Saturday 24 May 2025
كتاب الرأي

محمد البالي: تيار إيديولوجي(9)

محمد البالي: تيار إيديولوجي(9) محمد البالي

في "مفهوم الإيديولوجيا"، وتحت عنوان: الأدلوجة/ قناع، عرض المفكر المغربي عبد الله العروي نقد ماركس تلامذة روسو الذين انطلقوا من أرضية فلسفة الأنوار، واستعاروا ماديتها وعقلانيتها، وفسروا أراء الآخرين بحب السيطرة والتقليد... فاعَتبر فكرهم أُدلوجيا. قد يكون هذا الاستحضار استجابة لما يزخر به صنف من الخطاب، داخل الاشتراكي الموحد، من إحالات على رموز وعبارات ماركسية.

وبناء عليه، سنوظف في هذه المتابعة مفهومي الإيديولوجيا والأدلوجة على النحو التالي: الأول توصيف إجرائي يفيد الانطلاق من تصورات قبلية في تشكيل الروابط الحزبية وفي الحكم على الآخر. أما تلك التصورات والمنطلقات العقدية فأدلوجات. وتكون في هذا المقام دلالة على معتقد داخل جماعة بعينها، تعتقد صوابه وترى في غيره خطأ أو تحريفا. وبذلك نكون أمام صيغتين: خطاب أدلوجي، وتيار إيديولوجي. ويتمظهر الأول في مفاهيم وسمات حجاجية وأفعال كلام:

أ- مفاهيم ممتدة:

تعمد الجماعة الإيديولوجية إلى التحصن بعقيدتها ضد أفكار لا تتلاءم معها، تعتبرها اختراقا وانحرافا. وتؤوّل مفاهيم لتدل على معان خاصة في التداول داخل المجموعة العقدية. ومن المفاهيم المتداولة، في مدونة الخطاب الأدلوجي، ولها امتداد في الموقف والسلوك، أو أفعال الكلام، كما نوظفه:

- العقيدة:

استخرجنا، في مقال حول مرجعيات الاشتراكي الموحد، معجم العقيدة المبثوث في أرضية اليسار المواطن والمناصفة، وتمركز خطابها حول هذا المفهوم: عقيدة سياسية، عقيدتنا التنظيمية، عقيدة التحالف، عقيدة سياسية يسارية، العقيدة العسكرية... ولعل هذا التمركز هو ما جعل لغتها وعباراتها يقينية في عرض أطروحتها: نحسم، يتحتم علينا، تصور راسخ، مستقبل أكيد، عقيدة متبصرة، خط نضالي ثابت، قتالية يسارية، لنا اليقين... كما جعلها حافلة بأحكام حادة في مواجهة غيرها من الأطروحات والمواقف والتحركات: الذهنية العدمية، اليسار الأرثوذوكسي، التقهقر نحو العدمية التكتيكية، الضحالة الاستراتيجية في العمل الحزبي...

- المؤامرة:

يُسند إلى أحد كتاب وخبراء العلوم السياسية، مايكل باركون، قوله إن نظرية المؤامرة مسألة إيمان بدلاً من دليل. وأنها تعتمد نظرة ترى أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد هذه النظرة في ثلاثة مبادئ هي: لا شيء يحدث بالصدفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه.

واتخدت المؤامرة في الخطاب، موضوع هذه المتابعة، صورا أسلوبية متداولة ومنها: يتعرض الحزب لمؤامرة خارجية، المتآمرون على الحزب، الإعلام المسخّر... وبرزت لغويا بمرادفات ودالات لنفس المدلول، وفي سياقات مختلفة:

- نقل أحمد رباص في دانا بريس يونيو 20 يونيو 2020، عن تدوينة للأستاذ جمال العسري: عليه أن يكون غبيا، مغفلا، أو أجنبيا، ليقتنع بأن ما كتب في “الصباح” و “الأحداث” و”الأخبار” مجرد مصادفة. عليه أن يكون أبله ليقتنع بأن هجوم هذه الجرائد الثلاثة على الحزب في شخص أمينته العامة مجرد مصادفة وأن لا خيط رابط بينها. عليه أن يكون مؤمنا بحرية الصحافة واستقلاليتها بالمغرب إيمانا حتى النخاع، ليقول أن ما كتب في هذه الجرائد مجرد تعبير حر من صحافيين أحرار".

- عن تداعيات خبر قرصنة صفحة الأستاذة نبيلة منيب، نشرت الغد 24، يوم 25 أبريل 2021: واللافت أن هذه ليست المرة الأولى، التي تحاول أو تعمل جهات ما على قرصنة صفحة القيادية اليسارية نبيلة منيب، إذ تندرج ضمن مخطط للهجوم المنهجي والمنظم عليها، انتقاما من مواقفها، التي تضايق أكثر من جهة، وأيضا كحلقة أخرى في مسلسل التضييق على الاشتراكي الموحد بالخصوص، وعلى فدرالية اليسار الديمقراطي.

