الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: في فاشية التيار القومجي وتيار الإسلام السياسي

محمد بوبكري: في فاشية التيار القومجي وتيار الإسلام السياسي محمد بوبكري
لقد أدى اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، إلى ردود فعل داخل المغرب وخارجه مصدرها تياران؛ أولهما إسلاموي، وثانيهما قومجي. ونظرا للطابع الفاشي لقناعة كل منهما، فإنهما لا يؤمنان بالوطن ولا بالمواطنة، ما جعل دعوتيهما تتفقان جوهريا وتلتقيان عمليا، حيث إن الإسلامويين يدعون إلى ضرورة توحد كل المسلمين في العالم كله في إطار طائفي تؤطره "الخلافة الإسلامية الأممية" التي تنهض على العقيدة الإسلامية، وهو الدعوة نفسها التي دعا إليها دعاة القومية العربية التي تنادي بوحدة مقتصرة على الجنس العربي وحده دون بقية الأجناس الأخرى. هكذا فإن الهدف النهائي لكلتا الدعوتين هو الاستقواء على أعداء يوجدون خارج كل من الطائفة والعرق، فأصبح الشغل الشاغل لهاتين الدعوتين هو التآمر ليل نهار على كل من هو خارج الطائفة، أو القبيلة العربية(سيد القمني).
ورغم أن هذين التيارين يتفقان على إقصاء كل من هو خارج الطائفة الدينية أو القبيلة العربية، فقد عرف التاريخ الحديث للشرق الأوسط صراعات بينهما على السلطة، أدت إلى اتهام كل منهما للآخر بالخيانة والعمالة. وهذا ما يؤكد أن هذين التيارين يتفقان منهجيا بشكل عميق، حيث قام كل منهما بإخراج التيار الآخر المتصارع معه على السلطة من ساحة "المواطنة". هكذا، يتأكد كل واحد من التيارين يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، حيث لا مكان لمن يختلف معه، أو يعارضه فكريا، إذ يعتبره الإسلامي كافرا ومتآمرا مع المستشرقين، كما يعتبره القومجيون كافرا متآمرا تطبيعيا. ونظرا لتوهم كل منهما أنه يجسد الطهارة المطلقة ويمتلك الحقيقة المطلقة، فقد لجأ كل واحد منهما إلى فرض وصايته على الناس، ما انتهى إلى فرض ديكتاتورية شاملة على الجميع، حيث يقول حسن البنا: «إن من واجبنا كإخوان مسلمين العمل على إصلاح القلوب والعقول وإعادتها إلى طريق الله.» وهذا ما نجده عند مشيل عفلق الذي برر قسوة حزب البعث العراقي قائلا: "لأن تلك القسوة ليست ضد الناس، بل معهم لأنهم يجهلون هويتهم الكامنة فيهم؛ لذلك أصبح هدف السلطة القومية هو تغيير الشعب ليكتشف ويعي دوره التاريخي".
تبعا لذلك، فإن كل من التيارين يضع نفسه فوق الناس، حيث يعتبر أنه يقوم بواجب مقدس، أما أفراد الشعب. فهم يجهلون دورهم حسب ما هو مقرر في كل من الإديولوجية الإسلاموية والقومجية، حيث تنظران إليهم على أنهم في حاجة إلى الإصلاح عبر الوصاية الفوقية والهيمنة عليهم. ويقتضي إنجاز ذلك الاعتقال والتصفية الجسدية، ما يعد، في اعتقادهما، ضرورة لإنجاز المشروع الذي هو أكبر وأعظم من الأفراد وحقوقهم وتطلعاتهم. هكذا، يغدو طبيعيا أن تلغي هذه الوصاية التعدد والتنوع والاختلاف داخل المجتمعات، حيث يسعى كل من هذين إلى صهر الجميع في كتلة واحدة ووحيدة خالية من أي تمايز أو تعدد. لقد كان طبيعيّا أن تنفي هذه الوصاية أي شكل للتمايز أو التعدد داخل المجتمع. وبذلك جرى تعويض مفهوم "الشعب" بـكلمة "الجماهير" التي هي كلمة معنوية، وتم سحق المواطن الفرد.
