السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: ألهاكم التحاقن بمركز تحاقن الدم.. التبرع بالدم ينتهي بـ "طلوع الدم"

محمد الشمسي: ألهاكم التحاقن بمركز تحاقن الدم.. التبرع بالدم ينتهي بـ "طلوع الدم" محمد الشمسي

على الراغب في التبرع بالدم أن يأخذ معه ثلاجتين يدويتين، الأولى يضع فيها كيس الدم لينقله إلى المصحة حيث يرقد المريض المتربع إليه، والثانية يضع فيها أعصابه لأنه سيمضي ساعات في جحيم بناية تسمى "المركز الجهوي لتحاقن الدم بالدار البيضاء".

 

بعد فطور المتطوع ليلة السبت 25 أبريل 2021 يتوجه بمعية ستة أشخاص لنفس الغاية، صوب مقر المركز، واجهة بنايته مشؤومة تشبه فندقا مهجورا في أفلام "الويستيرن"، بوابته ذات القضبان الحديدية السميكة لا تختلف عن أبواب سجن عكاشة سوى في اللون، يسلمك رجل أمن خاص ورقة "النوبة" ثم تعود "باش تشد الصف" في "الزنقة" أو بالأحرى في فضاء تابع للملك العمومي تم الاستيلاء عليه وتسقيفه بالقصدير "بحال الكوري"، تمر النصف ساعة الأولى "في الزنقة" وأنت متحمس لهذا الفعل الإنساني، ثم تليها النصف ساعة الثانية، ليخرج "براح" ينادي على الأرقام، تدخل المبنى المتجهم، تقوم موظفة بتسجيلك آليا، ثم تحصل منها على ورقة أخرى وعليها رقم جديد وتعود "للزنقة" "باش تشد صف جديد"، لا من تخاطب ولا من يجيب على سؤالك، يتسلل لك الندم والغضب بانصرام النصف ساعة الثالثة، ينادي المنادي على رقمك، لتتأهل إلى قاعة انتظار جديدة داخل البناية العبوسة، تقيس ممرضة ضغط دمك وهي منشغلة بهاتفها النقال، ثم ترسلك صوب قاعة انتظار أخرى لتكون قد قضيت نصف ساعة الرابعة، تسألك تلك الطبيبة أسئلة سريعة وكأنك في مسابقة ، لتتأهل إلى قاعة الانتظار الأخيرة حيث عقارب نصف ساعة الخامسة تحركت، تنتظر هناك إلى أن يشغل كرسي التطوع لتحتله...

 

هناك 14 كرسيا لمص الدماء، ثلاثة منها عاطلة عن العمل رغم الحاجة الملحة للدم، وهناك خمس ممرضات وسادسهم ممرض لا أحد يعرف لتواجده سببا، بمعنى "عاكيتسارا" و"عاداخل خارج"، تتمدد وتمد ساعدك، وقد سمعت رجل الامن الخاص يخبر الطبيبة بتأفف أن عدد المتبرعين وصل الى 200 فتأمره بوقف التسجيل "حيت مبقاش الوقت"... تدرك أنك وقعت بين يدي من لا يقدرون العمل النبيل الذي أنت بصدد القيام به...

 

يتم الإفراج عنك في منتصف الليل وكأنك كنت معتقلا "على قبل لاكارط"..

 

للإشارة ففيروس كورونا حاضر في المركز بقوة، لكن فقط على شكل ملصقات على الجدران، أما على الواقع فالازدحام شبيه ببورصة عالمية، تحاقن وتحاقن ألهى الناس عن لعنة الفيروس واحتجاجات وصراخ وضجيج، لكن"على من تقرا زابورك"...

 

في اليوم الموالي (الأحد) تعود لاستكمال رحلة البحث عن الدم وأنت تحمل ثلاجة يدوية تسلمتها من المصحة حيث يرقد المريض الذي ظننت أنك أسعفته، تجد فيلما آخر من أفلام الرعب والعبث، نافذة صغير بقضبان حديدية مثل شباك تذاكر "سينما العثمانية أو الحسنية في زمانهما"، يتجمهر حوله الناس مثل جموع نحل أمام ثقب الخلية، هناك سيدة تظهر مرة في الساعة تحمل أكيسا الدم، "لا نوبة لا صف"، أشخاص يحضرون الأواخر ويتحولون إلى الأوائل، و"سير شرب لبحر"، مكبر صوت يجيد فقط "التشتيش والصداع"، تتصل بمصلحة الشكايات بوزارة الصحة خمس مرات على الرقم  0801005353 يجيبك فقط "طييط طييط"، ففي يوم الأحد يكتفي هاتف هذه المصلحة بالرنين، تتيقن أنك "تقولبتي بقالب دولة المؤسسات"، وتخجل من نفسك أن تخرج بعض المال لتسلمه لأحدهم "باش يقضي لك الغرض".

 

من الساعة الواحدة زوالا وأنت "منشور" بباب المركز الى الساعة الخامسة مساء و"صايم"، لتخبرك تلك السيدة أن "دمك" لن يكون جاهزا إلا بعد الإفطار، وطبعا "إلا معجبكش الحال" لك أن تختار أي الجدران لتنطحه، فلا مسؤول ولا رقيب ولا مخاطب باستثناء رجلي أمن يرددان كلمة واحدة "الشريف احتارم راسك".

 

بعد الفطور تعود "لدمك الممصوص منك"، تنتظر ساعة ونصف ليخبرك "السيكيريتي ديال البارح" من وراء ذلك الشباك الصغير أن ملفك تنقصه ورقة، وأنه عليك العودة الى المصحة، تحتج بالقول إن الموظفة ومعها الممرضة أكدتا سلامة الملف واكتمال وثائقه، لكنه يبتسم في وجهك ويقول "هاد كلام المسؤول"، تطلب مقابلة المسؤول يتأسف "السيكيرتي" بالقول "معنديش الحق نخليك تدخل"... تحمل ملفك وثلاجتك وتقصد المصحة وأنت "خايف من شي باراج" لأنك في حالة خرق قانون الطوارئ، في المصحة يسخرون من فشلك في المهمة، تستشف من سخريتهم أن التبرع بالدم في المغرب يستلزم التبرع معه بأشياء أخرى وإلا فإن ثواب التبرع بالدم سيتبخر مع "طلوع الدم" ، تدرك متأخرا لماذا لا يتبرع الناس بدمهم؟... سبت وأحد في العذاب، وحتما يوم اثنين نسخة لهما، لأنك ستقابل نفس الوجوه في نفس البناية وبلا ذات الرقابة...

 

أقول قولي هذا والشاهد بيني وبين إدارة مركز تحاقن الدم بالدار البيضاء كاميرا المركز إن كانت شغالة...