الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: الفقيدان اليوسفي والباهي كانا مدرسة واحدة في الصحافة الاتحادية والمغربية

يوسف لهلالي:  الفقيدان اليوسفي والباهي كانا مدرسة واحدة في الصحافة الاتحادية والمغربية يوسف لهلالي
رحل سي عبد الرحمان اليوسفي أسبوعين قبل ان يحتفي بالذكرى 24 لرحيل أستاذ الصحافة المغربية والعربية محمد حرمة باهي، لهذا فان الذكرى هذه السنة كانت يتيمة بهذا الغياب الكبير. فقد كان يقترح، يتابع ويعمل على إنجاح هذه الذكرى من خلال مساهماته ومتابعته لها، كان يعتبر حلقة باهي هو استمرار لذاكرة هذا الرجل وهي حلقة تجمع رفاقه وأصدقاءه وكذلك القراء الذين عرفوا الباهي من خلال كتاباته وأعماله في جريدة الاتحاد الاشتراكي دون ان تتاح لهم فرصة التعرف عليه بشكل مباشر. خاصة ان باهي لم يكن صحفيا عاديا فقد كان أديبا ومفكرا وكاتبا وصحافيا ومناضلا لها رؤية حول العالم الذي نعيش به.
الرجلان اليوسفي وباهي جمعتهما المقاومة من اجل تحرير المغرب من الاحتلال الفرنسي والاسباني، احدهما قادم من شمال البلاد من طنجة وأسس للمقاومة بالدار البيضاء بالحي المحمدي بزمدن الشمال والأخر من جنوبها من موريتانيا بشنغيط بالضبط، والتحق بجيش التحرير بالجنوب قبل ان يصل الى الرباط ويختار الجنسية المغربية بعد انفصال هذا القطر عن المغرب.
وجمعهما هدف واحد تحرير المملكة ووحدتها الترابية، في عهد الاستقلال، سوف ينتقلان الى العمل السياسي والعمل الصحفي بجريدة العلم قبل تأسيس جريدة التحرير التي كانت لسان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والتي كان اليوسفي رئيس تحريرها والباهي من كبار صحفييها ومراسلا في عدد من المناطق وفي الجزائر.
في سنوات المنفى سوف يكرس سي عبد الرحمان اليوسفي حياته للعمل الحقوقي بالمغرب والعالم العربي، اما محمد حرمة باهي فقد كان هوسه بالصحافة هو الذي دفعه الى المساهمة في التجربة الصحفية بالمغرب ما بعد الاستقلال في جريدتي العلم والتحرير بعد ان ترك بندقية جيش التحرير جانبا. لينتقل بعدها الى الجزائر ليساهم أيضا في خلق نواة الصحافة هناك سواء بجريدة الشعب أوالمجاهد التي سيصبح مراسلا لها. وذلك بعد ان رافق جيش تحرير الجزائري من وجدة نحو الجارة كمراسل لجريدة التحرير.
وتجربتة في عالم الاعلام طويلة بدأت من عمله في إذاعة سان لوي بالسنغال، ليعمل بعد ذلك في المغرب بجريدتي العالم والتحرير. لينتقل الى الجزائر ويساهم في تأسيس جريدتي الشعب والمجاهد. واختار في سنوات الرصاص التي شهدها المغرب الحياة في المنفى ليعود الى المغرب في نفس الفترة التي عاد فيها اليوسفي وهي سنة 1981.
وهو ما جعله يعيش وينتقل بين عدد من البلدان منها الجزائر وفرنسا وسوريا و ولبنان والعراق والأردن ويرافق حركة التحرير الفلسطينية، لكنه استمر في عمله بالصحافة سواء المغربية او الصحافة العربية بل أحيانا كان يعمل مع عدة جرائد في نفس الوقت، وعاد من المنفى الى المغرب سنة 1982 بعد العفو الجزئي الذي أصدره المغرب آنذاك ،لكن احتفظ بإقامته في باريس.
الباهي اليوم من خلال الاعمال التي نشرتها حلقة أصدقائه، سواء كتاب موسوعة حول " الصحراء"، ورسالة باريس،يموت الحالم ولا يموت الحلم " والتي قدمت بمناسبة الذكرى 20 بالرباط في السادس من يونيو 2016 وذلك بحضور سي عبد الرحمان اليوسفي التي قال حولها " هذا خبر سار وعمل حبار، وانجازه يمكن ان يكفر عنا بعض الدين علينا جميعا لدى الباهي، الذي اصفه باستمرار انه شخص لا يعوض." (رسالة باريس ص 6 الجزء الأول) والعديد من الأصدقاء والمقربين من المغرب ومن الخارج حضروا هذا اللقاء. وهذا العمل قام به الأستاذ عباس بودرقة احد مؤسسي الحلقة وهو استجابة لنداء الروائي العربي كبير عبد الرحمن مونيف الذي الح عليه بتجميع اعمال الباهي وقال له ، "ليكون هذا التراث درسا في الفكر والصحافة والأب للأجيال. ومثلما ان الباهي انسانا كبيرا في حياته، فسوف يشمخ ويكبر اكثر حين نكتشفه من جديد ".
