الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

المصباحي في مدارات التهاني: أخشى أن يحتل الساحة كارهو الفلسفة ونعود القهقرى (1)

المصباحي في مدارات التهاني: أخشى أن يحتل الساحة كارهو الفلسفة ونعود القهقرى (1) الدكتور محمد المصباحي (يمينا) والإعلامي عبد الإله التهاني

افتتح معد ومقدم برنامج مدارات الزميل عبد الإله لقاءه التواصلي مع الدكتور محمد المصباحي بتقديم يليق بضيف برنامجه كقامة فكرية فلسفية ووجه بارز في البحث والفكر الفلسفي، حيث اعتبره كأحد المؤسسين للدرس الفلسفي في المغرب وعلى المستوى العربي أيضا.

فضلا على أنه تميز باجتهاداته العميقة في تاريخ الفلسفة الإسلامية أو اليونانية أو فلسفة الأنوار.

وأوضح الإعلامي عبد الإله التهاني بأن الدكتور محمد المصباحي يعتبر عضوا فعالا في العديد من الهيئات الفكرية المختصة في الفكر الفلسفي، على اعتبار أن إنتاجاته الفكرية الغزيرة تتمثل في إصداراته المتنوعة مثل عناوين كتبه "إشكالية العقل عند ابن رشد" و "الوحدة والوجود عند ابن رشد" و "من أجل حداثة متعددة الأصوات" و "فلسفة ابن رشد" و "فلسفة ابن سينا" و "إشكالية العقل عند ابن رشد" و "الوجه الآخر في حداثة ابن رشد"...

في مستهل حديثه هنئ الدكتور محمد المصباحي الزميل التهاني على الانتشار الواسع لبرنامج مدارات ونجاحاته التوثيقية كمهمة شريفة ونبيلة مؤكدا على برنامجه "سيصبح ذاكرة صوتية للإنتاج الثقافي المغربي".

عن سؤال المدرسة المغربية و أعلام الفكر الفلسفي المغربي على مستوى الدرس الفلسفي قال ضيف مدارات "في الحقيقة لا نستطيع أن نتكلم عن مدرسة بالمعنى الاصطلاحي للكلمة" على اعتبار أن "أعلام الفلسفة المغربية ينهلون من مشارب مختلفة... ويقصدون غايات مختلفة"، وأضاف الأستاذ المصباحي موضحا بأن "الفكر المغربي كان يتحرك منفصلا بعضه عن بعض" كما لاحظ ابن خلدون

وتحدث عن الجيل الأول (رائدة هو المفكر الحبابي) الذي اهتم بقضايا كبرى كالوجود والحرية..وجاء من بعده آخرين اهتموا بالقضايا الإيديولوجية..والإجابة عن سؤال كيف نبني ذاتنا، الذي كان يقتضي حل مسألة العلاقة بين التراث والحداثة؟ (التحرر المزدوج من الغير الذي يمثله الغرب والآخر الذي يمثله التراث). حيث اعتبر الأستاذ المصباحي أن "المغرب مصدرا للأفكار والمواقف الفلسفية".

وتطرق في سياق حديثه عن الجيل الثاني من أعلام الفلسفة (سعيد بن سعيد، سبيلا، وقيدي...وغيرهم قائلا: "..لا يجمعه خيط ناظم، وإن كان الهم الإصلاحي حاضرا في أعماله". أما بخصوص الجيل الثالث فكان "الهم هو الإصلاح" حيث انتصب سؤال العلاقة بين التراث والمعاصرة والشعور بضرورة القطيعة مع قيم الحداثة.."ما يهم هو فهم التراث الحداثي"، وبخصوص الجيل الرابع فقد "نوع اهتماماته بعيدا عن إشكالية التراث، وتطعيم الحداثة، ووجه انتباهه إلى الفلسفة العالمية"

وعن سؤال انكسار حلم اليسار في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، وعودة الفكر الفلسفي في جو من المد التحرري من الاستعمار، حيث حل محله المد الأصولي بأنواعه الدينية والإثنية مع طغيان العولمة والابتذال أجاب المصباحي قائلا: " أخشى أن يحتل الساحة كارهو الفلسفة ونعود القهقرى.."

في سياق ملامسة محمد المصباحي لآثار الفكر الرشدي العقلاني أفاد ضيف برنامج حوار في الثقافة والمجتمع أن الشيء الذي ما حركه للكتابة في ابن رشد هو "مطلب العقلانية، لم تكن غايتي الدفاع عن التوفيق بين العقل والنقل" على اعتبار أن " الإنسان عاقل، ويملك الفعل العقلي...والعقل كان هو المجال المشترك بين الإنسان والوجود" وفسر بأن "اكتشاف الذات المفكرة، يكون في معمعة التفكير في الوجود" لأن "الوجود هو الذي يؤسس للعقل".

