الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

بعد تسونامي فتح القنصليات بالصحراء: ماذا استفاد المغرب من «انتهازية» الاتحاد الأوروبي؟!

بعد تسونامي فتح القنصليات بالصحراء: ماذا استفاد المغرب من «انتهازية» الاتحاد الأوروبي؟! المغرب سئم نفاق أوربا التي تلعب على الحبلين في ملف الصحراء
تضع التطورات الأخيرة التي عرفتها قضيتنا الوطنية المنتظم الدولي على المحك. بل إنها وضعت الخصوم والأصدقاء أمام امتحان الحقيقة. فلقد كان من الطبيعي أن تمنى الجزائر، وشركاؤها في التآمر على وحدة المغرب، بهزيمة سياسية ونفسية بعد تطهير معبر الكركرات على يد القوات المسلحة الملكية في نونبر 2020، وضمان إعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري، وخاصة بعد القرار الأمريكي بالاعتراف بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء، والإعلان عن إحداث قنصلية أمريكية في الداخلة في دجنبر 2020. وهو ما يفسر ارتباك جنرالات الجزائر دوليا وإقليميا، ومن ثم سعارهم تجاه الانتصارات المغربية المتحققة على صعيد قضيتنا الوطنية.
الطبيعي كذلك أن تبادر دول صديقة من العالم العربي وإفريقيا، ومن بقاع بعيدة في العالم بفتح قنصلياتها في كل من الداخلة والعيون.
لكن الأمر غير الطبيعي هو موقف الاتحاد الأوروبي الذي- كما يدعي- هو «حليف استراتيجي»، نمثل بالنسبة إليه «شريكا مميزا» منذ أكتوبر 2008، لا تربطنا معه فقط علاقات الجوار والاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والأمنية، ولكن أيضا المسؤولية المشتركة من أجل حماية الحدود، وضمان سلامة المنطقة.
وبالرغم من ذلك فقد أعطى الانطباع بأن التطورات الأخيرة، برغم أهميتها في إقرار معادلات جديدة في المنطقة، فهي لا تعنيه إذ ظل الاتحاد الأوربي في كل تحركاته ملتزما بموقفه التقليدي الذي لا يليق بـ «حليف استراتيجي» أو «شريك تاريخي».
ضمن نفس الإطار يبعث موقف فرنسا وإسبانيا تحديدا، مما يجري أكثر من سؤال، وهما المعنيان أكثر من أي طرف أوربي آخر بجوهر المشكل.
الأولى باعتبارها الكيان الذي كان محتلا لدول المغرب العربي، وكان له الدور المفصلي في العبث بخريطة الحدود، خاصة بين البلدين الجارين الجزائر والمغرب، وفي اقتطاع أجزاء من ترابنا الوطني لفائدة الجزائر التي كان يعتقد أنها ستظل فرنسية إلى الأبد. ومن ثم تشكل إلى اليوم الورم الخبيث الذي يهدد استقرار البلدين، ويعرض أمن المنطقة برمتها للعواصف. بالإضافة إلى ذلك ففرنسا ليست فقط هذا التاريخ المتعسف، أو هذه الذاكرة الجريحة، ولكنها كذلك الشريك الاقتصادي والتجاري الكبير، ناهيك عمّا يربط بيننا من روابط ثقافية مشتركة.
أما إسبانيا فلقد كانت البلد المحتل للصحراء لسنوات طوال، وهو الذي وقع معنا وموريتانيا اتفاقية مدريد في نونبر من سنة 1975، إضافة إلى علاقات القرب الجغرافي والشراكة الاقتصادية...
ثم لا يمكن أن نغفل الدور الألماني الذي يعنيها كذلك ما يجري باعتبارها القوة الأوروبية الأولى، وهو ما يجعلها معنية بتطورات الأوضاع في جنوب المتوسط.
لكن ورغم كل هذه الاعتبارات اختار الاتحاد الأوروبي أن يظل واقفا في المنطقة الرمادية، لاعبا على الحبلين، يخاف من إغضاب الجزائر لأن ما يهمه ليست وضعية حقوق الإنسان هناك، أو غموض الجنرالات إزاء تعقيدات الصراع الإقليمي في مالي وليبيا، وما قد ينتج عن ذلك الغموض من مخاطر ليس أدناها تورط جبهة البوليساريو في دعم الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء... بل إن ما يهمها فقط هو بترول وغاز الجزائر. وهو يخاف من إغضاب المغرب لأن ما يهمه ليس حق المغرب الشرعي في تثبيت وحدته الترابية، ولكن فقط ثرواته الفلاحية والسمكية، وكذلك سلامة الحدود، والإبقاء على الدور الوازن الذي تضطلع به بلادنا في إطار التعاون الأمني المشترك لوقف تدفق المهاجرين، وللحؤول دون تنامي جرائم التهريب والاتجار بالبشر.
معنى ذلك أن كل حديث عن «الشراكة والتحالف الاستراتيجي» هو مجرد نفاق يرفض المغاربة استمراره من لدن من ينادون بالشيء ويقترفون ضده. ولذلك من حق المغاربة أن يدينوا ازدواجية المواقف الأوربية، وأن يطالبوا شركاءنا الأوروبيين بالخروج من منطقة الرماد، والانخراط في الدينامية الدولية القائمة على حل عادل في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ومن ثم الاصطفاف إلى جانب حقنا التاريخي، والالتحاق بقرار اعترفت به أكبر دولة عظمى في العالم، وانخرطت فيه أكثر الدول العربية وأغناها، وعدد من دول أفريقيا وأمريكا الوسطى. وإلا فأي معنى للشراكة والتنسيق إذا لم يكن المقصود تحديدا تيسير سبل التعاون المشترك من أجل إقامة السلم، وحماية الاستقرار في فضاء جنوب المتوسط الذي يعتبر أمنه الاستراتيجي جزءا حيويا من أمن أوروبا والعالم؟