الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

عبد الحميد البجوقي: إسبانيا ضحية استخفافها بقدرات الجار الجنوبي وتجاهلها لرسائل المغرب

عبد الحميد البجوقي: إسبانيا ضحية استخفافها بقدرات الجار الجنوبي وتجاهلها لرسائل المغرب عبد الحميد البجوقي، وزعيم حزب فوكس الإسباني المتطرف

يرى عبد الحميد البجوقي، كاتب وروائي مقيم في إسبانيا، في هذا الحوار مع " أنفاس بريس" و" الوطن الآن"، أن الخارجية الإسبانية أخطأت التقدير في تفاعلها مع احتجاج المغرب على قرارها باستقبال ابراهيم غالي، مؤكدا أن "مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس":

بعد عدة أسابيع من طرح ملف «ابن بطوش».. هل نحن أمام ورطة إسبانية؟

تقديري أن الخارجية الإسبانية أخطأت التقدير في تفاعلها مع احتجاج المغرب على قرارها باستقبال ابراهيم غالي المتابع أمام القضاء الإسباني بتهم ثقيلة، من قبيل الاختطاف والتعذيب في حق مواطنين صحراويين يحملون الجنسية الاسبانية، ولاحظنا في البداية أن وسائل الإعلام الإسبانية تجاهلت الموضوع، كما فعلت الأحزاب السياسية وأغلب النخب الإسبانية، واعتبرته بعد عبور آلاف من المهاجرين الحدود نحو مدينة سبتة المحتلة أنه أزمة هجرة سببها محاولة المغرب ابتزاز إسبانيا والاتحاد الأوروبي ومطالبتهما بالمزيد من «المساعدات». وتقديري كذلك أن الدور النشيط الذي قامت به الخارجية المغربية وتداعيات الأزمة على التعاون في مجال الهجرة وضبط الحدود، واحتجاجات حقوقية في إسبانيا وخارجها تطالب بتفعيل مسطرة استدعاء ابراهيم غالي والاستماع إليه ومحاكمته، وضع الموضوع في قلب الحدث في إسبانيا وانتهى بسجال ساخن بين المعارضة اليمينية والحكومة، وتحول إلى «مانشيط» نشرات الأخبار وموائد التحليل الإسبانية. وفي تقديري هذا انتصار للمغرب ولمطالبه المشروعة.

الأزمة في تقديري سياسية قبل أن تكون حقوقية وانفجار ملف الهجرة من تداعياتها، وكان لزاما على إسبانيا أن تفهم أن مرحلة جديدة من العلاقات مع المغرب قد انطلقت، وأنه لم يعد ممكنا انتقاء عناصر التعاون والشراكة بين البلدين، وعلى شركائه أن يختاروا بين تعاون شامل يضم كل الملفات، ومنها ملف الصحراء كجزء من الأمن القومي المغربي. وقد لخّص وزير الخارجية المغربي هذا الوضع الجديد في تصريحه بأن «مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس».

كيف تفسر هذا السكوت للحقوقيين الإسبان أمام دخول منتهك للحقوق لأراضيهم بهوية مزورة؟

أكثر من السكوت، لاحظنا في البداية تجاهلا واستخفافا بالموضوع، لكن تداعيات الخبر وانتشاره خارج الحدود، وتوالي الأحداث أدى في البداية إلى تفاعل بعض الحقوقيين والجمعيات مع الموضوع ولو على مضض، وانتهى بإجماع أغلب الفاعلين على ضرورة مثول المتهم أمام القضاء، نفس القضاء الذي كان وراء محاكمة دكتاتور التشيلي «بينوتشي» في بريطانيا، وآخرون من دول أمريكا اللاتينية، وتقديري أن هذه الجولة الأولى انتهت بانتصار واضح للمغرب في وضع إسبانيا والاتحاد الأوروبي أمام مرآة شعاراتهما وقوانينهما وأعرافهما الديمقراطية. ونلاحظ مؤخرا أن أصواتا كثيرة ومؤثرة من اليمين واليسار الإسباني المعتدل، وأخرى في مراكز القرار الاقتصادي دعت حكومة «بيدرو سانشيز» لمراجعة علاقتها مع الرباط بما يتماشى مع هذه التطورات، وبالخصوص مراجعة موقفها الكلاسيكي من ملف الصحراء، وقذ أشار وزير الخارجية السابق (خوصي مانويل مارغاجو) في حكومة راخوي اليمينية بوضوح إلى ذلك. واعتبر أن التأخير في ذلك يضر بمصالح إسبانيا الاستراتيجية.