وبما أن الكلام أفعال، فقد انتقل إلى عريضة تضامنية وقعها رفاق حزبيون، ضد الحملة الإعلامية الصحفية التي تتقصده الأمينة العامة، ووردت في منشورات متوافقة إشارات إلى مقالات وأسماء صحفيين. وقبل أن تصير العرائض متنا خطابيا ضد المؤامرة، كان الصحفي حميد مهداوي، بعد استضافته الدكتورة نبيلة منيب، قد اشتكى في واحد من فيديوهاته الصحفية على يوتوب يوم 11 غشت 2016، من اتهامها موقعَ بديل، بعد محاورته أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، معبرا عن ألمه ومصرحا بتقديره واحترامه لها ولحزب الشمعة، وبتعاطفه مع خطاب النقد البناء، لتقويم السلوك السياسي للمؤسسات وللمسؤولين.

وإذا كان واقع الحال السياسي في المغرب، كثيرة شكاواه من مؤامرات ومن متابعات كيدية وانتقامية، ففي وقائع أخرى، انتقلت المؤامرة، بدالاتها ومدلولاتها، من علاقة الحزب بمواقع الصراع السياسي، إلى وصف وتصنيف علاقات بينية داخله. وقد تابعنا أخبارا وتدوينات عن عريضة داخلية تطالب بمتابعة تأديبية في حق شباب راسلوا الأستاذ محمد الساسي، منسق المجلس الوطني، يطلبون التعجيل بإنزال فكرة الحزب اليساري الجامع. لم نعثر على هذه الوثيقة الداخلية، لكن ثمة منشورات تعتبر فكرة هؤلاء الشباب، مؤامرة من داخل الحزب، وبتنسيق مع حلفاء من خارجه. وبمراجعتنا لما يطرحه ذ. محمد الساسي، وجدناه إعادة لما قدمته مداخلته في الندوة الفكرية التي نظمتها الهيئة التنفيذية لفيدرالية اليسار الديمقراطي بالدار البيضاء؛ حيث رأى أن نواة الحزب الجديد هي الفيدرالية والجمعيات المتفاعلة حاليا، بعد الانفتاح حركات وفعاليات ومجموعات مؤمنة بالنضال ضمن مشروع الانتقال إلى ملكية برلمانية. مركزا على ضمان تنظيمي للاختلاف وعلى دور الأجيال الجديدة من الشباب ومن النساء.

وفي غير هذا الموضع، جنحت منشورات مسؤولين بالتيار الإيديولوجي، بتحويل اختلافات تقدير نجاعة الاندماج إلى اتهامات بالتآمر على الحزب، انصبت أول الأمر على من يرون أن المرحلة تقتضي الشروع في إجراءات هذا التوحيد المنتظر. ونال الأمين العام السابق، محمد مجاهد نصيبا من جنوح تعابير أدلوجة المؤامرة.

ب- سمات حجاجية:

1- الاحتجاج بسلطة:

وتعني، في هذا السياق، الاحتجاج بأشخاص لهم مكانة أو سلطة. وكأن مرسل الخطاب يريد أن يقول: ماذا بعد رأي هذا الرمز أو كلام هذا أو هذه الحجة؟. لذلك كثيرا ما يتم توظيف اسم ابراهيم ياسين، المفكر السياسي والمناضل اليساري. وتوظيف رأيه أو كلامه في سياقه أحيانا، وأحيانا لاستعماله حجة لإعنات رأي مختلف، وإن اختلف سياق الحديث أو الجدال أو التناظر.

وقد كان المجاهد محمد بنسعيد آيت يدر، الرمز الوطني والنضالي، الذي أرخت مسيرته تاريخ اليسار المغربي، سلطة تحتج بها خطابات مختلفة داخل الاشتراكي الموحد، وخارجه، قبل أن يكتب رسالته الشهيرة، يوم 23 مارس 2021؛ الموجهة إلى جميع أعضاء وقادة الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار الديمقراطي، يدعوهم فيها إلى تجنب الصراع وإلى العمل الرصين لتحقيق الاندماج وتوحيد اليسار. هذه السلطة التي غالبا ما كان يُحتكم إليها، صارت محط انتقاد، تمادى إلى الاستهزاء، بعد أن خالف توقعات التيار الإيديولوجي. وقد عاينا منشورات، نقدم منها هذا التعليق العامي، كما كُتب حرفيا: "ما بقى غير ندورو على الأولياء والصالحين ونديو ليهم الدبيحة والشمع للتوسط عند الله لييسر هذا الاندماج (مفتاح كل مشاكل المغرب)!!!!!!". وقد نشر هذا على صفحة حزبية وطنية تعليقا على رسالة جوابية للأمينين العامين لحزبي المؤتمر الوطني الاتحادي والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، تحية لرسالة الأستاذ محمد بنسعيد.

                                                                                     (يُتبع)

محمد البالي، باحث في الخطاب المغربي المعاصر