الثلاثاء 23 إبريل 2024
خارج الحدود

محمد الطيار: الحراك الشعبي في الجزائر وتنامي الهواجس الأمنية بعد عودة الحرس القديم

محمد الطيار: الحراك الشعبي في الجزائر وتنامي الهواجس الأمنية بعد عودة الحرس القديم استفحال تورط جنرالات الجزائر في تهريب الكوكايين
يستعد الشعب الجزائري الشقيق لاستئناف الحراك  الشعبي، خاصة بعد عودة الحرس القديم وعلى رأسه الجنرال خالد نزار والفريق محمد مدين، المتورط في الأحداث الدموية التي شهدتها حقبة العشرية السوداء، مما يجعل الجزائر مرشحة للعديد من الاحتمالات الخطيرة في ظل الصراع السافر بين الاجنحة داخل المؤسسة العسكرية، لدرجة التصفية الجسدية والاغتيالات، واقالة وسجن العديد من الجنرالات والوزراء والمسؤولين المحسوبين على جناح القايد صالح، الذي تختلف الروايات حول سبب وفاته.
الوضعية المزمنة للجزائر على المستوى الداخلي، تتقاطع  مع تطور المخاطر الخارجية حولها، مما يرشحها للدخول في وضعية أمنية  لا تختلف عما مرت منه خلال سنوات العشرية السوداء، في حالة استمرار النظام العسكري في التصدي لمطالب الشعب الجزائري في تقرير مصيره وبناء دولة مدنية حقيقية.
 ويمكن رصد العناصر التالية، كمؤشرات مساعدة على امكانية تدهور الوضعية الأمنية، في حالة رفض مطالب الشارع أو السعي لمحاولة الالتفاف عليها،  والاستمرار في الزحف على الحريات بدعوى الحفاظ على الأمن، أو الاستمرار في الاستثمار في رأس مال الخوف وانتاج المخاطر والاستفادة منها للبقاء في السلطة.
انخفاض أسعار النفط والغاز
منذ أن انخفضت أسعار النفط والغاز إلى النصف خلال  السنوات الأخيرة، خسرت الجزائر 40% من مداخلها من العملة الصعبة، حيث أن اقتصادها مرتبط بنسبة 98 % بمبيعاتها من المحروقات، وبالرغم من الأزمة التي اجتاحت السوق النفطية، استمرت الجزائر في دعم أسعار المواد الأساسية كالسكر والسميد والحليب والمحروقات، وهي مواد يتم تهريبها بشكل كبير إلى دول منطقة الساحل، مما شكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة، واستنزافا واسعا لقواها الاقتصادية، وجعلها في معضلة أمنية واقتصادية تهدد استقرارها في آن واحد، فقد مرت على البلاد فترة استشرى فيها تهريب المحروقات، بحيث أصبح الديزل والبنزين مفقودين بولايتي تمنراست وعين صالح القريبتين من الحدود المالية، بسبب عجز الإدارة والأمن في الحد من عمليات البيع غير المشروع للوقود الجزائري المدعوم وتهريبه إلى مالي. وتورطهم كذلك في التهريب بأنواعه خاصة الكوكايين. 
ولم تستطيع السلطات الجزائرية الحد من هذا النزيف، الذي  زاد من حدته تحول مخيمات التندوف إلى مراكز للتهريب كبيرة، تديرها شبكات من عناصر “البوليساريو” امتهنوا تهريب المواد الغذائية الجزائرية المدعومة إلى شمال مالي وموريتانيا، إضافة إلى تحويل مواد المساعدات الإنسانية (الموجهة من طرف المنظمات الدولية إلى سكان المخيمات) وتسويقها جنوبا، وتهريب السجائر والكوكايين شمالا إلى الجزائر والمغرب. 
الرفع المتزايد من ميزانية الدفاع والتسلح ووزارة الداخلیة
نتیجة لوضعية المخاطر والتهديدات المتعددة وبسبب تنامي الهواجس الأمنية في الجزائر، رفعت الحكومة من ميزانية الدفاع والتسلح ووزارة الداخلیة بشكل قیاسي خلال السنوات الأخيرة، حيث يظهر أن هذه الموازنة قفزت إلى مستويات قياسية وبشكل متسارع منذ عام 2009م، إذ كانت في عام 2008 م بحدود 2.5 مليار دولار أميركي، لكنها قفزت إلى أكثر من الضعف في العام التالي 2009 م لتصل إلى 6.5 مليارات دولار أميركي، وبزيادة طفيفة عام 2010 م. وقد ساعد ارتفاع مداخل النفط في رفع هذه الموازنة السنوية للدفاع إلى 9.7 مليارات دولار أميركي في عام 2012، ثم إلى 12 مليار دولار أميركي في موازنة العام 2014 م. وسجلت مستوى غير مسبوق عام 2015، إذ بلغت 13 مليار دولار أميركي، وانفردت وزارة الدفاع بنسبة 11 في المائة من إجمالي الموازنة العامة للجزائر في تلك السنة. لكن اضطراب أسعار النفط في الأسواق الدولية لاحقا وتراجع عائدات البلاد المالية، فرضا على الحكومة خفض موازنة الدفاع إلى حدود تسعة مليارات دولار أميركي في عامَي 2016 و 2017م، وإلى 9.3 مليارات دولار أميركي سنة 2018م، لترفع  الموازنة العامة للدفاع في سنة 2019م إلى أكثر من 10.3 مليارات دولار أميركي، بزيادة مليار دولار أميركي عن موازنة 2018م، واستمر الأمر في الموازنات اللاحقة ، حيث تعد الأعلى من ضمن كل القطاعات، مما أثر سلبيا على وضعية البلد الاقتصادية، وكانت له انعكاسات مباشرة على القطاعات التي تعتبر ضرورية للمواطنین، كقطاع التعلیم والسكن والصحة والقطاع الصناعي والفلاحي، وغیرها من القطاعات الأساسیة للاقتصاد الجزائري. وتحتل الجزائر الرتبة الأولى في إفريقيا، بميزانية دفاع قدرها 10.57 مليارات دولار، متفوقة على جنوب إفريقيا، التي تبلغ ميزانية دفاعها 4.6 مليارات دولار، كما تشير بعض التقاريرإلى أن الجزائر اشترت نحو 3.7 بالمائة من مجموع الأسلحة المباعة في السوق العالمية للسلاح. 
ارتفاع الهواجس الأمنية المستمر في الجزائر، جعلها من الدول التي يثار بها الجدل حول موضوعي التنمية الاقتصادية والأولويات الأمنية، حيث أنها لم تستطيع أن توافق بين المجالين، فقد انخرطت في استيراد الأسلحة بشكل كبير مع وضع  مجالات التنمية الاقتصادية في مرتبة  ثانوية أمام القضايا الأمنية والدفاعية، مما عرضها للعديد من الاختلالات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية.
عدم القدرة على مراقبة الحدود
تمتلك الجزائر حدودا جغرافية مع ستة دول إفریقیة على مسافة تقدر ب6427  كلم (المغرب 8516كلم، مالي 1376 كلم، لیبیا 982 كلم، تونس 965 كلم، النیجر 956 كلم، موریتانیا463  كلم)، وهي حدود واسعة یصعب مراقبتها في ظل تراجع المنظومات الأمنیة و المؤسساتیة للدول التي سقطت أنظمتها بسب أحداث “الربيع العربي”، إلى جانب الفشل الذي تعانیه دولة مالي، بحیث أصبحت تشكل تهدیدا للدول المجاورة ومنها الجزائر التي تحولت إلى سوق مفتوحة ومنطقة عبور في نفس الوقت لمختلف الأنشطة المحظورة، منها خاصة تهريب الكوكايين وتصاعد وتيرة عمليات الهجرة غير الشرعية عبر المنافذ الحدودية مع دولتي مالي والنيجر.  
الجزائرلن تكن  بمنأى عن مختلف المخاطر والتهديدات الصادرة من منطقة الساحل الإفريقي، رغم حضورها في المعضلة الأمنية  القائمة، وذلك بحكم حجمها الجغرافي وطول حدودها المشتركة مع دول الساحل الإفريقي، وعدم قدرتها على مراقبة هذه الحدود بالشكل المطلوب،وما يفرضه ذلك عليها من تكاليف مالية في ظل هبوط أسعار النفط، كما أن استمرار نزاع الصحراء المغربية والمطالب الإثنية للطوارق في منطقة الساحل الإفريقي وفي الجنوب الجزائري وليبيا، ومطالب شعب القبايل في الشمال، من العوامل التي يمكن أن  ينتج عنها مناخا من عدم الاستقرار، وتدفع  بتشكل مناخ إقليمي متنافر ومجزئ يقدم مؤشرات عديدة على احتمال انتقال العدوى إلى الجزائر.
