الخميس 9 مايو 2024
كتاب الرأي

مصطفى بابا: الزعمائيون..

مصطفى بابا: الزعمائيون..

أبدع الفنان الرائع عادل إمام في مسرحية "الزعيم" التي نقل لنا فيها صورة الزعيم العربي و علاقته بالأتباع.. و أجمل لقطة هي حينما هتف عادل إمام: "اللهم احفظ الزعيم.. لا زعيم إلا الزعيم.. يخرب بيت اللي بيكره الزعيم.. ويخرب بيت اللي بيحبو وهو جوا بيكرهو.. الزعيم والقائد والثورة.. يخلّيهنّ ويخلّي جميع الزعماء.. كل الزعماء.."

مشهد كوميدي مضحك لواقع بئيس و مبكي..

للأسف هذا هو واقعنا في عالمنا العربي المتخلف.. نحاول التخلص منه لكن يبدو أن الأمر صعب جدا..

المشكل ليس فقط في الزعيم و لكن في الزعمائيين..

و الزعمائيون هم جيش الزعيم.. المحيط به.. يغرسون فكرة الزعيم.. و يبررون أخطاء الزعيم.. و يلمعون صورة الزعيم..

الزعمائيون يجيدون فن الكلام و فن التبرير و فن التجييش.. و لهم قدرة هائلة على تحريك كل شيء.. الأخضر و اليابس.. الأرض و السماء.. و استعمال كل الأدوات.. لأجل معركة المصير الواحد و معركة الزعيم الواحد..

و العالم حسب الثقافة الزعمائية هو عالمين.. عالم الخير و عالم الشر.. عالم الكمال و عالم النقصان.. عالم النجاح و عالم الفشل.. عالم الحق و عالم الباطل.. عالم الوطنيين و عالم الخائنين.. عالم المخلصين و عالم الخائنين.. عالم الأبطال الشجعان و عالم المتخاذلين.. فإما أن تكون هنا حيث الزعيم و حيث الحق و الخير و الكمال و النجاح و الوطنية و الشجاعة ووو.. و إما أن تكون هناك ضد الزعيم حيث الشر و الباطل و الفشل و الخيانة ووو..

و الناس حسب الزعمائيين إثنان لا ثالث لهما.. الذين "مع" و الذين "ضد"..

الزعمائيون عبر التاريخ دخلوا حروبا شرسة أكلت الأخضر و اليابس.. و شنوا حروبا طاحنة مع رفاق دربهم..

لا يعرف الزعمائيون أن العالم تغير.. و أن الشعوب تغيرت.. و أن الشباب اليوم يقارن بين زعماءه الخالدين و زعماء يتغيرون لدول متقدمة و مزدهرة و متحضرة..

و الزعمائيون هم من كل الأصناف.. تجد منهم المثقفين و الأميين.. و الأغنياء و الفقراء.. وووو..

ومثلما يسهل على كل بائع محترف بيع سلعته.. فكذلك يفعل بعض الزعمائيون المحترفون.. الذين يستعملون المديح و التخويف.. للوقوف بالمرصاد في وجه أي كلام خارج عن خط الزعيم..

فلا كلام يعلو على كلام الزعيم.. و لا عقل يفوق عقل الزعيم.. و لا مستقبل إلا مع الزعيم.. و كل شيء يمكن أن يتغير.. إلا الزعيم .. فهو باق من المهد إلى اللحد.. حتى و إن عجز فهو قادر.. و حتى إن شاخ فهو شباب.. و حتى إن أصابه الزهايمر فبركاته و أسراره و هيبته تبقى حاضرة.. وحتى إن انتهى (لا قدر الله) فخليفته يجب أن يكون من دمه، أو قرابته أو صنيعته..

فإما أن تؤمنوا بالزعيم.. و صلاة الزعيم.. و أفكار الزعيم.. وضحكة الزعيم.. وغضب الزعيم.. و لباس الزعيم..  لتنعموا بـ"الجنة" الموعودة التي مفتاحها عند الزعيم.. أو تكونوا كفارا.. (أو خونة).. وتغلق في وجوهكم جنة الزعيم..