السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

الأسواق الأسبوعية.. مختبر لدراسة الأبعاد الاجتماعية والأنثروبولوجية

الأسواق الأسبوعية.. مختبر لدراسة الأبعاد الاجتماعية والأنثروبولوجية فؤاد عبد الهادي

على الرغم من ظهور محلات السوبر ماركت الحديثة، فإن الأسواق الأسبوعية في المغرب باعتبارها تراثًا ثقافيًا واقتصاديًا ما زالت تحتل مكانة بارزة من حيث التجارة والاجتماعات وتعزيز العلاقات والروابط الاجتماعية.

 

لقد تجاوز الغرض من هذه الأسواق ونطاقها الإطار التجاري البحت لترتبط بشكل وجودي وثيق بحياة السكان بالمعنى الواسع. فهي تغطي جميع أيام الأسبوع، السبب وراء تسمية بعض المناطق باسم سوقها الأسبوعي، وهي حقيقة تنطبق على جميع مناطق المغرب.

 

يمكن اعتبار الأسواق الأسبوعية في المغرب تراثا خصبا من أجل النبش ليس في ابعاده الاقتصادية فحسب، وإنما الاجتماعية والأنثروبولوجية والفلسفية أيضا.

 

تعد الأسواق الأسبوعية مجتمعا مصغرا في الهواء الطلق لدراسة وفهم أفضل للعادات الاستهلاكية والغذائية للسكان المحليين من خلال الجرد التجريبي للمنتجات والسّلع المعروضة، والتي يوفر تكوينها وطبيعتها معلومات عن القوة الشرائية للسكان المحليين، الأمر الذي يثير العديد من الأسئلة الاجتماعية المتعلقة بالتنمية والتغيير والتكيف الاجتماعي للفئات الضعيفة.

 

يعود تاريخ هذه الأسواق إلى زمن بعيد، حيث شكلت، عبر الزمن، مفترق طرق تجاري تحول في مراحل لاحقة إلى تجمع ديموغرافي مع التوطين على الفور لعدد من العائلات التي شكلت قلب القرى وحتى المدن، وهو ما جعلها تراثًا جماعيًا وفضاءً مناسبًا لإقامة علاقات اجتماعية، لا سيما الارتباط الاجتماعي التفاعلي بين التاجر والمشتري على أساس الثقة المتبادلة، وهو بُعد رمزي موروث من ثقافة الأجداد والقيم التقليدية، فضلاً عن عامل التواصل الذي يمكّن من تحقيق الاندماج الاجتماعي. كما أن هده الأسواق الأسبوعية توفر فرص عمل مؤقتة لصالح الفئات الضعيفة والفقيرة والأرامل والمطلقات وكبار السّن وذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أصبح السوق الأسبوعي مساحة لدرء أزماتهم وإخفاقاتهم.

 

وفيما يتعلق باسم هذه الأسواق، فقد يتحول الاسم من المذكر (السّوق) إلى المؤنث (السويقة)، بحسب حجم البضائع والمنتجات المعروضة في كليهما. لكن السوق بصيغة المذكر لا يوجد إلا في البوادي وبجوار المدن وتكون له مواصفات وتقاليد وعادات وأعراف لا يخبر خباياها إلا من دأب على الذهاب إليها وعاشر مرتاديها من أهل البادية خصوصا.

 

يعتبر ذهاب رب الأسرة في البادية مثلا إلى السوق حدثا استثنائيا خلال الأسبوع. الذهاب إلى السوق الأسبوعي ليس من أجل التبضع فحسب، بل من أجل أغراض أخرى كعقد الصفقات في مجال الفلاحة وعقد القران، بحيث كان إلى زمن قريب يحضر كاتب العدل إلى السوق لتوثيق العهود والعقود وإصدار الشهادات.

 

من المسلم به أن هذه الأسواق قديمة جدًا، لكنها تطورت بمرور الوقت بعد تطور حياة الناس ومن يترددون عليها، ليس فقط من حيث عمليات البيع والشراء، ولكن أيضًا فيما يتعلق بتطويرها وتحديثها مما ساهم في تطويرها محليًا وبالتالي، فإن الحفاظ على الطابع التقليدي للأسواق يكتسي أهمية كبيرة، لعدة اعتبارات كاستمرار بعض المشاكل من قبيل التخريب، سوء التنظيم وقلة النظافة، الأمر الذي حدا بالفئات الاجتماعية الأكثر ثراء إلى عدم ارتياد هده الأسواق واللجوء في المقابل الي أنماط استهلاك أكثر حداثة.

 

فؤاد عبد الهادي، أستاذ باحث