الأربعاء 8 مايو 2024
اقتصاد

لخيار: هكذا يمكن للمغرب الوقاية من أزمة الجفاف واستباق سيناريوهات الحلول

لخيار: هكذا يمكن للمغرب الوقاية من أزمة الجفاف واستباق سيناريوهات الحلول زهير لخيار

يبدو أن المغرب مقبل على سنة عجاف وأسوأ جفاف خلال العشرية الثلاث مع تأخر تساقطات الأمطار وانخفاض نسبة ملء حقينة السدود إلى أقل من 34 في المائة.

الجفاف ظاهرة شبه موسمية يعرفها المغرب، كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة الفلاحية والاقتصادية؟ ووضع الحلول الممكنة؟ خاصة وأن المغرب يواجه جوائح أخرى (كورونا).. أسئلة وأخرى طرحتها "أنفاس بريس" للنقاش مع زهير لخيار، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء، خبير دولي في التخطيط الاستراتيجي، والتنمية المحلية التشاركية.

 

+ أكد مؤخرا وزير الفلاحة، محمد صديقي، أن المغرب يعيش أسوء فترة جفاف منذ 30 سنة، بالنظر لانخفاض ملء حقينة السدود بنسبة 34.1 في المائة، وهي أقل نسبة مقارنة مع جفاف السنوات السابقة، إذ لم تنخفض النسبة عن 54 في المائة خلال الجفاف سنة 2016. ما تعليقك، على التداعيات المترتبة عن الجفاف على الوسط الفلاحي والاقتصاد الوطني؟

- أولا وقبل كل شيء يجب تحديد مفهوم الجفاف ومتى يمكن الحديث عن وجوده من عدمه، فالجفاف كما اتفق الخبراء على ذلك هو تدني معدل هطول الأمطار عن المتوسط وعبر مدد زمنية متتالية، لكن ما يهمنا الآن هو مدى تأثير الجفاف على الاقتصاد المغربي، ومن هنا يجب الانتباه إلى أمرين اثنين أولهما أن الجفاف قد يؤدي إلى النقص الحاد في توافر المياه وثانيهما هو تأثيره على الانتاج الفلاحي خصوصا.

إذا فإن هناك من يعتقد أن الاقتصاد المغربي يعتمد بشكل كبير على القطاع الفلاحي وتراجع الفلاحة تؤدي إلى تراجع الاقتصاد كله، وهو الأمر الذي سنوضحه فيما يلي، فإذا كان وزير الفلاحة يعتبر أننا نمر من أسوء فترة جفاف أدت إلى تراجع حقينة السدود فإن هذا التراجع لا يرتبط بالدرجة الأولى بمعدل التساقطات فقط بل هناك عوامل أخرى تؤدي إلى انخفاض الحقينة. وتمثل أساسا في ضعف ترشيد استعمال المياه في حالة الوفرة ذلك أن المياه المتوفرة داخل التراب الوطني تتوزع بشكل غير متوازن مع متطلبات الزراعة والصناعة والاستهلاك، لأن توافر المياه يشكل أحد أهم العناصر الداعمة ليس للقطاع الفلاحي فقط بل للقطاع الصناعي أيضا. ولذلك فربط الحقينة بالقطاع الفلاحي يعتبر أمرا خاطئا، وبالتالي فالجفاف يؤثر على كل القطاعات الصناعية ويقوض الاستعمال السلس لكل الصناعات فمثلا نجد أن انخفاض صبيب المياه يؤثر على أهم عنصر من عناصر الإنتاج وهو إنتاج الطاقة الإنتاجية نفسها.

وعليه فإن هذا الانخفاض الملحوظ في تهاطل الأمطار سيؤدي لا محالة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بالمغرب. وذلك تحت ذريعة مساهمة القطاع الفلاحي بأكبر نسبة في الناتج الداخلي الخام وهي حوالي 14 بالمائة، لكن على فرض ذلك، وإذا كان توافر المياه مرتبطا بالفلاحة فقط وفي حالة حدوث جفاف فمن المفروض أن تتراجع نسبة 14 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وقد تعوض بتطور وتقدم النسبة الباقية من الناتج الداخلي الخام، و86 في المائة والمرتبطة أساسا بالصناعة والتجارة والخدمات. وبالتالي لا ينبغي إلقاء اللوم فقط على القصور في تهاطل الأمطار إن كان الأمر كذلك، لكن ما ينبغي التركيز عليه هو أن المسألة مرتبطة بتوافر المياه من عدمها وليس لأن الاقتصاد المغربي يعتمد بدرجة كبيرة على الفلاحة.

وإذا كان احتساب الناتج الداخلي الخام مبنيا علميا على احتساب مجموع القيم المضافة في البلاد. وإذا ما اعتمدنا على تصريح المندوبية السامية للتخطيط والذي مفاده أن القيمة المضافة للقطاع الفلاحي تتراجع وقد تصل إلى 5 في المائة، فهذا يعني أن التراجع بـ 5 في المائة لن يمس إلا نسبة مشاركة الفلاحة في الناتج الداخلي الخام أي 5 في المائة من 14 في المائة، هذا تحت فرضية الاهتمام والتركيز على القطاعات الأخرى غير الفلاحية كالصناعة والتجارة والخدمات لكن هذه الأخيرة أيضا تراجعت بشكل كبير جراء الجائحة التي أصابه العالم بأسره.

