الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

احزرير: هرولة الاتحاد الاشتراكي نحو الحكومة غير مفهومة وثقافة المعارضة لديه أقوى من ثقافة المشاركة

احزرير: هرولة الاتحاد الاشتراكي نحو الحكومة غير مفهومة وثقافة المعارضة لديه أقوى من ثقافة المشاركة عبد المالك احزرير، أستاذ القانون العام بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس
يرى د. عبد المالك احزرير، أستاذ القانون العام بجامعة مولاي اسماعيل أنموت السياسة في المغرب غير ناتج عن الأحزاب التي كنا نسميها «الأحزاب الإدارية»، بل هو ناتج عن ممارسات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، والتي تعيش وضعا غير مسبوق منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي، مضيفا بأن هذه الأحزاب تتخلى عن برامجها  الحزبية بمجرد الوصول إلى الحكومة وتفضل العمل بمرجعيات خارج مرجعياتها الحزبية، محذرا من كونها ستعيش مستقبلا أزمات تنظيمية غير مسبوقة تفوق الأزمة التي يتخبط فيها حزب العدالة والتنمية نتيجة التصويت العقابي.

كيف تقرأ ظاهرة التشبث الدائم للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمشاركة في الحكومة منذ حكومة التناوب، وماهي آثار ذلك على مركز المعارضة في البرلمان؟
 
الهرولة نحو الاستوازار إذا استحضرنا السياق الأكاديمي العام هي ليست ظاهرة مغربية، بل هي مطروحة حتى في الديمقراطيات الكبيرة، فكل الأعمال الأكاديمية في السنوات الأخيرة تتحدث عن أفول الحياة السياسية ومسخ النخب. فالرأسمالية طمست الرؤية لهذه الأحزاب والرؤية للسياسة باعتبار السياسة كمنظور وكرؤية للمجتمع، وأعتقد أن العالم يعيش ما يسمى ب «خريف الديمقراطية». وقد تطرقت أعمال Guy hermet لهذا الموضوع من خلال كتاباته، حيث يشير إلى أن الديمقراطية تعاني من فترة عصيبة، زيادة على أعمال أكاديمية مهمة، وهي وصفية وتحليلية  للمشهد السياسي في أوروبا ، وخصوصا في فرنسا وألمانيا وغيرها ونذكر منها أعمال Rozon Ballon والتي تتحدث عن الظواهر التي نعيشها اليوم في دول العالم الثالث، فنحن نعيش في زمن الرأسمال ولا نراهن على الأفكار ولا نراهن على الإيديولوجية، وهناك من يرى أنها نهاية الإيديولوجية وأن هناك أفول حقيقي لهذه الأحزاب في العالم. فحتى التصنيفات التي كانت معروفة للأحزاب لم تعد كما كانت عليه (يمين، يسار) كلها تجمع من هب ودب من أجل كسب الأصوات والوصول إلى المؤسسات الدستورية وحصد مقاعد في البرلمان وتأثيث أغلبية ، فنحن نركز على العدد بدل التركيز على الجودة والذكاء وعدد من الصفات التي يجب أن تتوفر في رجل السياسة، وهي نظرة كمية ونظرة عددية للديمقراطية..
 
هناك من يرى أن ارادة الناخبين في الانتخابات التشريعية الأخيرة اقتضت التصويت على أحزاب معينة وعقاب أحزاب أخرى وضمنها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومع ذلك تصر على المشاركة في الحكومة بدل الاصطفاف في المعارضة لاسترجاع الثقة، مارأيك؟ 

أعتقد بأن القيمة التنظيمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كسب الإرث النضالي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية وما عرفه من نقاش كبير بين الجناحين والنوستالجيا السياسية بين جناح الدار البيضاء بقيادة عبد الله ابراهيم وجناح الرباط بقيادة عبد الرحيم بوعبيد، وهو الأمر الذي تلاشى الآن. فالأحزاب أصبحت تستقطب كل من هب ودب، فمن غير المقبول أن يتهافت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية  أوحزب التقدم والاشتراكية نحو استمالة «أصحاب الشكارة»، علما أنه في السابق كان هناك تقسيم فكري وايديولوجي يحترم، والآن لم يعد له وجود، ولهذا أعود وأقول بأن موت السياسة في المغرب غير ناتج عن الأحزاب التي كنا نسميها «الأحزاب الإدارية»، بل هو ناتج عن ممارسات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، فهم يعيشون وضعا غير مسبوق منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي. فللأسف فهذه الأحزاب تتخلى عن برامجها الحزبية بمجرد الوصول إلى الحكومة وتفضل العمل بمرجعيات خارج مرجعياتها الحزبية، ثم يحدث بعدها التصويت العقابي، فقبل التصويت العقابي الذي عانى منه حزب العدالة والتنمية سبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن عانى هو الآخر من التصويت العقابي، لأن الخطاب السياسي في واد بينما الواقع في واد آخر. وبالتالي فالوضع الذي يعيشه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا يليق به كحزب سياسي له تاريخ، فالممارسة الحالية للحزب للأسف يطبعها البحث عن الاستوزار وبأي طريقة، وهذا لا يشرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
 
هل ترى أن التصويت العقابي لا يتناغم مع دستور 2011 الذي اعترف لأول مرة بدور المعارضة في إحداث التوازن السياسي؟

التصويت العقابي يعد فرصة للحزب من أجل استرجاع قوته في الشارع والاعتذار للناخبين، وإعادة الأمور إلى نصابها بتحسين الوضع التنظيمي، فلا يمكن للحزب أن يكون ذا مرجعية اشتراكية أو شيوعية أن يعتنق سياسة  فوق ليبرالية. فالانتقال من القطاع الخاص إلى القطاع العام واستحواذ القطاع الخاص على القطاع العام ببرمجة نيوليبرالية مرتبطة بمرجعيات دولية (البنك العالم،  الشراكات المتعددة...) يجعل برنامج الحزب مجرد حبر على ورق..
 
ما تأثير هذا الوضع على توازن السلط اذا استحضرنا  مضامين الدستور ومضامين عدد من الخطب الملكية التي تشدد على أهمية المعارضة البرلمانية؟
 
دستور 2011 حاول إحداث التوازن بين الأغلبية والمعارضة، ومنحها ضمانات، فهي معارضة مدسترة، وبالتالي كان بإمكان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يستغل خطابه النضالي القوي مستفيدا من مضامين الوثيقة الدستورية الجديدة، وأعتقد أن هذا من المفارقات العجيبة، ففي الوقت الذي أصبحت فيه المعارضة ممأسسة طبقا للدستور هرع الجميع نحو المشاركة في الحكومة وتركوا المعارضة، مع العلم أن للمعارضة ضمانات كثيرة تخولها لعب أدوار مهمة أكثر من الحكومة، لأن الحكومات في العالم يعيشون إكراهات كبيرة، فمنذ حكومة التناوب وكما قلت ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية متشبت بخيار المشاركة في الحكومة، بل إنه شارك في حكومة العثماني، ورغم تمكنه من استرجاع بعض المقاعد فإنه مع الأسف يعيش أزمة غير مسبوقة.
 
هناك من يرى أن تمكن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من استعادة بعض المقاعد في الانتخابات التشريعية لم يكن ليحدث لولا التغييرات التي عرفها النظام الانتخابي وخاصة القاسم الانتخابي، فكيف تنظر للأمر من زاويتك؟ 

لا شك في ذلك، فالتغييرات التي عرفها النظام الانتخابي وإزالة العتبة مكن جميع الأحزاب من الاستفادة ولولا اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية لما تمكن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وغيرهما من الأحزاب الفائزة من حصد هذه المقاعد، فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يعد كما كان بالأمس يبحث عن المدينة الفاضلة في السياسة، ومستعبد في الظروف الحالية التي يعيشها الحزب في ظل القيادة الحالية الرجوع إلى الوراء، علما أن الرجوع إلى الوراء يعد أفضل بكثير من ما هو عليه اليوم، وأعتقد أن أحزاب الإستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم الاشتراكية تعيش وضعا كارثي غير مسبوق، في ظل ضعف كاريزما هذه الأحزاب مقارنة بقيادات الأمس (امحمد بوستة، عبد الرحيم بوعبيد، علي يعتة) كما تعيش ضعفا واهتزازا على مستوى أذرعها الشبيبية والنقابية، والتصريحات التي نسمعها المفاوضات المتعلقة بالمشاركة في الحكومة التي نتابعها اليوم تؤكد أننا أضعنا هذه المدرسة النضالية التي كانت تصوغ القيم وتضع القواعد النبيلة للعمل السياسي، ومن المتوقع أن تصبح هذه الأحزاب مستقبلا في حالة أضعف من ماهو عليه وضع حزب العدالة والتنمية، فحذاري من الاغترار بنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة ، فالرجوع إلى المعارضة بتوابثها الدستورية سيكون أفيد لهذه الأحزاب لأن ثقافة المعارضة لدى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية تفوق ثقافة المشاركة في الحكومة.
 
عبد المالك احزرير/أستاذ القانون العام بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس