسانية ما خلنا أننا افتقدناه بسبب هيمنة النزعات التسلطية والشغف الدؤوب الذي رسخته قوى الاستبداد في بلادنا.. رحمك الله يا ريان، فقد كشفت عن الطابع الإنساني فينا.. فقد حج إليك حيث أنت في جبال شفشاون الوعرة مئات الشباب المغاربة، وسلطت كاميرات العالم عدساتها على الجب الذي ابتلعك على حين غفلة من والديك..
وحدت الإنساني فينا يا ريان، وانتفت الخلافات السياسية بيننا أمام مصيرك لمدة خمسة أيام بلياليها، انتهت بأن اختارك الله إلى جواره في جنات النعيم إن شاء الله.. 
لم تقف قصة ريان عند بعدها الإنساني المباشر الذي عايشناه جميعا في مختلف أصقاع العالم، حتى أن القنوات التلفزيونية الرئيسية هنا في بريطانيا التي اخترتها منفى لأقضي فيها ما بقي من حياتي لم تغفلها، بل ما شد انتباهي، وأنا الجزائري الحالم بالحرية، التحشيد الرسمي من طرف السلطات المغربية من أجل إنقاذ الطفل ريان، والاهتمام المباشر من السلطة الأولى في المغرب، أعني هنا القصر الملكي، بمتابعة وضعية ريان، وسماحه للمؤسسات الإعلامية جميعا بنقل عمليات الحفر والإنقاذ التي برهن من خلالها المغاربة، أن الحداثة المزعومة لم تمس قيمهم التضامنية وإنسانيتهم التي حفرت بعمق في مجرى إعلامنا العربي المتهافت وراء اقتتال مستمر في أكثر من ركن عربي حالم بالحرية والكرامة..
أعرف أن ريان ليس وحيدا في معاناته التي انتهت به إلى الموت في قعر بئر، فمثله الكثير في بلادنا العربية، بل لعله أقل بؤسا من تلك الصور المؤلمة لأطفال سوريا الذين فروا من نيران رئيسهم المتمسك بحكم البلاد رغما عن أنف شعبه الذي لم يطلب إلا الحرية.. لكن الفريد فبي قصة ريان هي قدرة المغاربة على لفت انتباه العالم إلى قيمة نادرة في عالمنا المعاصر، وهي قيمة التضامن الوطني، وأن الخلافات السياسية تنتهي أمام الموت..  
ولأن العرق دساس، فقد جالت بخاطري صور كثيرة لجزائريين مات بعضهم احتراقا في الصائفة الماضية، ووقفت الدولة عاجزة عن إنقاذهم، ومات آخرون منهم تحت التعذيب، ومنهم المدون المعروف محمد تامالت وآخرون كثيرون قضوا على ذات الطريقة.. رحمهم الله جميعا.. 
مازلت رغم أن تطاول السنين في المنفى أستشعر ألم المعذبين في بلادي الجزائر، ولم أستطع أن أنسى عذابات آلاف الجزائريين مجهولي المصير في عشرية الدم التي أكلت أخضر الجزائر ويابسها.. ولولا أن القضاء السويسري تمكن في آخر المطاف من أن يضع يده على رأس البلاء الذي انقلب على خيار الجزائريين في العام 1992 الجنرال خالد نزار، وبدأ رسميا في محاكمته بتهم التواطؤ في جرائم حرب بسبب أنه كان يومها وزيرا للدفاع تحميه الحصانة من المتابعات القضائية في الخارج.. لما صحوت من حزن عميق ألم بي..
لا شك أن عدالة قضايا الجزائريين الذين قضوا أيام حكم المجلس الأعلى للدولة بين 1992 و1994، لا يرقى إليها الشك، وما انتهت إليه العدالة السويسرية تجاه نزار، يعيد الأمل مجددا للأجيال الجديدة بأنه ما ضاع حق وراءه طالب، وأن القاتل له يوم في الدنيا قبل الآخرة..
رحمك الله يا ريان وأسكنه الفردوس الأعلى، فقد أيقظت فينا ما كنا نخال أنه قد مات وشبع مواتا.. الحس الإنساني والعدل الإلهي.. وهو عدل يتطلع له مئات الآلاف من الجزائريين ممن ماتوا أو مازالوا على قيد الحياة مشردين في الآفاق..
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري