إلى عهد قريب كانت العائلات الكبيرة تقوم ب " الكانيباليزم" لانتزاع منصب عمومي سامي لأحد أبنائها، وهو "الكانيباليزم" الذي كانت تبرره الوضعية الاعتبارية لمن سيشغل ذاك المنصب الإداري السامي وكانت تبرره الأجرة والامتيازات التي يحصل عليها من " ظفر" بالمنصب. ونعني هنا بالدرجة الأولى منصب كاتب عام وزارة.
هذا البريق الذي كان يحيط بمنصب كاتب عام ازداد مع توالي الممارسة وانتباه الأحزاب إلى هذه الغنيمة لمنحها للقواعد الحزبية، لدرجة انه لما يشغر منصب كاتب عام وزارة يقع الاقتتال داخل الأحزاب ، وكل مسؤول كان " كيسوط على كبالتو" لوضع المقربين.
لكن مؤخرا، ومع الوضع المتجمد الذي طال الامتيازات المناصب الإدارية وتزايد الأعباء والمخاطر بدأت حمى التسابق للترشح لتقلد المناصب السامية بالإدارة المغربية تقل، خاصة مع المغريات التي وفرها القطاع الخاص للأطر والخريجين الجدد بشكل جعل النزيف يصيب الإدارة المغربية في مقتل. وتبلغ الأزمة حدتها حين نستحضر أن منصب الكاتب العام للوزارة مثلا هو المنصب الاستراتيجي، بحكم أن الكاتب العام لا ينوب عن الوزير فقط، بل هو ضمير الإدارة والساهر على تتبع الأوراش والملفات وتسيير مرفق الوزارة عبر التراب الوطني ككل.
هروب الأطر " من دار العرس" ورفض العديد من الكفاءات التقدم للترشح لمنصب كاتب عام وزارة، بلغ ذروته مؤخرا لدرجة أضحى سؤالا مقلقا لحكومة سعد الدين العثماني. هذا الأخير أعطى تعليماته لوزرائه لإجراء المباريات المطلوبة لشغل منصب كاتب عام للوزارات، ومع ذلك لم تفلح النداءات والطلبات في فتح شهية المرشحين، لدرجة أن هناك اليوم ثلاث وزارات بدون كاتب عام (أهمها وزارة المالية) لم يرغب أي أحد في الترشح لها بسبب "صداع الراس" وقلة الأجرمقارنة مع الرواتب الممنوحة في القطاع الخاص.