وعن سؤال فكر شخصية الفيلسوف ابن رشد التي مازالت تثير اهتمام الجامعة ومراكز البحث في العالم العربي و الغربي أكد المصباحي بقوله "ابن رشد يحتل مرة تلوى الأخرى مكانة مرموقة في الغرب، وهناك عدة مؤسسات تعنى بتحقيق التراث الرشدي (اللاتيني والعبري) وتترجمه إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية"، وشدد على أن هناك "علماء متخصصين في دراسة الفكر الرشدي، لأنه كان حاضرا منذ القرن 13 في أوروبا"

الدليل في هذه المرافعة الفلسفية حسب الدكتور المصباحي هو إعجاب بعض الباحثين الفرنسيين بابن رشد لأنه "تصدر قائمة الذين قاموا بالثورة الكوبيرنيكية، وظل مؤثرا إلى حدود القرن 17 "، وأضاف موضحا بأن "ظاهرة اختفاء وظهور ابن رشد في الثقافة الغربية راجع بالأساس إلى علاقة الذات الغربية بابن رشد" حيث يفسر ذلك انطلاقا من التحليل النفسي بالقول: "...الغرابة المقلقة في التحليل النفسي إلى شيء يبقى سرا في الظل...ليطهر في العلن ويحدث ذعرا لدى الفرد...لأنه كان مألوفا وتم قمعه..رجوع المكبوت الذي كان مألوفا وصار غريبا " أي أن ابن رشد "كان مؤثرا في الذات الفلسفية الغربية وتم إقصائها وكبتها ، وتأبى أن تنفلت من اللاشعور وتحدث قلقا في الذات الغربية".

وأشار ضيف مدارات إلى أن هناك تيارات مضادة للرشدية "كان ابن رشد شخصا غير مرغوب فيه في الثقافة الغربية، وتعرض لحملات امتدت طوال قرون، لكنه كان يظهر ويختفي بين الحين والآخر"

وعن قراءاته التفكيكية لنصوص ابن رشد ذكر الصمباحي بأن"هذه المعاناة مع النص الرشدي كنت أكابدها عندما كنت أحرر إشكالية العقل عند ابن رشد"، حيث "لاح لي حدس استولى علي على مستوى مقارنة البنية الثلاثية (العقول الرشدية) الأنا / الهو /الأنا الأعلى.

واعتبر المفكر محمد المصباحي أن "كتابات ابن رشد مازالت حاضرة لأن المتن الرشدي مازال بكرا، ويتطلب دراسات" مستحضرا في نفس الوقت بأن المفكر "ابن رشد قد تعرض "مشروعه لنكبة (حرق كتبه)"

في حديثه عن ابن رشد قال محمد المصباحي "ابن رشد كان من الشخصيات الأساسية في تكوين الفكر العربي في القرون الوسطى، وترجمة أعماله إلى اللغة العبرية (الحرف العبري)" على اعتبار يؤكد المصباحي أن "الثقافة العبرية استقبلت بن رشد لأنه كان ينير لها الكثير من الأسئلة سواء في العقيدة أو الفلسفة" وأوضح في هذا السياق بأنه "لا يعلم كثيرا عن المدارس الرشدية العبرية ولكنه يعلم أن هناك ترجمات لنصوص ابن رشد"

وبأسف يوضح ضيف مدارات قائلا: " في بلدنا يبدوا أننا لم نكن قادرين على مواجهة العقل واحتضانه، كنا نخاف من العقل، ربما هذا الخوف مازال مستمرا..لم نعطي للعقل ذلك الحضور في ثقافتنا لكي نعيد النظر في مجمل ما نحن عليه حتى نستطيع الإلتحاق بركب الحضارة الحديثة وتحدي رهاناتها وحل معضلاتها "

أما بخصوص الربط بين الفلسفة ووظيفة التنوير على مستوى كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" يعتبر المصباحي كتابه " رد ضد الموقف الذي يجعل من الحداثة صوتا واحدا، وبأن العقل واحد يجب أن يفرض على جميع الحضارات من أجل توحيد الإنسانية وفرض تصور واحد وقوي للعقلانية على الثقافات الأخرى". وفي هذا الإطار يوضح بأن "لكل ثقافة تنويرها وعقلانيتها"، لذلك "تخلى عن المفهوم التقليدي للحداثة وتبنيت المفهوم المتعدد للحداثة دون أن نعقد البوصلة/ العقل"، مؤكدا على أن كتابه "يفتح الباب أمام عقلانية مكيفة مع متطلبات وضعنا الاجتماعي والتاريخي"

وعن مفهوم الذات أفاد الأستاذ المصباحي "القول بأن للموجودات ذات تخصها، بمعنى أن لها فعل مستقل.. فالنار لها فعل الحرق، والإنسان له فعل التعقل، والماء له فعل الإخصاب" وأضاف بأن "ما يميز الذات بخلاف الوجود أنها خفية ولا يدركها إلا العقل البشري..العقل هو ماهية الإنسان وهو ذات الإنسان"