ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على أستاذ يمارس مهمته داخل الفصل، ولن تكون الأخيرة. وللاعتداء امتدادات وسوابق الترصد.
الاعتداء تم داخل المؤسسة التعليمية، ونفده تلميذ يدرس بالمؤسسة ضد أستاذه الذي يشرف على تربيته وتعليمه، والوزارة الوصية هي سميت وزارة التربية الوطنية... فمن المسؤول؟ ومن نحاسب؟ ومن يحاسب من؟
المتتبع للشأن التعليمي لن يستغرب كثيرا. فالمنظومة التربوية في المغرب تتوغل في أزمتها. وتستمر الأزمة كي تصير أخطر أزمة تهدد الوطن.
صحيح أن حادثة "ورزازات" والاعتداء الجسدي على أستاذ من طرف تلميذه تستفز الشعور والرأي. والرأي دليل وشرط المواطنة، فكم لنا من شروط الرأي والمواطنة؟
وغير صحيح أن نختزل الاعتداء على أستاذ من طرف تلميذه في حادثة عارضة، ونحملها مسؤولية كل عثرات القيم التي نعيشها.
وصحيح أن الأستاذ ضحية، والتلميذ ضحية، والمنظومة التربوية ضحية.
فمن أين نقارب؟ ومن أين نقارن؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
أفترض أن المسؤولية سياسية.. وأن مسؤولية التربية والتعليم تتحملها الدولة بالأساس. فلو عرجنا بعجالة على قطاع التعليم، لسجلنا التأخر الذي يعانيه المغرب بالكم وبالكيف منذ الاستقلال، وأن أزمة التعليم بالبلد تعيق التنمية، وترفع مؤشرات الفشل حسب كل التقارير، الدولية منها والوطنية، بما فيها المجلس الأعلى للتعليم. فلا المناظرات وجدت منفذا للأجرأة، ولا التقارير. وسياسيا وتاريخيا، تتحمل الدولة المسؤولية.. وهنا نذكر بالصراع الذي أعلنته ضد القطاع والأساتذة والمعلمين وحتى التلاميذ والطلبة، فكم باشرت الدولة اعتقال العديد من الأطر التعليمية من كل التنظيمات اليسارية من الاتحاد الاشتراكي ومنظمة 23 مارس وإلى الأمام في سبعينيات القرن الماضي، وصولا إلى محطة الإجهاز على النقابة في 1979 بعد إضرابات القطاع. والدولة نفسها في بداية الثمانينيات منهجت التدجين والتبخيس في سياق التقويم الهيكلي الذي فرضه البنك الدولي آنذاك كأرضية اقتصادية، لكنها مورست بخلفية سياسية وإيديولوجية على رجال التعليم ونسائه، وبعدها تم هدر دم المنظومة حتى صار المعلم نذير شؤم ومحط نكت... واعتبر رجل التعليم المناضل والحداثي آنذاك خطرا على الدولة. وأقفلت أبواب مناهج وأسلاك الفلسفة، وأحدثت أسلاك دراسات "إسلامية" بالجامعات... ، ودعمت التوجهات الإسلاموية في الكليات ضد التوجه الحداثي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب وغيره...
وحتى بعد التوافق حول الميثاق الوطني للتربية والتكوين في بداية القرن الحالي، لم تلتزم الأطراف والحكومات بتأكيد إمكانية الأجرأة التامة للميثاق. ووصولا إلى البرنامج الاستعجالي الذي رصدت له الدولة من الإمكانيات ما رصدت، لم يتم إتمام مخططاته، وتم إعدامه أو توقيفه من قبل حكومة العدالة والتنمية في 2012... لتستمر المغامرة البيداغوجية والتربوية لمنظومة التربية والتكوين...
والآن، وبعد تقارير المجلس الأعلى للتعليم، وفي إطار الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 المعتمدة رسميا، ما زال وضع القطاع على إيقاع أزمته المزمنة، والتحديات والمغامرة نفسها تستمر...
وآخر تخريجة للوزير المقال، هي إعلان وإشهار أسماء الأساتذة الذين هم في رخصة غياب، وأمام الملأ، كي نعيد الأستاذ إلى قفص الاتهام...
فمن أين نحاكم التلميذ؟ ومن أين ننصف الأستاذ؟ ومن أين نطل على أزمة المنظومة؟