الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: الملف الأسود لجنرالات الجزائر في مجال حقوق الإنسان

محمد بوبكري: الملف الأسود لجنرالات الجزائر في مجال حقوق الإنسان محمد بوبكري

يكاد يجمع المتتبعون للشأن الجزائري على أن ملف حقوق الإنسان قد أصبح يهدد حكام الجزائر الذين يصرون على التمادي في انتهاكات هذه الحقوق، ما قد يتسبب في عزلتهم دوليا، حيث عبرت كل من باريس وواشنطن عن موقفهما الرافض لممارسات جنرالات الجزائر التي بالغت في استهداف نشطاء الحراك الشعبي السلمي ورموزه.

 

لكن ما هي عقدة نظام العسكر تجاه حقوق الإنسان؟ إنها تعود إلى أن أقطاب هذا النظام لا علاقة لهم بحقوق الإنسان، لأنهم لا يتوفرون على ضمير إنساني، ولا على أي مبدأ إنساني، ولا على أية قيمة إنسانية... فكيف يمكن لمن هذا هو حاله أن يحترم حقوق الإنسان، ولا ينهج أسلوبا وحشيا في تعامله مع الآخر الذي يختلف معه ويرفض التبعية له...؟

 

وتشكل قضية الطفل القاصر "سعيد شتوان" مثالا على وحشية المخابرات الجزائرية التي باتت تغتصب القاصرين والكبار، حيث تحولت مخافر الشرطة إلى أوكار للاغتصاب الجنسي للمعارضين. لقد حاولت الأجهزة الأمنية أن تحول الضحية إلى جان، حيث دفعت وسائل الإعلام التابعة لها إلى الإساءة إليه عبر ترويج أكذوبة مفادها أن هناك مجموعة من الشباب "المنحرفين" الذين غرروا به وحرضوه ضد أجهزة المخابرات.

 

فعندما كان الطفل "سعيد شتوان" ووالدته يغادران مخفر الشرطة، وهو يبكي جراء ما تعرض له من إهانة وتحرش جنسي من قبل أفراد الاستخبارات، طلبت والدته من مجموعة من الشباب القيام بتصويره وهو يبكي ويتحدث عن معاناته وما تعرض له من تعذيب جسدي ونفسي في مخفر الشرطة. وقد قدمت والدة هذا الطفل شهادتها موثقة في شريط تقول فيها إنها هي التي طلبت من هؤلاء الشباب القيام بتصوير ابنها. ونظرا لكون هؤلاء الشباب من نشطاء الحراك الشعبي، فإن أجهزة الأمن قامت بالانتقام منهم من خلال اعتقالهم، وتلفيق تهم لهم تتعلق بالمخدرات والدعارة... ما يؤكد انعدام الحس الأخلاقي لدى هذه الأجهزة. وتجنبا لاعتقالهم بتهمة المشاركة في الحراك، لجأت الأجهزة الأمنية إلى تلفيق رميهم بتهم واهية "لا أخلاقية"، حيث وجهت إليهم تهم المخدرات والدعارة والاغتصاب، تجنبا لا تهام العسكر بانتهاك حقوق الإنسان، مخافة ردود فعل دولية ضدهم.

 

هكذا تم اعتقال كل من "محمد تاجديت" ونجيب ميلانو" وصهيب دباغي" و"طارق دباغي" و"مالك رياحي"، وكلهم من نشطاء الحراك الشعبي الجزائري. وكان ذلك بدافع الانتقام منهم حتى يكونوا عبرة للشباب الجزائري. وقد قامت أجهزة الأمن الجزائرية بتجويعهم لمدة خمسة أيام، حرمتهم طيلتها من الماء الصالح للشرب، وأجبرتهم على شرب ماء وسخ. ويكمن ذنبهم أساسا في أنهم من نشطاء الحراك، واستجابوا لطلب والدة الطفل "سعيد شتوان"، بتصويره عند خروجه من مخفر الشرطة الذي تعرض فيه للتحرش الجنسي ومختلف أشكال التعذيب الجسدي والمعنوي كما تعرض هؤلاء الشباب لمختلف أنواع السب والشتم والإهانة والتهديد بالاغتصاب. وبذلك، فإن أجهزة الأمن لا تحترم القانون، بل إنها تمارس الانتقام.

