Tuesday 8 July 2025
مجتمع

القضاء يدين مصحة للأطفال ويحكم عليها بـ 100 مليون بسبب استئصال خاطئ لخصية طفل

القضاء يدين مصحة للأطفال ويحكم عليها بـ 100 مليون بسبب استئصال خاطئ لخصية طفل صورة من الأرشيف

يحس ابنك، البالغ من العمر سبع سنوات، بمغص شديد على مستوى جهازه التناسلي.. الساعة تشير إلى منتصف الليل، تحاول تهدئته، لكن بكاءه يرتفع مع ازدياد الألم. تخرج وإياه تبحث عن سيارة أجرة، تطلب من السائق أن يزيد من سرعة السير، ودون أن تغلق باب سيارة الأجرة تنزل مسرعا نحو مصحة للأطفال في مركز المدينة، تؤكد لك الطبيبة بعد فحص ظاهري لجهاز الطفل التناسلي أن الأمر مجرد التهاب، وتصف بعض الأدوية، لتكتشف في الأخير أن الطبيبة أخطأت في الفحص إلى درجة استئصال إحدى الخصيتين، فماذا كان موقف القضاء في هذه الحالة؟

 

بين مارس 2016 وشتنبر 2020، أربع سنوات ونصف هي فترة التقاضي في ملف حمزة داخل المحكمة المدنية، 65 جلسة انعقدت، ملف أطرافه مصحة خاصة للأطفال مدعى عليها رفقة شركة للتأمينات إضافة إلى طبيبة، وأب مدعي ينوب عن والده.. أربع سنوات ونصف من الخبرة والخبرة المضادة، ومهما كان الحكم فإن النتيجة هو أن حمزة فقد وظيفة جهازه التناسلي بسبب خطأ طبي..

 

تعود وقائع هذا الملف لشهر مارس من سنة 2016، حيث أحس حمزة بألم والتهاب على مستوى جهازه التناسلي، وتوجه به والده إلى مصحة للأطفال بمركز المدينة، أجرت له الطبيبة فحوصات طبية مؤكدة للوالد بأن الأمر مجرد التهاب واصفة له مجموعة من الأدوية، وبالرغم من اتباعه للنصائح الطبية إلا أنه ظل يحس بنفس الألم، بل ازدادت حدته أكثر.. وأمام هذا الوضع اضطر الأب إلى فحصه مرة ثانية بالمستشفى الجامعي للمدينة، وبعد الفحوصات تبين أن ابنه حمزة مصاب بإحدى خصيتيه، فضلا عن كون الأطباء الذين أشرفوا على علاج الطفل القاصر أكدوا له أنه بالإمكان معالجة هذا الالتهاب بواسطة الأدوية بعد مرور ست ساعات من الإحساس بالألم، وهو ما لم تقم به الطبيبة، وأنه بعدم تشخيص هذا الالتهاب في وقته ووصف العلاج الملائم له فقد تمت إزالة الخصية اليسرى للطفل بينما اليمنى تم تثبيتها في مكانها، وأن عدم تشخيص المرض ووصف الدواء المناسب له في وقته يشكل خطأ طبيا تتحمل مسؤوليته الطبيبة وكذا مصحة الأطفال.. والتمس الأب تحميل الطبيبة والمصحة كامل مسؤولية الخطأ الطبي المتمثل في إزالة الخصية اليسرى للقاصر الضحية، وإحالته على خبرة طبية لتحديد مخلفات التدخل الطبي.

 

دفاع المصحة الخاصة أكد في مذكرته أن الطبيبة تتوفر على عيادة خاصة بها وبأنها ليست طبيبة قارة بالمصحة، بل تتردد عليها من حين لآخر من أجل القيام بالتطبيب والعلاج بكل استقلالية، وبأن الوصفة الطبية أنجزت بعيادتها وليس بالمصحة، وبأن التعفن الذي أصاب الطفل طرأ بعد أن توقف عن العلاج وبعد إجراء كل الفحوصات، وبالتالي لامسؤولية تتحملها المصحة مادامت مسؤولية الطبيبة منعدمة.

