في إطار النقاش المتزايد الذي ينصب حول آداء وحصيلة وميزانية ورئاسة مجلس الجالية المغربية بالخارج، ومن أجل إثراء هذا النقاش وتوسيع آفاقه، ارتأت جريدة "أنفاس بريس" أن تفتح حوارا حول الوضعية الحالية لمجلس الجالية، وإفساح المجال للمعنيين بالأمر من أجل الإدلاء بآرائهم ومواقفهم بخصوص هذا المجلس.
وفيما يلي رأي الباحث في قضايا الهجرة، عبد الله جبار:
"إن تعزيز مضامين المسودة الدستورية يقضي أساسا الإهتمام بالجالية ومعاملتها على قدم المساواة لإعمال وتعزيز الحقوق جميعها والنظر فيها بصورة عاجلة، ولا يمكن أن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تم اكتسابها في المغرب بعد نضال طويل ومرير إنكار غيرها من الحقوق، لأن تنمية الشعوب والأفراد التزام رئيسي على الدول القيام به من خلال وضع سياسات وطنية ملائمة، هدفها التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان والأفراد دونما تمييز عبر تكريس مبدأ تكافؤ الفرص للجميع في إمكانية الوصول إلى مراكز القرار، والمساهمة في رسم معالم السياسات المستقبلية للبلاد.
في سياق هذا المضمون، تم تشكيل مجلس الجالية بعد خطاب المسيرة الخضراء 2005 كخطوة أولية نحو إعادة الإعتبار لهذه الثروة البشرية بعد سنوات من التهميش والإقصاء الممنهج، رغم ما رافق هذا التأسيس من مشاكل ومعوقات فقد اعتبر خطوة يمكن صقلها مع مرور الوقت، ويمكن تذويب كل الخلافات التي طفت إلى السطح إبان المشاورات التي سبقت الولادة، سيما وأن الحكومات المتعاقبة تعهدت أكثر من مرة بضرورة إشراك أفراد الجالية في كل القرارات، ومن خلال التواجد داخل المؤسسات تماشيا مع ما ورد في خطابات الملك، وتطبيقا لما ورد في دستور 2011. لكن السؤال المطروح اليوم هو الآتي: هل استطاع المجلس أن يجيب ولو في حدود معقولة على انتظارات مغاربة الخارج؟ وهل هناك تواصل مستمر وفق أجندة مع الجالية لترجمة التزاماته على أرض الواقع؟
للإجابة على ما سبق، يجب أن نبتعد قليلا عن المساءلة الكلاسيكية المبنية على سلوكات وتصرفات الأفراد بغض النظر عن طبيعتهم وتوجهاتهم، وأن نصب بحثنا وتحليلنا على المؤسسة وإن كان من الصعب أن نحيد النخب التي تسير شؤون المؤسسات وترسم السياسات وتتخذ القرارات، لأن هذه النخب منوط بها القيام بواجبها كاملا اتجاه المواطن.
إن مجلس الجالية كمؤسسة دستورية استشارية حدد لها مند الوهلة الأولى القيام بمهام واضحة بمقتضى ظهير 2007، حيث أنيط بها: "ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد. وبالمقابل فإن مجلس الجالية المغربية بالخارج مكلف بالاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين المغاربة. مهام جسيمة يدلي مجلس الجالية المغربية بالخارج برأيه حول:
+ المشاريع الأولية للنصوص التشريعية أو التنظيمية التي يتعلق موضوعها بشؤون الهجرة والقضايا التي تهم المغاربة؛
+ التوجهات الرئيسة للسياسات العمومية الكفيلة بضمان حفاظ المغاربة المقيمين بالخارج على روابط متينة مع هويتهم المغربية، وخاصة في ما يتعلق بتعليم اللغات والتربية الدينية والنشاط الثقافي؛
+ الإجراءات الرامية إلى ضمان الحقوق والحفاظ على مصالح المغاربة المقيمين بالخارج، خاصة من يوجد منهم في وضعية صعبة أو هشة؛
+ الوسائل الهادفة إلى حث المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج على المشاركة في المؤسسات ومختلف قطاعات الحياة على المستوى الوطني وتدعيم الأنشطة المنجزة لصالحهم؛
+ تكثيف مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في تنمية قدرات بلدهم الأصل وفي مجهود التنمية البشرية المستدامة وتحديث المجتمع؛
+ تنمية الاستراتيجيات الحديثة للتواصل والتفاعل والتعاون مع بلدان الاستقبال على المستوى الثقافي والإنساني والاقتصادي".
نرى من خلال هذه المهام وبعد مرور أكثر من تسعة سنوات أن لاشيء على أرض الواقع تحقق، و أنه لا يمكننا الحديث عن مؤسسة نامية ومتطورة ومستمرة بما للكلمة من معنى لتخلفها عن قدرتها على تحقيق الأهداف المخططة لها، فقد فشلت في تقديم أي رأي استشاري لمعالجة الملفات الهامة التي تدخل في نطاق الاختصاص، وذلك في إطار ما تنص عليه المادة الثانية من الظهير المؤسس لها، وقد نسوق حق المشاركة السياسية لمغاربة العالم الذي لم يجد طريقه بعد للتطبيق، بل ما يثير الإستغراب في هذا الشأن أن البعض من داخل المجلس لا يتورعون بالظهور إعلاميا، والتصريح بان الأولوية للمشاكل الحياتية اليومية للمهاجر وليس للمشاركة السياسية.
وحتى هذه القناعة يعريها الواقع من خلال الأوضاع المزرية التي أصبحت لا تخفى، بسبب الأزمة الاقتصادية مع ما يرافق ذلك من مآسي، ليس أقلها ظاهرة الإنتحار، كما حدث مؤخرا مع مواطنين مغاربة بإيطاليا، دونما حضور يذكر لهذا المجلس المفروض فيه حماية حقوق الجالية بالخارج والعمل على تطوير وسائل جديدة للتواصل الدائم والفعال عبر الطرق الدبلوماسية والتعاون مع بلدان الإستقبال للتواجد بجانب المواطنين في ظروف صعبة، سيما في زمن تقوت فيه العنصرية ومعاداة الأجانب خاصة المنحدرين من أصول عربية إسلامية.
إن أحداث العنف والتطرف التي أضحى العديد من أبناء الجالية خاصة الأجيال الجديدة متورطين فيها تزيد من أعباء المسؤولية الملقاة على عاتق المجلس، خاصة ما ارتبط بالشأن الديني الذي ينبغي أن يحضر بشكل قوي في أولوياته للإجابة على أمر أصبح مستعجلا. وهو كيفية تنشئة الأجيال القادمة وفق مبادئ الدين الإسلامي السمح وتجنيبهم الغلو والتطرف. فأين هي اللجن التي تم تشكيلها؟ هل اشتغلت على الملفات السالفة الذكر؟
أسئلة ربما ستظل معلقة إلى حين الإجابة عنها كما علقت أشغال المجلس مند بدايته، إذ لم يستطع أن يعقد الجمع العام والذي يفترض أن يعقده كل سنة وفق ما ينص عليه الظهير المؤسس من قانونه الأساسي، مما حال دون تقييم أدائه وتوجيه عمله بما يتيح بلورة رأيا استشاريا حتى يصبح مجلسا منتخبا بطريقة ديموقراطية ويعكس التنوع الذي تعرفه الجالية.
إن الصورة التي يحاول البعض تسويقها إعلاميا من خلال حضور بعض أعضاء المجلس هنا وهناك لإلقاء خطبهم العصماء، لا يمكنها أن تمحي الصورة الضبابية التي تلف وضعية مجلس الجالية. وهي الصورة التي لن تعيد له شيئا من الصدق، ليس لأن الماضي لازال يخيم بظلاله على الحاضر و يعاقبه، بل لأن أركان الثقة في هذه المؤسسة معطّلة إلى حين، وهناك شعور يتقاسمه المهاجر بأننا قذفنا في مرحلة انتظار طويلة.
إن إعادة بناء وصياغة الثقة ما بين المهاجر وهذه المؤسسة الدستورية وغيرها من المؤسسات يتوقف بالتأكيد على أن السلطة السياسية، الحاكمة مطالبة بإعادة بناء مضامين الثقة بالشكل الذي يكرس قيم المشاركة والإنتماء، إلى غير ذلك من ممارسات منظمة تصب في إطار تعزيز التنمية السياسية والاجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية، لأن هذا الوطن للجميع وان استقراره وتقدمه مرهون بثقة أبنائه في مؤسساته، وخدمة القائمين في تلك المؤسسات لأبناء وطنهم.".