الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

هشام اشمارخ: ثلاثة عيوب موجبة لإمكانية الطعن في قرار منع التنقل من وإلى المدن

هشام اشمارخ: ثلاثة عيوب موجبة لإمكانية الطعن في قرار منع التنقل من وإلى المدن هشام اشمارخ

يا هـمـومـي أخـفـضي صـوتـك قليلا...

لا أريـد أن يـسمـعك أحـد غـيـري...

أرجوك لا تـفـضـحـي كـذبـي..

فـأنـا أقـول دائما أنني بخير...

... "السلطة هي من يصنع القانون، لكن شريطة أن تتآخى مع الضمير"...

 

قد يقول قائل إنه عمل من أعمال السيادة، علما أن هذه الأخيرة مرتبطة بالدستور، لأن الأصل فيها الحفاظ على الأمن والسلامة، وليس خلق الارتباك والهلع في المواطنين، كما هو ظاهر مما خلفه القرار المشترك لوزارتي الداخلية والصحة المتخذ بتاريخ: 26 يوليوز 2020 والقاضي بمنع التنقل من وإلى مجموعة من المدن.

 

قبل البدء في ذكر بعض أسباب الطعن الممكنة، حبذا لو صدر بلاغ أو قرار عن الوزارتين أعلاه يتم  من خلاله الإعلان عن التراجع عما جاء به القرار موضوع النقاش، أو على الأقل الاعتراف بالخطأ والاعتذار للشعب المغربي، حتى يسترد جزءا من كرامته، لأنه بهذا الاعتراف والاعتذار تظهر حكمة  وشجاعة الأشخاص.

 

إنه وتبعا لما يشكله القرار المذكور من تجاوز في استعمال السلطة، لما خلفه من آثار سلبية على الملزمين به،  فإنه يبقى لزاما  الطعن فيه بالإلغاء، (القرار المشترك لوزيري الداخلية والصحة بتاريخ: 26 يوليوز 2020 بمنع التنقل من والى مجموعة من المدن)، وذلك بصريح القانون، كما هو مبين من خلال المادة 20 من القانون 41/90 والفصل 118 من دستور المملكة المغربية. وبهذا، وحسب رأيي المتواضع، فهناك عدة موجبات للطعن، وهي كالتالي:

 

أولا، عيب الشكل:

يتوجب يأتي القرار وفقا لمجموعة من الإجراءات التي يجب احترامها قبل صدوره، وعلى الشكل الذي حدده له القانون، (دون التحجج بان حالة الطوارئ تقتضي السرعة في اتخاد القرارات) لا أن يأتي مرتبكا ولا يفصل بين تاريخ الإعلان عنه وتاريخ تنفيذه إلا سويعات قليلة، وذلك حتى تتأتى الفرصة للملزمين به من أجل اتخاد الاحتياطات اللازمة، لا أن يصابوا بالهلع والخوف والتسابق نحو الظفر بوسيلة نقل تقلهم حيث يرغبون، أخذا بعين الاعتبار أن التسريع في اتخاذ هذا القرار الفجائي وتنفيذه قد أدى إلى حدوث العديد من السرقات وحوادث السير، وهو ما أضر بالملزمين بالقرار المذكور وتعريض حياتهم للخطر.

 

ثانيا، عيب مخالفة القانون:

بالنظر إلى تاريخ الإعلان عن القرار وتاريخ الاجبار على تنفيذه والزمن الذي صدر خلاله (عيد الأضحى)، يتأكد أنه أتى خارقا لنص قانون حالة الطوارئ الصحية نفسه، مادام هذا الأخير غايته الحد من تفشي كوفيد 19، وأيضا مخالفا للمبادئ التي جاء بها دستور المملكة، خاصة الفقرة الثانية من الفصل 22 منه؛ والحال أن ما خلفه القرار الحالي قد أدى إلى التزاحم والتلاحم بين كل المسافرين، وفي ذلك خرق للقانون أعلاه.

 

ثالثا، عيب الانحراف في استعمال السلطة:

ذلك أن  اتخاد القرار موضوع النقاش فيه حياد عن تحقيق المصلحة العامة، بل مضرا بها، وبالتالي يبقى بعيدا عن الغاية والهدف الذي حدده القانون، حيث أن الارتباك الذي حصل للملزمين به قد تسبب في عدة تجمعات، وهو ما يجعل أمر تفشي وانتقال فيروس كورونا ممكنا، خاصة أمام الازدحام الذي حدث بمحطات نقل المسافرين، لذلك يتأكد أن القرار اتى مشوبا بعيب الانحراف في استعمال السلطة، وبهذا يبقى الطعن فيه لهذه العلة مؤسسا، أخذا بعين الاعتبار أن الجهة المصدرة للقرار تعلم بأن عيد الأضحى على الأبواب.

 

وهذا كله شكل تجاوزا في استعمال السلطة، وسبب ضررا للملزمين بالقرار أعلاه،  وبالتالي لا ضير في الطعن فيه بالإلغاء أمام الجهة الإدارية المختصة، علما أن كل من تضرر من هذا القرار الارتجالي له الحق في مقاضاة الجهة المصدرة له، لأنها السبب فيما حصل، وبالتالي تتحمل كامل المسؤولية عما لحق المواطنين من أضرار، إذ كان لزاما أن يتم تأجيل تنفيد القرار تفاديا لما خلقه من كوارث.

 

هذا وقد قيل بأن السلطة تفضح الأخلاق، لذلك قال مونتيسكيو قولته الشهيرة "إذا أردت أن تعرف أخلاق رجلٍ فضع السلطة في يده ثم انظر كيف يتصرّف".

 

فضلا عن ذلك فقد تناول عدد من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة موضوع تفشي كوفيد 19 وعنه كتبوا الآتي:

"لا يجب أبدًا استخدام حالة الطوارئ المعلنة، بسبب تفشي فيروس كورونا كعذر لاستهداف مجموعات أو أقليات أو أفراد معينين، ولا يجب أبدًا أن تشكّل غطاء لعمل قمعي بحجّة حماية الصحة، أو أن تُستخدم لعرقلة عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، كما يجب أن تُعتَمَد القيود المفروضة للتصدّي للفيروس على أساس أهداف الصحة العامة المشروعة، لا أن تُستَخدَم بكلّ بساطة للقمع..."

 

وعلى هذا الأساس يرى (كينيث روث)، المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش، أنه: "يجب على الحكومات تجنب القيود الشاملة والواسعة بشكل مفرط على الحركة والحرية الشخصية، والاعتماد على التباعد الاجتماعي الطوعي، وفرض القيود الإلزامية فقط عندما يكون ذلك مبرراً وضرورياً وعلمياً".

 

- هشام اشمارخ، محام بهيئة المحامين بالدار البيضاء