استفحال تورط الجنرالات في تهريب الكوكايين
دأب النظام العسكري في الجزائر وكدا اغلب   حكومات منطقة الساحل على التعامل مع الجريمة المنظمة كوسيلة سياسية من وسائل إدارة الدولة، عبر السماح لحلفائها من الاستفادة من الأنشطة الإجرامية المختلفة،  مما جعل الشبكات الإجرامية مرتبطة بأجهزة الدولة من جهة وبالجماعات الإرهابية من جهة أخرى، ارتباطا يقوم على توزيع المنافع المادية المحصلة من الأعمال الغير المشروعة.
حيث أن عمليات التهريب تتم علنا وبتواطؤ كامل من السلطات، فعمليات ضبط شحنات المخدرات والأسلحة نادرة في الجنوب وشرق البلاد بسبب غض النظام العسكري الطرف عن تهريب المخدرات والأسلحة من أجل الحفاظ على نوع من الاستقرار، فالدولة تسير بحذر في مقاربتها لشبكات التهريب المزدهرة خاصة في الجنوب والمرتبطة بالمؤسسة العسكرية، فهي ترى أن العبث بالمصالح الخاصة يمكن أن يفضي بسهولة إلى حالة عدم الاستقرار، فهي في حاجة إلى الاختيار بين السماح لحلفائها بالاستفادة من التهريب، وبين المخاطرة بأن تؤدّي سياسة الضبط إلى ظهور شبكات تهريب معادية لها.
في الجزائر، تورط المسئولين مع شبكات التهريب والجريمة المنظمة جعلهم يتبنون خطابا مزدوجا في التعامل مع الجماعات الإسلامية الراديكالية، لأنها في الواقع ليست إلا غطاءا دينيا لشبكات قديمة في التهريب تستعمل لابتزاز الغرب للحصول على المساعدات المادية وتحصيل الفدية واقتسامها، فالعلاقة بين المسئولين العسكريين في الجزائر والتنظيمات الإجرامية، علاقة قديمة تتشابك فيها المصالح وعائدات تهريب السجائر و الوقود المدعم، ومواد المساعدات الإنسانية الموجهة لمخيمات التندوف، والتجارة في الأسلحة والمخدرات والفدية.
 في السنوات الأخيرة تحولت الجزائر إلى منصة مهمة، بالنسبة إلى كارتيلات تجارة المخدرات الصلبة بأمريكا اللاتينية، لتمرير بضاعتهم إلى الأسواق الأوربية، بسبب تورط  الجنرالات والعديد من قادة جهاز المخابرات العسكرية وكدا قادة النواحي العسكرية في تهريب وتجارة الكوكايين، كالقائد السابق للناحية العسكرية الثانية اللواء كمال عبد الرحمن، والقائد السابق للدرك الوطني اللواء غالي بلقصير، ورغم التضحية  بعدد كبير  من كبار الجنرالات الذين كانوا في الخدمة  باحالتهم إلى القضاء  دفعة واحدة بتهم الفساد  تزامنا مع  الحراك الشعبي ، لم يشفع دلك  لمؤسسة الجيش خلال حكم الجنرال قايد صالح، لأن الشارع الجزائري يدرك جيدا مدى تورط الجنرالات وكبار مسؤلي الدولة في  تجارة الكوكايين.
مما جعل المشاركون في الحراك الشعبي، عند الاعلان عن  نجاح عبد المجيد  تبون برئاسة الجزائر، يعبرون عن رفضهم له عبر تمثيل مشهد شم “طحين ” بدلاً من شم “الكوكايين” ، وانتشرت فيديوهات في تلك الفترة للمتظاهرين يشمون الطحين الأبيض خلال مسيرة بالعاصمة، انطلقت مباشرة بعد إعلان فوزعبد المجيد  تبون وتناقلتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية،  في اشارة لجنرالات الجيش والى الرئيس  الجديد ونجله المتورط في قضية شهيرة تتعلق بضبط كمية 700  كيلو من الكوكايين خلال سنة 2018، برزت على اثر اتصالات سرية مع جهاز الشرطة الدولية “إنتربول” حول شحن كمية المخدرات على متن الباخرة “فيقاس”، التي كانت ترفع علم دولة ليبيريا، والمتوجهة إلى الجزائر. هذا الأخير أبلغ جهاز الأمن ووزارة الداخلية الإسبانية، التي أبلغت بدورها عبر وزارة الخارجية سفيرها في الجزائر، مما فرض على السلطات الجزائرية اعتقال وسجن العديد من الجنرالات و المسئولين الاداريين،  وتم اخلاء سبيل نجل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
محمد الطيار،  باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية