الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد سالم عبد الفتاح: ولد أحمد..العذر الأقبح من الزلة..

محمد سالم عبد الفتاح: ولد أحمد..العذر الأقبح من الزلة..
 
تابعت الرد المطول الذي سجله القيادي الديناصوري البارز في البوليساريو، أمين صندوقها ومؤرخها، محمد لمين أحمد، على حملة الاستنكار الشعبية الكبيرة التي شهدتها الساحة الصحراوية بسبب خرجته الإعلامية السابقة غير الموفقة على تلفزيون الجبهة الرسمي، حيث حاول حينها تبرئة نفسه من الاتهامات التي وجهت إليه من طرف رفاقه السابقين في مرحلة التأسيس، وضحايا ممارساته القمعية الطائشة، والذين نعتوه بالانقلابي والخائن، وسردوا تفاصيل تزعمه للمحاولة الانقلابية التي أطاحت بالولي مصطفى السيد، وأزاحته عن دفة البوليساريو لمدة قصيرة.
ولد أحمد في خرجته الأخيرة عبر فيديو مباشر بفيسبوك، أشاد بالأدوار المحورية التي لعبها الزعيم الأسبق للبوليساريو. في محاولة لتصحيح أخطاءه الكارثية التي ارتكبها في لقائه التلفزيوني السابق، في مقدمة تلك الأخطاء تجاهله وتقزيمه لدور الولي مصطفى السيد أثناء تبريره للانقلاب الذي تزعمه ضده، حيث حاول القفز على الأدوار المحورية التي اضطلع بها الولي وتزكية نفسه بادعاء أدوار هامة لعبها بحسب زعمه، في ما يشبه حملة انتخابية بدون أوان، مؤكدا أن الجبهة كانت تعيش على وقع الفوضى وأنها تسير بدون رأس، الأمر الذي اضطر الولي مصطفى السيد إلى التنازل له عن زعامة البوليساريو بحسب ادعائه دائما.
دعاية سياسية سمجة، سرعان ما كذبها العديد من الشهود العيان على تلك الحقبة، الذين استفزهم التزوير المفضوح الذي عكف عليه من يفتر ض أنه المكلف بالإشراف على تدوين تاريخ البوليساريو، من الشهود العيان الذين عايشوا تلك المرحلة، والذين تصدوا للرد على ولد أحمد شخصيات سياسية هامة معروفة بمواقفها المعارضة للبوليساريو، وآخرون اضطروا للظهور والخروج بتصريحات للمرة الأولى، معبرين عن استنكارهم الشديد لما ورد على لسان ولد أحمد.
قائد المحاولة الانقلابية الأولى في تاريخ البوليساريو، لم يستطع الإجابة على العديد من الاتهامات التي وجِّهت إليه بشكل صريح، في خرجته الأخيرة، في مقدمتها تزعمه للانقلاب، وتورطه في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي طالت أعضاء اللجنة العسكرية، ضمن الحملة الانتقامية التي شنتها اللجنة التنفيذية بزعامته شخصيا آنذاك في حقهم، بسبب وقوفهم الى جانب الولي مصطفى السيد، والتي شهدت الى جانب الاعتقال والتعذيب خارج القانون، تصفيات جسدية شملت للعديد منهم.
ضمن التفاصيل سجل ولد أحمد العديد من الاعترافات بخصوص ارتباط الحركة الجنينة بالدولة المغربية، وبالدوائر المقربة منها، حيث أقر باتصالات أعضاءها الذين ينتمون في معظمهم إلى مدينة طانطان بداية سبعينيات القرن الماضي بشخصيات مغربية هامة، من ضمنها زعيم حزب الاستقلال الأسبق علال الفاسي، بهدف طلب الدعم والتنسيق لتحرير الصحراء الغربية المستعمرة الاسبانية آنذاك، لكنه لم يتجرأ على توضيح الصفة التي قدموا بها أنفسهم إلى تلك الجهات، وما إذا كانوا يعتبرون أنفسهم مغاربة بحسب ما ولد في العديد من الردود التي تناولت خرجته الأولى.
