الخميس 25 إبريل 2024
اقتصاد

الذهب الأبيض في سوس.. استنزاف فلاحي ممنهج أم معضلة طبيعية غير متحكم فيها؟

الذهب الأبيض في سوس.. استنزاف فلاحي ممنهج أم معضلة طبيعية غير متحكم فيها؟ يستحوذ النشاط الفلاحي على الجزء الأكبر من كميات المياه المستغلة في جهة سوس ماسة

90 في المائة من الموارد المائية في جهة سوس ماسة تستنزفها فلاحتها التي تنتج 60 في المائة من صادرات البواكر والحوامض وطنيا، مما أحدث عجزا في "الذهب الأبيض" يصل إلى حوالي 270 مليون متر مكعب سنويا، عمق جراحه استمرار النشاط الفلاحي في التوسع وسط تنامي الجفاف، وندرة التساقطات المطرية خلال مواسم متتالية، إذ لا تتعدى 150 ميلمترا كل عام.

هذا ما يتفق عليه الفلاح والباحث والهيئات المهنية وتدعمها الأرقام الرسمية لمؤسسات رعاية الماء في واقع حال تدبير الماء في النشاط الفلاحي بسهل سوس ماسة، إذ يخلف سنويا عجزا مائيا يناهز 350 مليون متر مكعب، مما جعل المزارعين يلجؤون إلى استغلال المياه الجوفية التي عانت من ضغط مهول، مقابل عجز تصاعدي متراكم  في الموارد.

 

معطيات وأرقام صادمة

وإذا كانت المعطيات الرسمية لوكالة الحوض المائي التي حصلت عليها أسبوعية "الوطن الآن"، تؤكد أن الضغط على الفرشة المائية الباطنية لتلبية حاجيات النشاط الزراعي من المياه في سوس ماسة أدى إلى حدوث عجز في الموارد المائية يصل حوالي 350 مليون متر مكعب سنويا، فإن هذا العجز المتفاقم في الموارد المائية الجوفية سنة بعد أخرى في انحدار خطير على مستوى الفرشة المائية الباطنية، ما أدى في بعض المناطق إلى نضوب هذه الفرشة بشكل كلي (حوض الكردان في إقليم تارودانت مثلا)، وفي مناطق أخرى إلى الشروع في زحف مياه البحر المالحة على عمق اليابسة، وهو ما ينذر بوقوع كارثة بيئية.

ويرى يوسف الجبهة، رئيس الغرفة الفلاحية لسوس ماسة، في توضيحاته لأسبوعية "الوطن الآن"، أن الفلاحة بسوس ماسة أول مشغل للقطاع وطنيا بنسبة تتراوح ما بين 35 و40 في المائة، حيث يوفر أكثر من 35 مليون يوم عمل سنويا، على مساحة 45 ألف هكتار من الحوامض و30 ألف هكتار من البواكر، فضلا عن الفلاحة المعيشية وفي التعاونيات وغيرها".

وردا على سؤال استنزاف الموارد المائية السطحية والباطنية لفلاحة سوس في ظل الخصاص المفرط، رد يوسف الجبهة على ذلك بقوله "من يتهم الفلاح بذلك لا يعي ما تقدمه هاته الفلاحة لتوفير الأمن الغذائي للمواطن حتى يقتني الخضر والفواكه بأثمان مناسبة، وحتى الوزارة أوقفت دعمها الفلاحي في عدد من المنتجات، بعد وقف تراخيص الآبار والدعم".

وذهب يوسف الجبهة رئيس الغرفة الفلاحية لجهة سوس ماسة إلى التأكيد أن "العجز المائي ناتج عن تراكم سنوات من الاستهلاك والجفاف وقلة التساقطات التي تراوحت خلال الخمس سنوات السابقة ما بين 60 إلى 100 ميلمتر في السنة الواحدة، أي أن الواردات المائية لا تتعدى 600 مليون متر مكعب خلال سنة طبيعية بتساقطات لا بأس بها، ومع تراكم العجز المائي كل عام بحصيص يفوق 300 مليون متر مكعب في السنوات العادية للتساقطات المطرية، فتنامى الخصاص".

