الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

العيطة نموذجا.. تيمة الرقص والإستعراض في التراث الشعبي المغربي (2)

العيطة نموذجا.. تيمة الرقص والإستعراض في التراث الشعبي المغربي (2) مجموعة مخاليف الحوز في مشهد راقص استعراضي

تخص جريدة "أنفاس بريس" قرائها بحلقات جديدة في تيمة "العيطة الحوزية رقصا واستعراضا" والتي جاءت من إيحاء الأستاذة مهادي رحيمة عاشقة العيطة الحوزية من خلال التداول في الموضوع عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حيث نبهت مجموعة البحث خلال التداول في الرقص الشرقي، والدبكة الفلسطينية، والرقص الحجازي، والشامي، بأن الإستعراض، ومسرحة الغناء ليست ميزة الشرق فقط، بل العيطة الحوزية، هي إستعراض، ومسرحة للغناء، بطريقة تغاير الشكل المشرقي، لطبيعة الحضارة المغربية المتفردة.

 

لذلك كان تنبيه الأستاذة مهادي رحيمة منطلقا لمجموعة البحث (عبد العالي بلقايد وهشام متصدق ...) في الخوض في التعاطي مع التيمة أعلاه كمقدمة لبحث يتعاطى مع أشكال حضارية أخرى مستقبلا، طبعا كعشاق للعيط الحوزي خاصة، والمغربي بشكل عام.

لابد من التنويه، و توجيه الشكر للأستاذ مهادي رحيمي التي نبهتنا لهذه التيمة، لاكتسابها ثقافة موسيقية رائعة، لذلك نعتبرها شريكة لنا في هذا المجهود، إن تفضلت بقبول الدعوة، ما دام العمل تطوعي غايته التعريف بتراث محلي، نسعى من خلاله إرجاع الإهتمام بتراثنا اللامادي، لما له من دور في التنمية.

 

على سبيل التقديم:

تيمة الرقص المغربي من التيمات التي لازالت خارجة المقاربة التي لها غاية أنتربولوجية، أو "انتروميزيكولوجيا"، التي تتناول هذه الأشكال ضمن تعبيرات الموسيقى التقليدية للشعوب الأصيلة والتي أولتها مجموعة من الفعاليات الإهتمام العلمي والإعلامي، سواء كالموسيقى الصوفية الهندية أو الباكستانية، والتي أضحت مثار إهتمام ومتابعة عالمية.

تراث يمكن أن يلعب دورا مهما في الدبلوماسية الثقافية، وأن يكون كأداة للترويج للمصالح الحيوية للمغرب.

التراث المغربي هو عمقنا الحضاري والذي من خلاله نتعرف على مجموعة من الطقوس التي مارسناها في باكورة وجودنا الإجتماعي، لنحولها إلى التعبير الرمزي وإلى طقوس تمثيلية، لا تخلو من سحر ونفحات صوفية .

فالتعبير بالجسد في الرقص المغربي، له بعد تمثيلي يمارس الجدب، ويتحير للإرتقاء بالروح والصعود في مدارج النفحات الصوفية، وحين بلوغ القنة، والوصول إلى الإرتواء، يتم الرجوع إلى البداية بعد أن يكون المراد قد تحقق.

سؤالين لا بد من طرحهما هنا والآن :

ـ هل الطبيعة الإيقاعية، و الإحتفالية لكذا تراث هو ما جعل الإستعراض والرقص حاضر فيه بشكل لافت؟

ـ هل خصيصة الثقافة المغربية، وإن اتجهت نحو بناء ثقافة عالمة مع الأندلس ظلت ترسخ فرادتها عبر التمظهر الأيقوني، ذي الطبيعة المادية؟

لقد كانت العمارة واللباس، والرقص، والغناء الشعبي، والطقوس الفرجوية، من أبرز تمظهرات الثقافة المغربية، تراث شعبي، لم يستساغ من طرف القراءة التراثوية، التي سعت إلى إلغائه، لحيازة المجال وأشيائه حسب تعبير الأستاذ الخطيبي، شأن أنتربولوجيي الفترة الإستعمارية، الذين حاولوا في أحسن الأحوال التعامل معه بشكل غرائبي، وعجائبي.

فالفروسية حسبهم فانتازيا لناس يطلقون البارود في الهواء ، بدون فائدة، أو باعتباره فلكلورا يرون فيه ذاتهم التي كانوها ذات تاريخ.

كلا القراءتان إطلاقيتان، يغلب عليها التمركز الذاتي، الذي لا يرى الآخر إلا من خلال أناه، بل والأدهى، فحتى التي تدعي العلمية فهي غارقة في الميتافيزيقا، لتعاليها، ولا تتواضع بالنزول أرضا لفهم دلائل المجال، ومعانيه.

فكل أشكال الثقافة المغربية، ومنها الرقص، و الإستعراض، خاضع لقوانين و ميكانيزمات المجال، الذي هيكلته.

فالعيطة تخترقها الدراما / الإستعراض بشكل لافت، كما الرقص، شأن الكثير من الألوان المغربية ، سواء كانت أمازيغية ، أو عربية، أو إفريقية. كما تشترك جميعها في الرقص بالجسد، الذي يهيمن بشكل جلي في الجذب الجيلاني.. و استخدام الكفين، والقدمين، في كافة الألوان، باستثناء اللون الحمادي الذي يستعمل (الركز) بالقدمين على القعدة، كأداة دخيلة على الرقص المغربي، مع استثناء "حمادة بوشان" الذين أبعدوها من لونهم.

(كل الرقصات تحمل عنوانا يكون مستعارا من اللون التراثي، المتضمن فيها. الركبة، السيف، هوارة، الكدرة..)

للرقص المغربي شكلا ومضمونا يمتحه من البيئة التي ترعرع فيها، فهو محاكاة فنية لأشياء الطبيعة، وللأدوات التي يستعملها المغربي في حياته ( كدرة، السيف، أحواش، حمامة، شجرة، سنبلة، فرس، غزالة......)

إن المغربي يضفي على أشياء الطبيعة معاني الثقافة، لينتج حضارته في بعدها الفني لتكون إنتاج ذاتها، لا محاكاة غيرها.