حقيقة باتت ساطعة تكشف تناقض مجموعة خلية طانطان التي اختطفت البوليساريو في غفلة من أبناء الإقليم، أكدها ولد أحمد حين نقل عن أعضاء الحركة الجنينية بطانطان، اعترافهم آنذاك أنهم لا يمكن أن يقرروا مصير الإقليم بدون استشارة سكانه، تنضاف إلى حقائق أخرى تجاهلها أمين صندوق الجبهة، ذُكرت في العديد من الشهادات التاريخية المسجلة مؤخرا من رفاقه في الجنينية، كتواصلهم المكثف مع السلطات المغربية وعلى مختلف المستويات، بدء من المسؤول بوزارة الداخلية إدريس البصري، وليس انتهاء عند باشا مدينة طانطان وقياد ووجهاء محسوبين على المخزن، إلى جانب رفعهم لشعار "نحن جنود وراء الحسن" في المظاهرة التي نظموها بآمكار بطانطان 1972.
رغم التناقض الواضح في رواية ولد أحمد إلا أنه حاول تبرير المواقف التاريخية للحركة الجنينة المؤيدة للمغرب، عبر اقتطاع بعض الإحداث التاريخية من سياقها وتجاهل أخرى، خاصة التفاصيل الواردة في كل الشهادات التي ردت على خرجته التلفزيونية السابقة، والتي سجلتها العديد من الشخصيات المشاركة في التصدي للمحاولة الانقلابية، وفي مقدمتهم رئيس اللجنة العسكرية آنذاك البشير الدخيل ونائبه أحمد ولد خر، الى جانب كل من عضو ذات اللجنة عبدي ولد ميارة وعضو المكتب السياسي للجبهة محمد سالم الدخيل.
فلجوءهم للأحزاب والمسؤولين المغاربة، كان هدفه إثبات عداء الدولة المغربية للصحراويين بحسب زعم أمين صندوق الجبهة، وأما توظيف خلية طنطان لعبارة "الشعب الصحراوي" أثناء لقاءهم بعلال الفاسي، فتكفي لتبرير لجوءهم الى أهم منظري الوحدة الترابية المغربية بحسب مرافعة ولد أحمد، كما أن شعار "الصحراء تبقى حرة واسبانيا تخرج برا"، سيغطي على شعارات أخرى لم يتجرأ أمين الصندوق على نطقها في خرجته الفيسبوكية.
من بين التفاصيل التي أصر أمين صندوق البوليساريو على تكرارها في خرجته الإعلامية الأخيرة، كذبة محاولة الاغتيال المزعومة للولي مصطفى السيد، والتي وظفتها اللجنة التنفيذية بزعامة محمد لمين أحمد شخصيا لتبرير حملة الانتقام الواسعة التي طالت أعضاء اللجنة العسكرية، حيث أعاد تكرار ذات الرواية السمجة و الغير متماسكة، والتي كذبتها شهادات متواترة لعديد الشخصيات التي عايشت تلك الأحداث.
كيف بدلت إذن ذات العناصر المحسوبة على الحركة الجنينية مواقفها المؤيدة لمغربية الصحراء، حتى باتت ترفع شعار "الاستقلال، الاستقلال سلما أو بالقتال"، لتهمش بموجبه أبناء الإقليم وتصادر آراءهم، بل تختطفهم، وتعذبهم وتصفيهم جسديا لمجرد اعتراضهم على انقلاب غادر وتمسكهم بالمخرجات السياسية لمؤتمر الجبهة الثاني، والأدهى أن مجموعة اللجنة التنفيذية ذاتها باتت توزع صكوك الوطنية وتخون كل من اختلف معها، فلا تجد ما تسوقه من الاتهامات في حق معارضيها غير العمالة والاندساس لصالح المغرب.
تساؤلات عديدة تبقى معلقة في انتظار إجابة صريحة من ولد أحمد، ربما أهما تلك المتعلقة بالملابسات الغامضة المتعلقة بوفاة الولي مصطفى السيد، خاصة ما يتعلق بخذلان القيادات التي رافقته في هجوم نواكشوط له، وتقاعسها عن نجدته بالرغم من سهولة دعمه عسكريا من طرفهم خلال محاصرته من طرف قوة موريتانية صغيرة بحسب العديد من الشهادات.
حقائق تنضاف إلى اعتراف قيادة البوليساريو بعد خمسين سنة من تدشينها لمسلسل الانتهاكات باتصالاتها مع الدولة المغربية وعلى كافة المستويات، وإقرارها بفشلها وتخبطها في مرحلة التأسيس، دون أن تتجرأ على إنكار الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها في حق صحراويين آخرين لا يزال العديد منهم في عداد المختفين نتيجة التصفيات التي تمت في سجونها السرية الرهيبة...
كونوا_أحرارا..