الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد بومعيز: النقابات ومحنة الانتخابات!!

أحمد بومعيز: النقابات ومحنة الانتخابات!! أحمد بومعيز

وأخيراً تم الإعلان الرسمي عن النتائج العامة لانتخابات ممثلي المأجورين في القطاعين العام والخاص بعد الاستحقاقات الأخيرة التي جرت في منتصف يونيو المنصرم. هذه النتائج، وفي هذا الظرف بالضبط، ووفق المعطيات والسياق الراهن، يمكن أن تعتبر مرحليا بمثابة مؤشرات وموجهات فعلية ومحينة للتوجهات النقابية مستقبلا، وذلك أيضا في ارتباطها وتأثيرها (على) بالمشهد السياسي والانتخابي المنتظر.

 

وقبل الحديث عن هذه المؤشرات، نشير بالمناسبة، أنه لو تتبعنا مؤخرا تصريحات وتنبؤات وتقويمات الأطر النقابية والمسؤولين النقابيين بمختلف الهيئات قبيل الاستحقاقات وفي سياق الاستعداد لها، وحتى مباشرة بعدها، للمسنا للأسف مدى التيه وغياب الموضوعية والواقعية التي باتت تطبع الأداء والمشهد النقابي المغربي، مما يعد في حد ذاته مؤشرا على هشاشة وخطورة الوضع التنظيمي داخل النقابات بشكل خاص، وهلامية التشكيل، وشعبوية الخطاب والتحليل، وغياب استراتيجية واضحة المعالم بشكل عام.

 

وبعيدا عن أي ادعاء أو دعوة لأي تحليل جاهز للوضعية النقابية بالمغرب وامتدادها وارتباطها العضوي والموضوعي بالمكون السياسي الحزبي، وعلى الرغم من تعقيداتها وتداخل عناصرها وتشكلاتها وبنياتها، لا بد هنا من الإشارة إلى بعض المؤشرات الدالة والأساسية على ضوء النتائج الأخيرة وفي علاقة جدلية بها  :

 

- إن حصول لوائح ومرشحو ومرشحات اللامنتمين نقابيا على نسبة 51,35% من مجمل المقاعد يؤشر في حد ذاته، ولوحده، عن أزمة الانخراط والانتماء النقابي بشكل عام، ويؤكد بالضرورة على راهنية وآنية واستمرار أزمة المشهد النقابي في ارتباط بالمكون السياسي المؤطر لها والمؤثر عليها .

 

- كون كل النقابات، المستقلة منها وعلى قلتها، والأخرى المدعمة بالأحزاب التي ترتبط بها، كونها جميعها تنافست على أقل من نصف المقاعد فقط بعد هيمنة اللامنتمين، يعد تراجعا بينا لمصداقية الأحزاب المعنية، وللنقابات القطاعية وللمركزيات والفيدراليات والاتحادات المهنية .

 

- تجدر الإشارة والانتباه إلى أهمية نتائج هذه الاستحقاقات، وتأثيرها المستقبلي على الاستحقاقات المقبلة، نظرا لكون جل المصوتين خلالها، والمرتبطين بالنقابات والشغيلة بشكل عام، يعدون خزانا فعليا وواقعيا للمصوتين الفعليين والمحتملين في الاستحقاقات التمثيلية، وهم بذاك يعدون عناصرا نشيطة انتخابيا، ومؤثرين فعليين في ذات الاستحقاقات.. وأيضا في ارتباط موضوعي وذاتي مع شبكة المصوتين المحتملين المرتبطين عضويا بهم، من خلال محيطهم وعلاقاتهم و مؤسساتهم وانتماءاتهم  ..

 

- تراجع وتقهقر نقابة الاتحاد الوطني للشغل لما دون عتبة التمثيلية، وحصولها فقط على 5,6 في المئة من المقاعد، يعد مؤشرا عن أزمة وتقهقر حزب العدالة والتنمية انتخابيا وجماهيريا، لكون ذات النقابة تعتبر امتدادا له وذراعه الأساس، وهو ما يؤشر فعليا على إمكانية واحتمال تراجع الحزب في الاستحقاقات المقبلة.

 

- استمرار التواجد والحضور النسبي للنقابات التقليدية الأساسية رغم المؤشرات الدالة على التراجع المتوالي.

 

- تقدم ملموس للدرع النقابي لحزب الاستقلال، الاتحاد العام للشغالين بأكثر من 5 نقط ،عكس التوقعات، مقارنة مع نتائج 2015، يؤكد على احتمال رجوع حزب الاستقلال إلى الواجهة السياسية من جديد، مع التذكير بالانضباط التنظيمي، والارتباط العضوي بين حزب الاستقلال والاتحاد العالم للشغالين.

 

- احتمال محاولة الأحزاب القوية حالياً -بغض النظر عن مفهوم القوة وسببها وأشكالها- احتمال  استقطاب عدد من المصوتين النقابيين النشيطين المحتملين، والأطر المرتبطة وذات الصلة، والكامنة ضمن مخزون اللامنتمين، والذي يعتبر خزانا انتخابيا احتياطيا، وخزانا للأطر المحتملة والمستقبلية والواعدة والقابلة للاستقطاب والتعبئة..

 

- استمرار تراجع اليسار المغربي نقابيا وحزبيا وسياسيا ومؤسساتيا وجماهيريا، اعتبارا لتراجع نتائج النقابات التي ينخرط فيها أساسا، كالكونفدرالية الديموقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، وحتى الاتحاد المغربي للشغل.

 

وعموما، وتتمة لذات المؤشرات، وفي انتظار اكتمال المشهد السياسي بعد الاستحقاقات التمثيلية المقبلة والتي باتت على الأبواب، يمكن اعتبار أن المشهد النقابي المغربي في أزمة متجددة وليست بالجديدة، وهي فقط الشكل الواضح والمعلن لما راكمته النقابات من أزمات ذاتيه وموضوعية من جهة، وأزمات ذات طابع بنيوي من جهة ثانية. كما يجب الإقرار بأن الأداء النقابي في ظل الحكومة الحالية كان دون مستوى تطلعات الشغيلة المغربية، لتبقى أزمة الوضع الاجتماعي مستمرة ومسترسلة ومستعرضة، في انتظار مأسسة الحوار الاجتماعي فعليا، وعقلنة المشهد، ودمقرطة المؤسسات، وتحسين ظروف وشروط الشغل والشغيلة، وإرساء قواعد التشغيل والعمل في سياق منهجية حقوقية وديمقراطية ضامنة للحقوق في انسجام واقعي مع الواجبات...