والأعمال القادمة التي ستقدمها الحلقة، منها ترجمة بعض اعماله نحو الفرنسية وهو كتاب "اكتشاف باريس" الذي نشرته الحلقة بتعاون مع مجلس الهجرة، والتي نشرها في حلقات في مجلة اليوم السابع التي كانت تصدر بباريس.
وكذلك اهتمام باحثين شباب بأعماله مثل الدكتور الطيب بياض والطالب الباحث حسنا شهيد.
بفضل الاعمال التي قامت بها الحلقة وأعضاؤها وخاصة الأستاذ عباس بودرقة الذي كرس وقته لجمع والحفاظ على الوثائق الحركة الاتحادية خاصة في الخارج. و لعب دورا أساسيا في الحفاظ على هذه الذاكرة والأعمال وطبع بعضها. وكذلك جريدة الاتحاد الاشتراكي التي منحت هذا الأرشيف ووضعته رهن إشارة الحلقة. بتظافر هذه الجهود كلها أصبحت اعمال باهي ومساهماته معروفة لدى القراء خاصة الشباب منهم.
"جميع الأصدقاء يعرفون هذا الوفاء وهذه الصداقة والنضال الذي كان يجمع الرجلين في المنفى وبعد ذلك،و عمق هذه الصداقة التي لم تتآكل رغم مرور الزمن، هو الذي جعل الراحل سي عبد الرحمان يعطي أهمية خاصة لذكرى محمد باهي". يقول عبد الحفيظ امزيغ رئيس هذه الحلقة.
وأضاف في تصريح للجريدة "ان سي عبد الرحمان لم يبخل علينا بنصائحه السديدة. لقد كان اليوسفي أحد رفاق درب الباهي بالمغرب وفي المنافى. وقد خلقت هذه المعاشرة الطويلة علاقات خاصة بين الرجلين."
عمق الروابط بين الرجلين عكسها التأبين الاستثنائي الذي قام به سي عبد الرحمان اليوسفي لصديقه، حين قال عنه اثناء تأبينه في كلمة مؤثرة بتاريخ 7 يونيو 1996 بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء "كنت خير من جسد نضال المغرب من اجل استقلاله ووحدة ترابه وتحرير انسانه ودمقرطة مؤسساته" وهي كلها كلمات لها معنى عميق في مسار هذا الرجل، والأستاذ اليوسفي كان يعرف اختيارها في حق هذا الرجل وأضاف في في نفس السياق " صدقوا من وصفوك بالموسوعة المتنقلة، حيث اعجبوا مما كنت تختزنه من ثقافة بلا حدود،ومن خبرة نادرة مشهود لها في مختلف المجالات، وكانت من انشغالاتك الأخيرة وأنت على فراش العلاج في الأيام الأخيرة،إتمام باستعجال "الكتاب الموسوعة " حول صحرائنا الغالية."
"أصبحت في ذهن الجميع، نتيجة لإيداعاتك ونضالك خلال الاربعة عقود الماضية، أصبحت بمثابة مؤسسة فكرية دائمة، تشتغل بدون انقطاع، وفي مختلف الظروف من اجل تثقيف وتوعية المناضلين،بل تحولت الى منارة شامحة تنير وتنعش الرأي العام الوطني، المغاربي والعربي." ( احاديث فيما جرى الصفحة 303)
وأضاف سي عبد الرحمان، في وصفه لدور الإعلامي للباهي بالقول " انك تذكرني بأجدادك المرابطين،فبمثلهم غزوت قلوب مواطنيك وأصبحت قدوة حضرية في عيونهم، وساهمت بإخلاص وحماس في تطويرهم ورفعت من شأن بلادهم، سواء في المغرب العربي او في اوربا،جزاك الله خيرا عن شعبك وأمتك وستحتفظ ذاكرة المغرب بأيديك البيضاء، وبمساهمتك الثمينة في انعاش الاعلام،والتواصل والثقافة والفن."
هكذا كان يرى سي عبد الرحمان عمل سي محمد باهي الصحفي وفي دوره الثقافي والتواصلي. لقد قدر لسي عبد الرحمان ان يفارقنا ويفارق اهله وأحبابه دون ان يتتبع كما جرت عادته هذه الذكرى الغالية عنده ،ليلتحق بمحبوبنا الباهي، فبشره اننا مازلنا على الطريق.