وتظهر الأرقام الرسمية، التي حصلت عليها أسبوعية "الوطن الآن" من المديرية الجهوية لوزارة الفلاحة بسوس ماسة، أن "الفلاحة تستأثر باستهلاك يصل إلى نحو 90 في المائة من الموارد المائية، مقابل 10 في المائة موزعة بين الماء الشروب المستهلك في البيوت والقطاع السياحي وفي القطاع الصناعي وما شابهه، أما تنامي الموارد المائية لسقي المنتجات الفلاحية حيث تنتج المنطقة أزيد من 60 في المائة من صادرات المغرب من الخضر والبواكر، فضلا عن تزويدها للسوق الوطنية بكميات كبيرة من حاجياتها من الخضر وبعض أصناف الفواكه".

وفي مقابل ذلك، يؤكد جمال موفيق، وهو باحث في المناخ، أن "الخصاص المائي بسوس ماسة مقلق وحرج نتيجة الاستنزاف المفرط للموارد المائية وتنامي المساحات الفلاحية التي تقارب 80 ألف هكتار باشتوكة (الحوامض)، وحوض الكردان وتارودانت (الحوامض)".

ومما يعمق جراح هذا الاستنزاف، يشرح الباحث موفيق، أن "معدل التساقطات المطرية بسوس ماسة لا يتجاوز 150 ميليمتر سنويا في السهول، و600 ميليمتر سنويا في قمم الجبال"، مما جعل الموارد المائية أقل من  المتوفر ليراكم عجزا سنويا يناهز 300 مليون متر مكعب من استهلاك سنوي للفلاحة يفوق مليار  وربع متر مكعب كل عام".

وعزا المتحدث ما يحصل للذهب الأبيض في سوس ماسة لكونه تجاذب ما هو طبيعي وتدبيري، بسبب "تتالي سنوات الجفاف بالمنطقة وتقلص واردات المياه السطحية في منطقة سوس ماسة ، الشيء الذي دفع بالمزارعين إلى التوجه صوب استغلال المياه الجوفية التي ازداد الطلب عليها بفعل توسع المساحات الزراعية في سهل سوس ومنطقة اشتوكة، في وقت ظلت فيه عملية تغذية الفرشة المائية الباطنية جد محدودة ، ومنعدمة في بعض الأحيان، مما نتج عنه استنزاف كبير للفرشة المائية الباطنية".

وحسب المعطيات الصادرة عن وكالة الحوض المائي لسوس ماسة، فإن مجموع الموارد المائية في المنطقة تصل إلى مليار و271 مليون متر مكعب سنويا سواء منها الموارد السطحية أو الجوفية. كما أن السدود الكبرى الثمانية المتوفرة في المنطقة توفر حقينتها 765 مليون متر مكعب من المياه، تضاف إليها حقينة بمقدار 1.4 مليون متر مكعب متوفر في السدود التلية.

ويستحوذ النشاط الفلاحي على الجزء الأكبر من كميات المياه المستغلة في هذه المنطقة حيث تشير وكالة الحوض المائي إلى أن الضغط على الفرشة المائية الباطنية لتلبية حاجيات النشاط الزراعي من المياه أدى إلى حدوث عجز في الموارد المائية يفوق 300 مليون متر مكعب سنويا. وهو ما أدى إلى تراجع وصف بـ "الخطير" للفرشة المائية الباطنية، نضبت معه في بعض المناطق، وفي مواقع أخرى زحفت مياه البحر المالحة على اليابسة مما ينذر بوقوع كارثة بيئية.

 

إجراءات وتدابير لم تنفع

وعلى الرغم من التدابير التي باشرتها وكالة الحوض المائي لسوس ماسة بدعم من مجلس جهة سوس ماسة والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس ماسة، وجمعية "أكروطيك" للبحث الزراعي منذ ما يفوق عقدا من الزمان لوقف نزيف الاستغلال المفرط والعشوائي للثروة المائية في المنطقة، وتأمين استدامة المجهود التنموي للمنطقة، خاصة في شقه المتعلق بالنشاط الزراعي، بإنشاء "لجنة عقدة الفرشة المائية" والتوقيع على "اتفاقية إطار للحفاظ على الموارد المائية وتنميتها"، إلا أن النتائج لم تكن في مستوى التطلعات، حيث زاد الاستهلاك المفرط للمياه، رغم كل التدابير التي تم اتخاذها، وعلى رأسها تحويل نظام السقي بالطرق التقليدية على مساحة 50 ألف هكتار إلى نظام السقي بالتنقيط، وتوقيف عملية توسيع المدارات المسقية، ووقف ضخ المياه الجوفية في المدارات العصرية المسقية بمياه السدود، وتحسين مردودية شبكات الري وأنواع المزروعات. وهو مجهود مكن من "توفير حوالي 144 مليون متر مكعب من المياه سنويا على الأقل"، يوضح المصدر ذاته.