 

وعندما تم تقديم هؤلاء الشباب إلى قاضي التحقيق قال لهم: "أنا أعرف انكم أبرياء من التهم المنسوبة إليكم، لكنني لا أسطيع إطلاق سراحكم، لأنني أخاف من تعرضكم للاغتيال...". ونظرا لتبعية القضاء الجزائري للمخابرات، فمن المحتمل جدا أنهم قد أمروا هذا القاضي قول هذا الكلام. ومن المؤكد أنهم فعلوا ذلك حتى لا يفتضح أمرهم، لأنهم كانوا يتخوفون من دخول الشباب في إضراب عن الطعام، حيث ستصبح القضية حقوقية وسياسية. ومن الأكيد أن كلام هذا القاضي يتضمن تهديدا مباشرا بالاغتيال لهؤلاء الشباب، ما يعني أن العسكر قد بدأوا يلوحون بالعودة إلى زمن "العشرية السوداء"، وما حفل به من تقتيل جماعي للجزائريين، لكنهم لن يستطيعوا ذلك، لأن الرأي العام الدولي سيكون لهم بالمرصاد، لاسيما أن الظروف قد تغيرت، حيث إن للعصابة اليوم مشكلة مع الشعب الجزائري بمختلف أطيافه وشرائحه، التي أجمعت كلها على رحيل نظام العسكر. وبذلك، فلا يوجد اليوم صراع بين السلطة وجماعة معينة، بل إنه صراع بينها وبين الشعب برمته.

 

وقد تم تدبير هذه المؤامرة ضد هؤلاء الشباب بهدف التعتيم على قضية القاصر "سعيد شتوان"، الذي تعرض للإهانة والتحرش الجنسي، وكأن هذا القاصر ليس هو ابن الدولة، ولا ابن القاضي، بل أصبح القضاء يحمي رجال المخابرات الذين يغتصبون الأطفال والكبار، حيث سبق أن تعرض الطالب " وليد نقيش" للاغتصاب الجنسي في مخفر الشرطة، كما صرح بعض نشطاء الحراك أثناء محاكمتهم بأنهم تعرضوا للاغتصاب الجنسي.

 

لقد كان على القضاء أن يقبل الشكاية التي رفعتها والدة هذا الطفل، لكنه لم يفعل، ما يؤكد أن القضاء يحمي المخابرات التي صارت متهمة محليا ودوليا بالاغتصاب الجنسي لنشطاء الحراك الشعبي الذين يطالبون بإقامة دولة الحق والقانون، أي دولة المؤسسات. وهذا ما يدل على انخراط الجنرالات في تدبير المؤامرات بهدف تخويف الشعب الجزائري من الاغتصاب الجنسي في مخافر الشرطة، التي أصبحت في اعين الجزائريين "آلة إرهابية".

 

ويؤكد بعض الخبراء أن تاريخ الجزائر هو تاريخ انتهاكات حقوق الإنسان بامتياز، حيث تعرض رموز الثورة الجزائرية في عهد "أحمد بن بلة" و"هواري بومدين"، للاغتيال والاعتقال والنفي. وكان ذلك من تدبير "هواري بومدين" الذين انقلب على أباء الثورة الجزائرية، واستأثر بالحكم وحده، وأقصى كل معارضيه، حيث أسس لدولة الاستبداد في الجزائر. كما شهدت تسعينيات القرن الماضي انتهاكات حقوق الإنسان بالجملة، حيث تحول التعذيب آنذاك إلى صناعة، كما طبعت الاختطافات والاغتيالات هذه المرحلة. وبعد ذلك، جاء العسكر بـ "عبد العزيز بوتفليقة" لتهدئة الأوضاع والتغطية على جرائم العسكر، خلال "العشرية السوداء". ومع ذلك، لقد عرفت هذه الفترة في بداية الألفية الثانية عملية قتل 120 فرد في منطقة القبائل، كما تم اغتيال الصحفي "محمد تمالت"، الذي تعرض للتعذيب والاغتصاب في مخفر الشرطة. أضف إلى ذلك أنه تم اغتيال "كمال الدين فخار" في هذه الفترة.

 

وعندما جاء العسكر بـ "تبون"، كانت السجون غاصة بمعتقلي الرأي، كما عرفت هذه المرحلة الاختطافات والتقتيل والتعذيب والاغتصاب الجنسي للصغار والكبار، ما جعل حكام الجزائر في ورطة، حيث أصبحوا محط رفض من قبل الرأي العام الدولي... وهذا ما يفرض على النخبة الجزائرية أن تستمر في تنوير طريق الحراك الشعبي وتغذيته فكريا ووجدانيا، كما يجب عليها أن تغطي كل ما يحدث في مختلف المدن والقرى الجزائرية، وتخبر الرأي العام الدولي ومختلف منظماته بكل ما يرتكبه الجنرالات من عنف سري وعلني ضد نشطاء الحراك...

 

خلاصة القول، إن تاريخ دولة العسكر في الجزائر هو تاريخ أسود مليء بالاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والنفي...