الجمعة 7 فبراير 2025
فن وثقافة

أسمهان عمور: خواطر عابرة بين تالسينت وتازمامارت!!

أسمهان عمور: خواطر عابرة بين تالسينت وتازمامارت!! أسمهان عمور
هل رق خيط الشمس فتسلل إلى جلد جف ملمسه؟
هل خان العبير رحيقه فملأ الرئتين المتعفنتين التي أغلق للهواء منفذه؟
وهل رممت العظام المنخورة بفعل صقيع الموقع حين أشفق الدفء؟
كان خطوي ثقيلا وأنا أجتاز عتبة المكان بعد أن أشار التشوير إلى تازمامارت، قفزت إلى ذاكرتي الزنزانة رقم 10 لأحمد المرزوقي وهو يلفظ ومن معه في سيرة الاعتقال جراحهم وآلامهم.
ارتطم سمعي بأصوات تئن لأجساد ورفات، نطت إلى ذاكرتي صور شتى لأجسام لم تر خيوط شمس تصعق العظام فتعيد لها الحياة! وريحا تحمل نكهة طعام إلى جيوب أنوف وأد التعفن بها رائحة الشم! ونسمة روث الماعز حسبها فارغو البطون لحما مقددا!
أهذه هي تازمامارت؟ المعتقل الذي جعل من أسواره سياجا لذكرى تاريخ لن تندمل جراحه؟
كان ذلك هو المشهد الذي ختم رحلة قادتنا الى تالسينت. لم أكن أعلم بوجود هذا الجزء من جغرافية الوطن إلا بعد الإعلان  ذات عام عن اكتشاف النفط بها.
واحات على امتداد الطريق المعبدة اختلفت أنواع الغلة فيها، ومراعي لقطيع الماعز سراحه شيب يعاندون قسوة المكان.
بعيدا عن تالسينت في بن تدجيت تحديدا توجد دويرة السبع، حيث يرقد الولي الصالح العارف بدين الله والثائر ضد الظلم والجور سيدي امحمد السبع… مسافة ليست باليسيرة تفرعت عن الطريق المعبدة توصلنا إلى مرقده.. واحة تشك في وجود أحياء بها!...أسوار بيوت طينية تهاوت جلها.. منبع عين هي مصدر الحياة وإن شح صبيبها… وبقايا سلالة رابضة بالمكان.. والضريح ذو القبة المقاومة للتآكل يتوسط ربوة الواحة.
شابة من سلالة شرفاء آيت السبع دلفت المكان ونحن في أول الدهشة.. احنا اليوم فينا النوبة.... قالت وتحدثت إلينا بلغة تشي بالتقدم في التمدرس. قادتنا خطواتنا خلف دليلتنا فولجنا بيتا فاحت من أول فتح للباب بعض تمدن.. صنبور ماء وحوض غسيل.. مصابيح كريستالية متدلية من سقف الغرفة.. نوافذ الألمنيوم يعكس زجاجها صورة البيوت الطينية، وفناء تهب منه برودة تطفئ ما لف الجسد من لهيب..
كان أهل البيت كراما، مددنا اليد تلو اليد إلى مائدة تنوع أكلها ولم نسأل لا عن هويتنا ولا عن المكان الذي يأوينا… غرباء كنا في بيت ودعنا فيه نساء ورجلا كان جليسنا! حقنت ساعتها بمصل مادته ثقة إيمان وأمان، وودعنا رفات رجل كان صالحا وبقايا سلالة رابضة بالمكان، ووقفنا ترحما حين عودتنا على روح ضحايا معتقل كان سريا هو تازمامارت.