وتراهن وكالة الحوض المائي لسوس ماسة على تظافر جهود مختلف هؤلاء الفرقاء، وفق مقاربة تشاركية وتعاقدية كسبيل أنجع لإعادة التوازن لاستغلال الموارد المائية، حيث تعتبر الوكالة أن مراقبة الملك العام المائي تشكل إحدى الآليات القانونية التي يمكن توظيفها من أجل حماية الثروة المائية وضمان استدامتها لما فيه خير ومصلحة الأجيال القادمة.

وحسب الإفادات التي تلقتها أسبوعية "الوطن الآن" من مصالح وزارة الفلاحة، فقد تم وقف زحف توسيع المساحات المزروعة بخلاف ما كان سائدا في السابق من أجل تأمين الطلب المتزايد على الماء سقيا واستهلاكا وشربا، وتوقفت معه تراخيص المياه من قبل مصالح وكالة الحوض المائي، اللهم تجديد تراخيص سابقة فقط".

 

دراسة تكشف ارتفاع الطلب

وتؤكد دراسة مستقبلية، تم إعدادها على مستوى جهة سوس ماسة، أن الطلب على الماء سيرتفع على مستوى الجهة بنسبة 11 في المائة في أفق سنة 2050.

وأبرزت الدراسة، التي تم عرضها في لقاء العام الماضي (2021) حول الدراسات المستقبلية في إطار المرحلة الثانية من الدراسة المتعلقة بإعداد مخطط جهوي لتهيئة المجالات بجهة سوس-ماسة، أن النشاط الفلاحي يستهلك نسبة 89 في المائة من الموارد المائية، مما سيرفع الخصاص إلى 355 مليون متر مكعب.

 

مداخل استعجالية للحل

وبقدر ما تراهن الدولة على مشروع "بناء محطة مشتركة لتحلية مياه البحر" باستعمال الطاقة النظيفة، الذي كلف  حوالي 4 مليارات درهم، لتوفير المياه للفلاحة المسقية ذات القيمة المضافة العالية بمنطقة اشتوكة، حيث ستنتج هذه المحطة كمية كبيرة من مياه الري يفوق حجمها العجز السنوي المسجل في هذه المادة الحيوية بمنطقة اشتوكة، والذي يفوق 60 مليون متر مكعب سنويا. وهذا ما سيساعد على معالجة جزء هام من الخلل الهيكلي في مياه الري الذي تعرفه المنطقة منذ حوالي عقدين من الزمان.

وبحسب المعطيات التي توصلت إليها أسبوعية "الوطن الآن"، ينتظر أن يتم الشروع خلال الأيام القليلة المقبلة من شهر يناير 2022 في إطلاق المشروع بري نحو 15 ألف هكتار بكلفة تصل إلى خمسة دراهم (دون احتساب الرسوم) للمتر المكعب لمواجهة العجز المائي والحفاظ على الموارد المائية الحالية.

وبينما يدعو يوسف الجبهة، رئيس الغرفة الفلاحية لسوس ماسة، لـ "وجوب مراجعة السياسة المائية والبحت عن حلول جذرية للحيلولة دون وقوع الأسوأ لا قدر لله، وابتكار حلول جديدة لتوفير الأمن الغذائي للمواطن"، يرى أحمد الدريوش (رئيس فيدرالية الفلاحين بتارودانت) أنه يتعين على "الدولة ومؤسسات الماء تقليص كلفة بيع الماء وتقنين الزراعات المدعومة من قبل وزارة الفلاحة بتنظيمها السوق الداخلية والخارجية حتى لا يتم استنزاف الموارد المائية،  ويواجه الفلاح سلعته بالكساد، فلا هو استفاد من بيع الغلال وأدى ديونه، ولا هو ساهم في تحقيق تنمية فلاحية ورواج اقتصادي لمشروعه وبلده".

وعلى المستوى الاستراتيجي المؤسساتي، اتجهت وكالة الحوض المائي لسوس ماسة ووزارة الفلاحة وشركاؤهما المؤسساتيين لبرمجة ثلة من المشاريع المهيكلة المقترحة رفع العرض المائي إلى 1300 مليون متر مكعب وإنشاء مشاريع وحدات تحلية ماء البحر لتصل إلى 3 وحدات في أفق 2050، وإنشاء مجموعة من حقول الطاقة الريحية، وتمديد وحدات الطاقة الشمسية.