 

في الوقت الذي كان على الإعلام الإسباني الانحياز للحقيقة المدعمة بشهادات ضحايا الانتهاكات الحقوقية في تندوف، رأينا أن جزء كبيرا تماهى مع الرواية الرسمية للحكومة الإسبانية، ونفس الأمر بالنسبة للأحزاب..؟

يعاني الإعلام الإسباني من نفس العقدة التي تعاني منها الحكومة الإسبانية، وكذلك الأحزاب الإسبانية بيمينها ويسارها، والتي بشكل لافت تتفق حد الإجماع على دعم الانفصال في الصحراء المغربية، دعم اليمين بمرجعية الحنين إلى الحقبة الاستعمارية، ودعم اليسار الذي ما زال يعيش على أطلال اعتبار البوليساريو حركة ثورية تحررية يسارية، ومن التداعيات الإيجابية للأزمة أنها كشفت عن وجه آخر للرأي العام الاسباني عن قيادات الانفصال الصحراوي، وتورط زعيمها الأول في جرائم أقلها الاغتصاب، وضحايا حقيقيين يطالبون بحقوقهم أمام عدالة مشهود لها بالنزاهة. تقديري أن ارتباك الدبلوماسية الاسبانية وخطأها في تقدير التحولات التي عرفها ملف الصحراء بعد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، ساهم في خلخلة الرأي العام الاسباني، وارتفاع أصوات من اليمين واليسار ومن جمعيات القضاة اليمينية واليسارية تساند ضرورة مثول ابراهيم غالي أمام القضاء حفظا لماء وجه القضاء الإسباني.

تحاول إسبانيا ومعها الاتحاد الأوربي تغيير عمق الأزمة عبر التركيز على تدفق آلاف المهاجرين نحو سبتة، معتبرة ذلك ابتزازا لها، بالمقابل ألا يفترض في المناطق الحدودية أن تكون المسؤولية مشتركة لتأمينها؟

من تداعيات الأزمة بين البلدين ما شاهدناه من عبور آلاف المهاجرين إلى مدينة سبتة، وسبق لوزير الخارجية المغربي أن أعلن بصريح العبارة أن المغرب لم يعد يقبل بدور دركي أوروبا، وأن التعاون في هذا الملف يجب أن يرقى إلى مستوى الشراكة، وأن يضم التعاون كل الملفات بما فيها ملف الصحراء، وتزامن هذا التصريح حينها مع تطور التعاون الأمريكي المغربي الذي انتهى باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وهو الاعتراف الذي أقلق إلى حد ما الاتحاد الأوروبي وإسبانيا بشكل خاص، بالإضافة إلى الجزائر التي لم تخفي قلقها هي الأخرى من تطور التعاون الأمريكي المغربي وتنامي دور المغرب في الإقليم. كلها عناصر ساهمت من جانبها في تقارب جزائري إسباني كان له دور في تفاقم الأزمة بين المغرب وإسبانيا بعد استقبال هذه الأخيرة لزعيم البوليساريو للعلاج في أحد مستشفياتها، وتقديري أن إسبانيا كانت ضحية استخفافها بقدرات الجار الجنوبي وقراءتها الخاطئة للتحولات التي عرفتها المنطقة وتجاهلها لرسائل المغرب المتكررة لتحيين سياستها الخارجية بما يخدم المصالح المشتركة. ونلاحظ أن اليمين المحافظ (الحزب الشعبي) أصبح يجهر بانتقاد حكومة «بيدرو سانشيز» الاشتراكية، ويعتبرها مسؤولة عن الأزمة وعن تخلفها في التعاطي مع مستجدات العلاقة مع المغرب، وقصر النظر في حماية مصالح إسبانيا. خطاب جديد ليمين كان متطرفا في مواقفه اتجاه المغرب إلى زمن قريب، كذلك نتابع تصريحات مشابهة من عقلاء الحزب الاشتراكي الإسباني تدعو إلى تغيير سياسة إسبانيا في أصل الأزمة الحالية وهو موضوع الصحراء، وتدعو صراحة لمقاربة تحمي مصالح إسبانيا، وتابعنا تصريحات أحد بارونات الحزب الاشتراكي الاسباني ووزير الدفاع في عهد الاشتراكي صاباطيرو (خوصي بونو) الذي لم يتواني في تنبيه الحكومة الحالية إلى ضرورة مراجعة علاقتها مع المغرب بشكل إيجابي يتفهم مطالب المغرب كشريك استراتيجي لا بديل عنه.

كيف ترى مستقبل العلاقات بين مدريد والرباط في ضوء التوتر الحاصل؟

التوتر سيستمر لبعض الوقت، والعلاقات بين الدولتين ستدخل مرحلة جمود خلال ما تبقى من ولاية هذه الحكومة لأسباب تتعلق بالوضع السياسي الداخلي في إسبانيا، ولأن الأزمة سيكون لها تأثير على استقرار حكومة «بيدرو سانشيز» الائتلافية، ولا أستبعد تعديلا حكوميا يشمل حقيبة الخارجية، واستبدال الوزيرة الحالية التي أبانت عن فشل كبير في تدبير ملف هذه العلاقات، وملفات أخرى كانت موضوع نقد شديد حتى من قياديين بارزين في الحزب الاشتراكي الذي يقود الحكومة الإسبانية الحالية. كما لا أستبعد اضطرار الحكومة لطلب تدخل الملك «فيليبي» السادس لفتح قناة مع الملك محمد السادس للتخفيف من حدة الأزمة ومن تداعياتها على الداخل الاسباني.