الأربعاء 1 مايو 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: الديداكتيك، تنظيم وتدريس مضامين تخصُّصية

أحمد الحطاب: الديداكتيك، تنظيم وتدريس مضامين تخصُّصية أحمد الحطاب

الديداكتيك didactique فرع من فروع علوم التربية. وبمعنى آخر، يمكن أن نعرِّفَها كعلم تدريس التخصصات (المواد). لا يجب الخلط بينها وبين البيداغوجيا وعلم النفس التربوي. الأولى عبارة عن مجموعة من الأدوات والمعينات يعتمد عليها المدرس لضمان تبليغٍ وبناءٍ جيدين للمعارف. الثاني هو نتيجة لتكاملٍ بين البيداغوجيا وعلم نفس الطفل والمراهق. يُعدُّ علم نفس الطفل والمراهق عنصرا حاسما يمكِّن من تكييف العملية البيداغوجية أو التعليمية-التعلمية مع المعطيات والمميزات النفسية للطفل بصفته متعلم.

 

ورغم أن البيداغوجيا وعلم النفس التربوي مكونات لا يمكن الاستغناء عنهما في مقاربات الديداكتيك، فإن هذه الأخيرة تهتم بالتعليم كمضمون له وظيفة اجتماعية، ثقافية وتربوية. هدفُها الرئيسي هو تعبئة المعارف والمفاهيم الضرورية لفهم هذه الوظيفة وإدراك نجاعتها.

 

يقوم المتخصِّصُ في الديداكتيك بتوغلات داخل المعرفة (مضامين التعليم) ليعرف وضعَها، ملاءمَتَها وأسسَها النظرية. إنه يهتم بطبيعة المعارف (المضمون الصالح للتعليم) حيث أن هذه الطبيعة لها تأثير واضح على العلاقة مدرس/ متعلمون، أي على إعداد الطرائق البيداغوجية.

 

وتبسيطا لما سبق، يمكن القول بأن البيداغوجيا هي الأداة التي يلجأ لها المدرس ليبلغ المعارف ويربي. وليعلم ويربي بنجاعة وبشكل مُستمِر، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار النمو والتطور النفسيين (علم النفس التربوي) للمتعلم (طفل، مراهق). وبما أن التثقيف والتربية يتمان من خلال المعرفة المدرَّسة، فعلى المدرس أن يتوفَّر كذلك على معطيات عن طبيعة هذه المعرفة.

 

وللإشارة، إن المعرفة التي لها ارتباط بالزمان والمكان، أي تم توضيحها اجتماعيا وتاريخيا وفلسفيا، تكون سهلة الإدراك والاستبطان، خلافا لمعرفةٍ مفصولةٍ عن واقعها ومثالية. الديداكتيك هي التي تبين طبيعة المعرفة المدرَّسة وذلك بالاستعانة بمعطيات الإبيمستولوجيا، الفلسفة، التاريخ (تاريخ المعرفة، تاريخ العلوم) وعلم اجتماع العلوم. وتختلف هذه الطبيعة من تخصص إلى آخر حيث أصبح لكل تخصص بيداغوجيا خاصة به، أي بيداغوجيا تتلاءم والطبيعة السالفة الذكر. وهكذا، حينما نتحدث عن ديداكتيك العلوم، يتعلق الأمر مثلا بديداكتيك الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات، أو العلوم الطبيعية أو علوم الحياة، الخ.

 

وفي نهاية المطاف، توضيح طبيعة المعرفة هو في الحقيقة توضيح لعلاقة المدرس والمتعلم بهذه المعرفة. بدون هذه العلاقة، تظل العملية التعليمية-التعلمية مجرد عملية آلية، أي عملية محصورٌ هدفها في نقل طقوسي للمعارف في أفق مدرسي محض. إنه وضع يتنافى مع غايات التعليم. في هذه الحالة، تصبح المعارف أشياء بدون هوية، لا طعم لها، لا رائحة لها ولا لون. إنها تفرض على المتعلمين تحت تأثير بيداغوجيا ظاهريا مقبولة وأساسا دكتاتورية.

 

ولهذا، فعندما نتحدث عن طبيعة المعارف، من الضروري أن يطرحَ المدرس على نفسه بعض الأسئلة منها على الخصوص:

- لماذا سينقل مجموعة معيَّنة من المعارف للمتعلِّمين؟

- هل هذه المعارف معقدة بالنسبة لهؤلاء المتعلِّمين؟

- ماذا ينتظر من تغييرات في السلوك وفي التفكير بعد تبليغه لهم هذه المعارف؟

- ماذا سينهج من تدخُّلات بيداغوجية ونفسية تربوية لإحداث هذه التغييرات عند المتعلَّمين بعد تلقِّيهم هذه المعارف؟ الخ.

 

وهذا يعني بوضوح أن مهارةَ المدرس تكمن في قدرته على مزجٍ مدروس بين البيداغوجيا وعلم النفس التَّربوي والديداكتيك علما أنه من الضروري بمكان أن يُميِّزَ هذا المدرس بين البيداغوجيا وعلم النفس التربوي والديداكتيك.

 

ولتبسيط الأمور:

- الديداكتيك تهتم بمضامين التعليم و تبليغها للمتعلمين؛

- علم النفس التربوي يهتم بقدرات المتعلمين على المعرفة والإدراك cognition حسب أعمارهم؛

- البيداغوجيا تهتم بكل ما يجري داخل القسم من علاقات، من جهة، بين المتعلمين أنفسهم، ومن جهة أخرى، بين المدرس والمتعلمين، علما أن الهدف الأساسي لهذه العلاقات هو تهييء هؤلاء المتعلمين نفسيا، فكريا وسلوكيا للاستفادة من عملية التعليم والتعلًّم خصوصا على المستوى التَّربوي.