الخميس 28 مارس 2024
سياسة

أبو وائل الريفي يقرأ أحداث سبتة المحتلة.. المغرب ليس ملحقة أمنية لإسبانيا!

أبو وائل الريفي يقرأ أحداث سبتة المحتلة.. المغرب ليس ملحقة أمنية لإسبانيا! ابراهيم غالي يتوسط الجنيرال شنقريحة (يسارا) والوزير الأول الاسباني بيدرو سانشيز( يمينا)
ما فتئ المغرب منذ 21 أبريل 2021 يثير انتباه إسبانيا إلى الموقف العدائي تجاه المغرب الذي وضعت نفسها فيه بشكل دفع إلى طرح سؤال عميق وجوهري حول ماهية هذا التعاون إذا لم يكن تعبيرا عن إرادة مشتركة لتأمين البلدين.
الآن وبعد التمرين اللإرادي عقب وصول جحافل المهاجرين غير الشرعيين إلى قلب سبتة المحتلة، يطرح السؤال العريض حول العلاقات بين المغرب وإسبانيا وهل يمكن اختزالها في دور المغرب كدركي جنوب المتوسط لحماية إسبانيا كبوابة لأوروبا، أم أنها علاقات بين دولتين تحكمها الندية بشكل يفرض احترام إسبانيا بشكل لا لبس فيه للمصالح العليا للمغرب.
ألم تفهم إسبانيا بعد أن قضية الوحدة الترابية للمغرب هي قضية أولوية كبرى للمغرب والمغاربة؟
حماية الحدود مسؤولية مشتركة بين المغرب وإسبانيا، فإذا كانت التعزيزات على الحدود في عطلة العيد غير كافية من الجانب المغربي. هل كانت القوات العمومية الإسبانية هي كذلك في عطلة عيد؟ وهل غيابها من الجانب الآخر نية إسبانية مبيتة للبحث عن دور الضحية، بعد أن فضحت الصفقة مع الجزائر حقيقة الموقف الإسباني؟
لقد تحمل المغرب كامل مسؤوليته ولسنوات في المساهمة في حماية إسبانيا من خلال تعزيز التعاون لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية، ولكن يظهر أن هناك، في الجانب الإسباني، من لا يقدر هذا الالتزام حق قدره ويعتبر أن المغرب ملحقة أمنية إسبانية تأتمر بأوامر مدريد في تغييب تام للمصالح المغربية الاستراتيجية وقضاياه الوطنية.
فحتى تحريك المتابعة في حق زعيم البوليساريو يظهر أنه حلقة أخرى من حلقات الصفقة مع الجزائر بعد أن توافقت الجزائر مع إسبانيا حول الاستماع الأولي عن بعد لزعيم الانفصاليين وأخذ الوقت الكافي بحجة البحث لفتح المجال لبن بطوش لمغادرة إسبانيا بعد تحسن حالته الصحية.
فأين هو الوضوح في العلاقات مع المغرب، أول شريك اقتصادي لإسبانيا جنوب المتوسط؟!
لقد عاشت العلاقات المغربية مع إسبانيا أزهى مراحلها منذ وصول الاشتراكيين إلى الحكم بعد عثراتها إبان تدبير الشأن الحكومي من طرف الحزب الشعبي، لكن يظهر الآن أن انتكاسة العلاقات هو تصور بعض القادة الاشتراكيين وكأنهم حصلوا على شيك على بياض لاستصغار المغرب واحتقاره.
لقد تعامل المغرب بالحزم المطلوب للتحكم في الحدود في إطار المسؤولية المشتركة، وهذا لا يعني البتة التفريط في قضاياه، فالتعاون المشترك هو مصالح مشتركة ودفتر تحملات مشترك لضمان استمراره.
ما إن كشف المغرب استقبال إسبانيا، في 21 أبريل 2021، لزعيم البوليساريو على أراضيها بهوية مزورة من أجل الاستشفاء حتى ثارت ثائرة الجزائر فنزلت بكل ثقلها لإنقاذه والحيلولة دون خضوعه للقانون وهو المطلوب تقديمه للعدالة بتهمة ارتكابه جرائم لا تخضع للتقادم، وخاصة بعد وضع شكاية من طرف ضحايا أعماله الإجرامية أمام المحاكم الإسبانية مطالبين بتفعيل مذكرة التوقيف الأوروبية الصادرة في حقه واعتقاله. 
وطبعا ما أقدمت عليه الجزائر كان منتظرا من طرف نظام مفلس يبحث عن عدو وهمي لترميم جبهته الداخلية المتآكلة وإلهاء أركانه المتصارعة على الفتات بعد العجز الذي تعاني منه ميزانية الدولة بسبب الجائحة وانخفاض مداخيل المحروقات. يعي جنرالات الجزائر جيدا تبعات “الزعيم بن بطوش” على “تماسك” جبهة البوليساريو داخليا في ظل صراع الزعامة وسط جيلها المؤسس، كما يعي الجنرالات أن ضعف البوليساريو سيفقدهم، هكذا يظنون، ورقة ضغط على المغرب لإشغاله وإلهائه وإعاقة مساره التنموي وحسن إدارته لمرحلة كورونا صحيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودبلوماسيا.