 

+ الجفاف ظاهرة شبه موسمية يعرفها المغرب، كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة الفلاحية والاقتصادية؟ والحلول الممكنة؟ خاصة وأن المغرب يواجه جوائح أخرى (كورونا).. التي دكت البلاد وأفلست مقاولات وشردت العمال؟

- إذا سمحتم أن أتدخل نوعا ما في صياغة السؤال، لأن الأمر لا يرتبط بالبحث عن السبل التي ينبغي للمغرب أن يسلكها للخروج من الأزمة، ثم بعد ذلك يعود إلى أزمة أخرى ويبحث عن السبل وهكذا بل التحدي المطروح علينا هو كيف ينبغي للمغرب أن يضمن استعداد الاقتصاد الوطني للخروج من الأزمة وعدم العودة إليها، وهذا يقتضي توفر مجموعة من المقومات الضامنة لصمود الاقتصاد الوطني أمام الهزات المفترض حدوتها في المستقبل، لأن كوفيد صدمة، وكذلك الجفاف فهو صدمة لأنه مبني هو الآخر على عوامل احتمالية. والصمود الاقتصادي أمام الصدمات لا يعدو إلا أن يكون قدرة على إبقاء الإنتاج قريبًا من إمكاناته بعد الصدمة. وتعتمد هذه القدرة بدورها على قدرة الإطار المؤسسي على تخفيف الأثر الأولي للصدمات الخارجية وتقليل استمرار الفجوة اللاحقة بين الناتج الفعلي والمحتمل.

ولذلك يمكن تلخيص هذه المقومات فيما يلي:

الفهم الجيد لخصائص الاقتصاد المغربي ومؤشراتها،

الاهتمام بالطلب الداخلي وتقويته كمبدأ أساسي لضمان نجاعة كل السياسات والإجراءات المرافقة التي تقوم بها الدولة باعتبارها دولة متدخل في الاقتصاد  Etat providence

الاهتمام بدعامتين أساسيتين لضمان صمود اقتصاده والمتمثلة في توفره أولا على الكوابح الماكرو اقتصادية للصدمات وثانيا على بنية هيكلية اقتصادية قوية. فالكوابح الاقتصادية تعني هامش المناورة الذي تتوفر عليه السلطات النقدية والضريبية ويؤشر إليه باحتمال وقوع الدولة في ضائقة ضريبية، وكلما كان هذا الاحتمال ضعيفا كلما كان هامش المناورة الموازناتية قويا، أما هامش المناورة النقدية فيعبر عنه بالقدرة على تليين أو تشديد السياسة المالية.

أما فيما يتعلق بالمكونات الهيكلية والتي تعتبر بمثابة متغيرات تحدد الإطار الأساسي للاقتصاد كما تختص بتطورها البطيء وتعتبر من أهم الديناميكيات التي تفيد في امتصاص الصدمات الاقتصادية.

ولا يستقيم الحال بعد كل هذا إذا لم ننظر في مقاييس أخرى أكثر أهمية من قبيل جودة وتنوع السلع التي ينتجها الاقتصاد الوطني والتي تظهر اتساع وعمق القدرة الإنتاجية لهذا الاقتصاد دون أن ننسى أمرين أساسيين وهما الرأسمال البشري وخصوصا في مجال الصحة والتعليم والحركية الاجتماعية والأمر الثاني مرتبط بالبيئة الخضراء.

وإذا أردنا أن نكون أكثر استعجالية بالرغم من أنه لا داعي لذلك، فينبغي أن تسعى الحكومة إلى تفعيل ما يلي:

- تصنيف طبيعة الأزمة والبحث في سبل تجاوزها وعدم العودة إليها.

- مساعدة الاقتصاد على قدرته على التكيف مع كل الأوضاع.

- استحضار منطق الصدمات الاقتصادية في التحليل.

- ضرورة سلوك تدبير تشاركي.

- ضرورة العمل بمنطق الدولة المشارك.

- ضرورة إعادة النظر في الأولويات بما يمنح: الصحة والتعليم والبحث العلمي الصدارة.

- الابتعاد عن منطق التحليل الكمي فقط للعلاقات الاقتصادية ومحاولة التركيز على التحليل الكيفي.

- اعتماد الاقتصاد الدائري économie circulaire

مزامنة المجالات المالية والحقيقية économie monétaire et économie réelle

- مزامنة الحركية الاقتصادية مع الحركية الاجتماعية

- البحث عن الكفاءات وتوظيفها بشكل راشد.

- ضرورة الاهتمام بالتصنيع الداخلي.

- اعتماد منطق البطالة الجزئية.

- تحديد وتحليل الآثار المؤكدة والمحتملة لضمان الاستدامة في الابتكار والتوظيف.

- تحديد البني التحتية الأساسية التي تتطلب درجة حماية أعلى ضد الصدمات.

- تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية للتخفيف من آثار الصدمات.

ولكن إذا أردنا أن نعود إلى الموضوع المرتبط بالجفاف وسبل الوقاية منه، فيمكن تلخيص بعض الحلول في الثلاثية التي لطالما أثارها الباحثون و المرتبطة أساسا بترشيد استهلاك الماء المتوفر لدينا وترشيد استغلال الفرشة المائية واستكشاف مواقع المياه الجوفية.

إن التفكير في تجاوز الأزمة لا ينبغي أن يكون إبان الأزمة ولكن ينبغي أن يكون حتى في حالة الرخاء وذلك بالتوقع الدائم لسيناريوهات الهزات والأزمات الاقتصادية والتحضير المسبق لسيناريوهات الحلول...