نتيجة ذلك، يغدو ضروريا أن نتساءل: أين الوطن ومفهوم المواطنة لدى كلا التيارين؟ وأين المواطن؟  من المعلوم أن الإسلامويين يقسمون الدنيا إلى قسمين: حزب الله وحزب الشيطان. وهذا التقسيم يصنف البشر فقط، فأين الوطن؟ كما أن هؤلاء يقسمون الوطن إلى قسمين: دار الحرب، ودار السلام. ويعني هذا أن الإسلامويين لا يعترفون بوجود شعب واحد منسجم ومتجانس في وطن معين. حيث إن حزب الله يوجد بعضه داخل الوطن، ويوجد بعضه الآخر خارجه في أوطان متفرقة. كما أنه ليس هناك شعب واحد منسجم في وطن معين. وحزب الشيطان هو أيضا مجرد أفراد؛ بعضهم داخل الوطن، لأنه حزب غير المسلمين. ويعني هذا أنه لا يوجد وطن بالمعنى المتواضع عليه كونيا، حيث إن حدود الوطن قابلة للتوسع أو الانكماش حسب الظروف، كما لا يوجد شعب، وإنما توجد "أمة"؛ وهي مجرد كلمة معنوية فوق كل الأفراد، بل إنها أهم منهم جميعا. ويلجأ القوميون إلى تعويض مفهوم "الشعب" بكلمة "الجماهير"، ولها معنى معنوي مطلق لا يمكن تحديده، لأن ذلك سيبرز التنوع والتعدد والاختلاف بين من يدين بالإسلام ومن يدين بدين آخر، أو لا يدين بأي دين... لذلك يصبح الوطن هو «الوطن الأكبر» الذي يمكن أن يتمدَّد فيضم فجأة دولا أخرى..
وتضرب جذور هذه الرؤية للوطن ومعنى المواطنة في الجذور القديمة للقبيلة في الجزيرة العربية، حيث كانت هذه القبيلة لا تعرف معنى المواطنة، ولا معنى الوطن؛ فهي دوما متحركة بحثا عن الماء والكلأ والعشب، ما يعني أنه لم يكن لها وطن بعينه. لذلك، اخترعت هذه القبيلة شيئا معنويا تحمله معها في حلها وترحالها أطلقت عليه "الحمى" الذي ليس هو أرض، ولا تاريخ، ولا مواطنة، بل إنه معنى، ومن ثمة انتقلت هذه المفاهيم إلى كل من الفكر الإسلاموي والفكر القومجي، فأصبح الوطن مجرد معنى، وأصبحت للجماهير معنى ثالث يجمعها هو "الأمة" التي تم تقديسها ووضع مصلحتها فوق كل الأفراد، حتى ولو تطلب ذلك هدر حقوق الفرد وكرامته. وانسجاما مع هذا المنطق، أصبح طبيعيا أن يحتل صدام حسين الكويت ويجد من يسنده ويدعمه من القومجيين والإسلامويين. وهذا ما نعيشه حاليا مع حكام كل من إيران وتركيا والجزائر الذين يجسدون امتدادا ثقافيا وسياسيا لفكر القبيلة بمفهومها التقليدي، حيث نجد أن حكام هذه البدان يسعون اليوم إلى الهيمنة على بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وربما أفريقيا.
وخلاصة القول، إن القومجيين والإسلامويين يرفضون مفاهيم "الاختلاف" و"التعدد" و"التنوع" و"التمايز"، ما يعني أنهم يرفضون مفهوم "الفرد"، وبالتالي، مفهوم "الديمقراطية". إنهم، في عمقهم تيارات فاشية تضرب حقوق الإنسان جميعها، بما في ذلك حق الإنسان في أن يكون له وطن. لذلك، فمن كانت هذه هي ثقافته، فكيف يمكن أن يدافع عن حق الشعب الفلسطيني في أن يكون له وطن مستقل؟ كما أن هذا هو ما يفسر موقفهم المعادي لحصول المغرب على شرعية سيادته على صحرائه، الأمر الذي يؤكده انخراط هذين التيارين في المغرب في الدعاية ضد وطنهم ومناهضتهما لحقوقه المشروعة، حيث صارا مساندين لمواقف الجزائر وتركيا وإيران المعادية للمغرب، مما جعلهما مجرد كرسي متحرك من الخارج، ومسلوبي الإرادة.. وهذه هي قمة الغباء، إذ من العماء أن يضع الإنسان نفسه رهن إشارة الأجنبي، حيث يصير تابعا له يأتمر بأوامره. لعمري، تلك هي الخيانة!!
فضلا عن ذلك، إن هذا هو ما يفسر أيضا عداءهم لليهود المغاربة في المهجر، حيث يعملون على أن يقطعوا بينهم وبين وطنهم المغرب الذي يعشقونه ونذروا أنفسهم لخدمته. وبذلك، فهم يعبرون عن نزعتهم النازية المغلفة بالدين والقومية العربية القبلية الموغلة في نزعة عرقية متشددة.