ما لم يكن منتظرا هو بعض أركان الطابور الخامس المحسوبين في الوثائق على المغرب والذين سارعوا إلى التهوين من الإنجاز المغربي في الكشف المبكر لهذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبته إسبانيا بالأدلة. وهذه وحدها تبين يقظة وكفاءة وفعالية حماة هذا البلد. وهذا غيض من فيض، يضاف إلى يقظة حماة الجدار الذين تصدوا للمناورات اليائسة للجبهة (وقد صارت فعلا اسما على مسمى) وراعيتها الجزائر في حادث الكركرات. سكتوا عن صمت إسبانيا على تحريك مسطرة قضائية في قضايا تعذيب بما يعني ذلك من تشجيع على الإفلات من العقاب. أين هي المبادئ إذن؟ أين هي حملاتهم الإعلامية؟ وأين غابت علاقاتهم؟ لم يصدر عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بيان أو تصريح يطالب بتقديم متهم أمام العدالة، ولم يستنكروا تلكؤ إسبانيا عن الانتصار لحقوق الإنسان واحترام استقلال العدالة. والصمت نفسه كان السلوك المفضل للمعطي منجب وعدلاوة والنهجويين وغيرهم. لماذا يا ترى هذا الصمت؟
لماذا ينتشي العدلاويون بخطاب أردوغان وأفعاله حين يهدد الأوربيين بملف المهاجرين ويفتح الباب على مصراعيه لهم لإغراق أوربا؟ والمغرب لم يصل، ولن يصل، إلى هذا الأسلوب لأنه يعي جيدا التزاماته والمطلوب منه. والمغاربة وحدهم يعلمون حجم الحقد الذي يكنه هؤلاء لبلدهم، إنه الحقد الذي يجيز لهم نشر صور مزيفة لتهويل ما يقع أمام باب سبتة.
هل طالب المغرب بإدانة وإعدام بن بطوش؟ طبعا لا. طالب فقط بتقديمه للعدالة التي لها الكلمة الفصل وحينها سيكون المغرب أول ملتزم ومحترم لقرار مؤسسة مستقلة ووحدهم الضحايا لهم الحق في متابعة قضيتهم.
للأسف فضل ذلك الطابور الانتصار لحقد دفين على الوطن، وخدمة أجندة جنرالات الجزائر، والتقرب للإسبان ولو على حساب بلدهم.
كعادته، غلب المغرب منطق الحكمة على ردود الفعل الانفعالية والمتسرعة مانحا كل الوقت للإدارة الإسبانية لاتخاذ ما يلزم وفق قوانينها وما يخدم مصالحها دون أن يضر بمصالح المغرب، متمنيا أن تنتصر إسبانيا للقانون وحقوق الإنسان واستقلال القضاء فاستدعى السفير الإسباني لطلب تفسيرات بشأن موقف حكومته، ثم تحرك البرلمان المغربي وهو مؤشر على نبض الشعب المغربي، ثم صرح وزير الخارجية أن المغرب ما يزال في انتظار رد مرضي ومقنع من الإسبان ولكن دون جدوى.
لم يطالب المغرب بتسليمه زعيم الجبهة الانفصالية، ولم يزايد على الإسبان باستقبال زعيم انفصالي إسباني، ولم يطالب بإدانة بن بطوش بدون حكم قضائي، ولكنه ذكر فقط بالجرائم المنسوبة إليه والدعوى المرفوعة ضده ووجوب نظر القضاء فيها. وهذا أقل ما يمكن أن يطالب به صاحب حق عند من يراه صديقا ويحسبه جارا ويحرص على دوام حسن الجوار واستمرار التعاون.
قارب المشكل الشهر من الزمن، ولم تتقدم إسبانيا خطوة في هذا الاتجاه، وكل ما تقوم به هو الإنكار أو التجاهل أو التماطل أو التحجج بمبررات واهية ربحا للوقت وإرضاء للقيادة العسكرية الجزائرية وبحثا عن الاستقواء بالاتحاد الأوربي والزج به في خلاف لا علاقة له به وتعطيلا للقضاء وطعنا للمغرب وإضرارا بمصالحه. فهل يقبل عاقل بهذا؟ وهل تدار العلاقات بين الدول بهذه الكيفية؟
لماذا تسترت إسبانيا عن إبلاغ المغرب لو كان الهدف إنسانيا؟ ولماذا حرصت على أن يكون دخوله أراضيها بهوية مزورة لو كان الفعل لا مخالفة فيه للقانون ولا ضرر فيه للمغرب؟ ولماذا تحرص وزيرة الخارجية على تحريف الموضوع وتصويره وكأن المغرب يطالبها بتغيير موقف بلادها من قضية الصحراء؟ كما تحرص الوزيرة على تغليط الرأي العام حين تنسب التصعيد للمغرب رغم أنه لم يكن سبب افتعال المشكل ومنح للإسبان الوقت الكافي ليقدموا مبررات مقنعة ويتخذوا الإجراءات اللازمة.
إسبانيا حرة في اتخاذ الموقف الذي تراه، والعالم وحده له الحق في تقييمه أمام حقائق الواقع التي تؤكد تراجع دول كثيرة عن الاعتراف بجمهورية وهمية، وضمنها أمريكا، كما أن عدد القنصليات التي تفتح في الصحراء خير مثال.
إسبانيا شريك استراتيجي للمغرب، ولا يألو المغرب جهدا لتحسين التعاون معها في قضايا تتعداهما كدولتين بحكم أنهما بوابتا قارتين. وهذا أهم منطلق في حرص المغرب على علاقات جيدة مع الإسبان لأنها أساس أي تقارب بين الأوربيين والأفارقة، ولذلك يتعاون المغرب في قضايا الحد من الهجرة غير النظامية ومحاربة الإرهاب ومكافحة الجريمة وحماية الحدود ومكافحة ترويج المخدرات. وجهود المغرب في كل هذه القضايا لا يمكن نكرانها، ولكنه لا يقبل أن يتعامل معه بمنطق استعلائي وكأنه حارس ليل أو دركي طريق.
هل ينسى الأوربيون أن المغرب تحول من دولة عبور إلى دولة إقامة مع ما يتطلبه ذلك من ضمان الأمن الغذائي والصحي والروحي لآلاف الأفارقة جنوب الصحراء؟ وهل ينسوا أعداد المهاجرين الذين سوى المغرب إقاماتهم به؟ هل سبب كل ذلك هو فقط المساعدات المالية التي يتلقاها من الاتحاد الأوربي أم هو حرص منه على معالجة مشكل بنيوي عالمي تعاني منه الحدود التي تعيشها دول الشمال مع دول الجنوب؟ هل يمكن مقارنة الحدود المغربية الإسبانية مع ما يجري في الحدود الأمريكية المكسيكية؟ هل يعي الإسبان مجهودات المغرب التي تعفيهم من بناء جدار عازل كما كان يريد ترامب للحد من الهجرة والثمن الذي ستدفعه الحكومة الإسبانية جراء هذه الخطوة سياسيا وحقوقيا وانتخابيا؟
ها هي أيام قليلة كشفت الوجه الحقيقي لسلوكات غير حقوقية تناقلتها الكاميرات عن التعنيف الذي تعرض له من تضطرهم الحاجة للهجرة غير النظامية بحثا عن فرصة عيش أفضل في الإلدورادو الأوربي. والهجرة ليست عيبا ودول الشمال تتحمل جزءا من معاناة دول الجنوب وعليها تحمل مسؤولياتها من أجل عدالة عالمية وهي التي كانت قوى مستعمرة لهذه الدول. أما المغرب فرغم جائحة كورونا يقوم بما يمكنه من أجل الحد من تداعياتها على منطقة الشمال ويتعامل مع الظرفية بما تستدعيه من سرعة وبما يتوفر عليه من إمكانيات واعيا بأن مدخل الحل مرتبط بالنموذج التنموي الجديد الذي ستكون المنطقة الشمالية إحدى أولوياته بالتأكيد.
ومرة أخرى لن أفوت الفرصة للتذكير بالصمت غير المبرر لممتهني النضال الحقوقي عن التجاوزات الحقوقية التي لازمت تدخل السلطات الإسبانية ضد المهاجرين وهم الذين لا يفوتون فرصة مثل هذه حين يتصدى المغرب لمحاولات التسلل عبر الحدود فيتهمونه بالدركي وغير ذلك من النعوت القدحية.
لقد كشف تعامل إسبانيا مع المغرب في قضية بن بطوش الانفصالي أنها تتعامل مع المغرب بمنطق السخرة والاستعلاء، وهو ما يرفضه المغرب. ومن حقه ذلك، بل عليه أن يرتب عن هذا الرفض ما يلزم من تدابير تبين رفضه. ولعل أولها استدعاء السفيرة من أجل التشاور. والكرة في مرمى الإسبان الذين أحسوا بالصهد ويحاولون إقحام الاتحاد الأوربي في مشكلة لا علاقة له بها. وستؤكد الأيام صواب المغرب وقوته لأنه صاحب حق ولا يطلب غير التعامل بالمثل وتأطير العلاقة بقواعد عامة تطبق بتكافؤ على كل أطرافها.
 
عن "شوف تيفي" بتصرف