 

من جهته أكد دفاع الطبيبة بأن هذه الأخيرة قامت بواجبها في فحص الطفل من أجل مغص في البطن وتقيؤ لا أقل ولا أكثر، وبالرغم من ذلك فقد فحصت خصيتي الطفل واللتين لم يكن بهما أي ألم وقت الفحص؛ وللزيادة في التأكد أمرت بإجراء فحص بالصدى على الخصيتين، وهو الشيء الذي وقع بناء على طلبها، والذي تبين من خلاله أن الخصيتين ليس بهما أي ضرر باطني واضح، وأن حجمهما عادي وصورتهما عادية، ولم يكن بهما أي علامة توحي بوجود تعفن بالخصية اليسرى للطفل حسب الفحص بالصدى. وأضاف الدفاع أن تقرير المستشفى الجامعي أعطى تحليلا لحالة المريض أزيلت مله إحدى الخصيتين بسبب تعفنها والتهابها وإمكانية بقائها.

 

توالت المذكرات التعقيبية بين هذا الطرف وذاك، إلى أن قررت المحكمة اللجوء إلى خبرة طبية ينجزها خبير محلف، وكانت نتيجتها وجود علاقة سببية بين الخطأ الطبي والضرر، محددا مخلفات الحادث في العجز الكلي المؤقت بنسبة مائة بالمائة، مع نسبة تشويه الخلقة، وهو ما سيكون له تأثير على الحالة النفسية للطفل، إضافة إلى نسبة 40 في المائة من العجز الجزئي الدائم، ولم ترق هذه النتائج من الخبرة الأطراف المدعى عليها، ملتمسة استبعادها وإجراء خبرة مضادة.

 

في حيثياتها ذكرت المحكمة أن التزام الطبيب تجاه زبونه هو التزام عناية الرجل المتبصر حي الضمير وأن يسلك في ذلك مسلك الطبيب اليقظ من نفس مستواه المهني الموجود في نفس الظروف المحيطة به في هذه النازلة، وأن أي تقصير أو إهمال منه منافي للأصول العلمية الثابتة في علم الطب والظروف المحيطة به يكون مسؤولا عنه ويرتب التعويض عن ما سببه من ضرر.

 

واعتمدت المحكمة على الخبرة الطبية التي خلصت إلى أن العلاج الذي قامت به الطبيبة كان علاجا للأمراض السريرية، وكان عليها فحص الأعضاء التناسلية للطفل، وإن تطلب الأمر فحوصات لازمة سواء بالأشعة أو الفحوصات البيولوجية، وأحيانا فتح البطن والتأكد من خلوه من أي مشكل جراحي، ومن ثم فإن الفحص الذي أجري على الضحية لم يكن كافيا وتحققت العلاقة السببية بين الخطأ الطبي والضرر.

 

وبالنسبة للأضرار، جاء في قرار المحكمة أن التعويض يجب أن يكون بحجم الضرر، وبأنه بالرجوع إلى الجزء المستأصل من جسم الضحية يتبين أنه من بين أهم الأعضاء باعتباره المسؤول عن خلايا الحيوانات المنوية وهرمون التستوسترون وما قد يصاحب ذلك من تأثير على القدرة على الإنجاب مستقبلا، ناهيك عن الضرر النفسي الذي سيشعره بإحساسه بالدونية بسبب عدم اكتمال رجولته.

 

وبخصوص العلاقة بين الطبيبة والمصحة، أكدت المحكمة أنه رغم عدم وجود علاقة نظامية بينهما، فإن الطبيبة قامت بفحص زبونها بالمصحة المذكورة مستعملة بذلك التجهيزات الموجودة بها وغرفة الفحص، ومن ثم فإن مصحة الطبيبة تبقى مسؤولة عما ارتكبته الطبيبة الزائرة لديها.

 

من خلال كل الحيثيات المذكورة، حكمت المحكمة بتحميل المدعى عليها مصحة الأطفال مسؤولية الخطأ الطبي من طرف الطبيبة، والحكم للضحية بتعويض مدني إجمالي قدره مليون درهم.