الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

وثيقة: جمعية الوسيط ترصد وضع الحقوق والحريات بالمغرب في سنة 2019

وثيقة: جمعية الوسيط ترصد وضع الحقوق والحريات بالمغرب في سنة 2019 الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان
تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" مضمون التقرير السنوي للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذي يعتبر تقريره الأول ( بعد العديد من التقارير الموضوعاتية)،  حول وضع الحقوق والحريات بالمغرب خلال سنة 2019/2020 " أحد رهاناته التي جعل منها غاية هامة في مساره منذ التأسيس قبل حوالي عقد ونصف من الزمن"، بعد مسار تتبع السياسات العمومية في مختلف المجالات .
وأكد الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن التقرير "جاء ليكرس تصوره واختياره المنهجي في النظر لوضعية الحقوق والحريات في بلادنا وتقييمها"، على اعتبار أن مجال حقوق الإنسان حسب الوسيط، هو "مجال إصلاحي يؤمن بالتدرج والتراكم...ويقتضي وضع مسافة مع ردود الفعل الأقرب إلى المزاجية الطارئة منها إلى العمل الدؤوب لبناء رأي عام وطني" من خلال اعتماد مقاربة "التحري والتأني في قراءة المعطيات التي تشكل متن هذا التقرير ومعالجتها تم صياغتة الاستنتاجات والتوصيات"..
 
تصدير:
مع إعداد ونشر التقرير السنوي الحالي حول حالة حقوق الإنسان بالمغرب يكون "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان"، قد أنجز العدد الأول من سلسلة أحد رهاناته التي جعل منها غاية هامة في مساره منذ التأسيس قبل حوالي عقد ونصف من الزمن.
وإذا كان إصدار هذا التقرير لا يعني تخلي الوسيط عن تقليد إعداد التقارير الموضوعاتية الذي دأب عليه في مختلف مجالات تدخله المرتبطة بتتبع وتقييم السياسات العمومية (التعليم، الصحة، السكن، الشغل، الشباب…)، فإن هذا التقرير جاء ليكرس تصور الوسيط واختياره المنهجي في النظر لوضعية الحقوق والحريات في بلادنا وتقييمها، والقائم على عدة اعتبارات، منها بالخصوص:
إن أي حديث موضوعي عن حالة حقوق الإنسان لا يحتمل اعتناق "النَفَسِ الثوري" الذي يقيم الوضعيات بمنطق القطائع المطلقة والمقاربة المثالية للحلول والإجابات. فمجال حقوق الإنسان هو مجال إصلاحي بطبيعته، يؤمن بالتدرج والتراكم. ولعل ذلك، ما يجعل من المجتمع المدني، وضمنه الوسيط، أحد الفاعلين في قياس مدى التقدم على طريق ترسيخ الحقوق واحترام الحريات وضمانها أو العكس، وتقديم بعض عناصر الإجابة لتجاوز المعيقات؛
إن تقييم حالة حقوق الإنسان بنَفَسٍ موضوعي، في إطار تقرير سنوي، يقتضي وضع مسافة مع ردود الفعل الأقرب إلى المزاجية الطارئة منها إلى العمل الدؤوب لبناء رأي عام وطني يجد في التقارير الموضوعية وسيلة إجرائية توفر له المعطيات، وتمنحه عناصر بناء القناعات، وتيسر له سبيل الترافع واتخاذ الموقف وهو متملك لبعض من وسائل ممارسة مواطنته؛
إن إنجاز تقرير سنوي يشكل، فضلا عما سبق، قناة لتقاسم المعلومات مع الجميع. فهو بمثابة وثيقة لإثارة انتباه الفاعل العمومي إلى حالات ووقائع حصلت في زمن ومكان محددين، وقضايا ووضعيات معينة، لتحفيز القرار العمومي أو تصويبه وتجويد صياغته وتتبع تنفيذه والمساهمة في تقييمه وتقويمه؛
إن الاعتبارات أعلاه، إلى جانب اعتبارات أخرى، هي ما دفعتنا في الوسيط إلى اعتماد التحري والتأني في قراءة المعطيات التي تشكل متن هذا التقرير ومعالجتها، تم صياغة الاستنتاجات والتوصيات. وإذا كان هذا الأمر يبدو من البديهيات، فإنه بالنسبة إلينا في الوسيط يعد بمثابة المرجع الذي لا نحيد عنه لضمان عدم ابتعادنا عن مبادئنا المنهجية وعن أهدافنا التي كانت، في الأصل، هي الدافع لتأسيس إطار حقوقي راهنا عليه، منذ البداية، ليكون إضافة نوعية في الفضاء الجمعوي، وأيضا، لتشريف تعاقدنا تجاه المواطنات والمواطنين، وتجاه قضية حقوق الإنسان في الوطن.
إن النظر إلى حالة حقوق الإنسان ببلادنا لا يمكن أن يتم، كما هو الحال في بقية دول العالم، إلا من خلال زاوية معيارية تقيس الوضعيات في ضوء المعايير الدولية. ولذلك، كان منطلق هذا التقرير، في كل المواضيع التي وقع عليها الاختيار، من الممارسة الاتفاقية للمغرب، تم الانتقال إلى ترجمة تعهده الدولي إلى سياسات عامة وقطاعية، قبل الانتهاء إلى قياس أثرها في الواقع اليومي للمواطنات والمواطنين.
ولعل ذلك التسلسل، الذي جعلنا منه أحد الإضافات، هو الذي أفضى إلى الخلاصات والاستنتاجات والتوصيات التي يشملها هذا التقرير والتي لا تندرج ضمن خانة "المضنون به على غير أهله"، بل هي مقترحات تحيل إلى تدابير ممكنة غايتها تحسين الحالة الراهنة وضمان الحقوق والحريات واحترامها وحمايتها.
                                                                            
للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان
كلمة لابد منها:
ونحن نقدم التقرير السنوي "للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان"، حول وضع الحقوق والحريات بالمغرب خلال سنة 2019، وجب التنبيه لما يلي:
أولا: إن الفريق المكلف بإعداد هذا التقرير كان قد انتهى من تصفيفه وتنقيحه وتنسيق مواده نهاية شهر فبراير 2020، وعقدنا العزم على إخراجه ونشره وتقديمه أمام الصحافة والهيئات والمهتمين خلال الأسبوع الثاني من شهر مارس 2020، غير أن ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19 وانخراط بلادنا في مواجهته حال دون ذلك.
لقد اعتبرنا أن أولى أولوياتنا ستنصرف إلى المساهمة في إنجاح التدابير الاحترازية التي اتخذتها السلطات العمومية من أجل الحد من انتشار وتفشي الوباء، ومواكبتها رصدا وتحليلا واستنتاجا، فضلا عن المساهمة المباشرة وغير المباشرة للأعضاء كل في محيطه، في جهود التعبئة الوطنية وتحويل هذه التعبئة إلى مصدر للوحدة الوطنية والتضامن المجتمعي العام.
ثانيا: إن معالجة المواضيع التي يحتويها التقرير إسهابا أو إيجازا لا يعكس بالضرورة كل الانتهاكات التي وقعت، بل جزء منها فقط، إما اختيارا بعدم الخوض تفصيلا في الحالات والاكتفاء بعينات دالة، وإما اضطرارا حينما يتعلق الأمر بعدم توافر معلومات دقيقة ومؤكدة.
ثالثا: ولأن العالم لم يتعلم سوى القليل من آلامه ومآسيه، فإنه اليوم يوجد تحت التنامي الضاغط لتطلعات الإنسانية لمرحلة جديدة أكثر عدلا وإنصافا، وآمالها في نظام عالمي يصحح عيوب العولمة الكاسرة، وينتصر للإنسان ويدعم قدرات المجتمعات على تحمل تبعات الأضرار الجسيمة التي ستخلفها هذه الأزمة غير المسبوقة.
أما وطنيا، فقد كشفت الجائحة مرة أخرى أهمية الوقاية التي شكلت عنوانا لا بديل عنه لمجمل التدابير الاحترازية، ففي سياق توارثت فيه المنظومة الصحية هشاشة البنيات والخدمات ومحدودية الموارد، والتي سيتعذر عليها عمليا مواجهة تداعيات هذا الوباء في حالة انتشاره -وهو ما لا نتمناه-، لذلك كان الحرص مطلوبا وما يزال لإعمال الصرامة في مراقبة تطبيق التدابير الوقائية، لأن المرحلة الأولى من وصوله للمغرب اقتضت ذلك، و من دون اتخاذ تلك التدابير لا يمكن تصور سقف الأضرار ولا تمثل القدرة على مواجهتها.
ومن جهة أخرى تبينت عواقب ضعف الاستثمار في القطاعات الاجتماعية، مما تبدو معه الحاجة إلى ابتهال قيم التضامن وتعزيز أجوائه لتسود بين مختلف أفراد المجتمع وفئاته. وهو الورش المقدور عليه بكفاءة واقتدار كلما توفرت الإرادة السياسية وتعبأ لترجمتها كل الفاعلين.
وإذ نسجل ومن دون تردد تميز حضور الدولة في مواجهة هذا الوباء والقدرة على تدبير المرحلة على المستوى الصحي والأمني والاجتماعي والاقتصادي وإنجاح شبه كلي لتدابير الحجر ومستلزماته، وحشد الطاقات للإبداع والابتكار العلمي ذي الصلة بمواجهة الوباء، مقابل تعدد وتنويع المبادرات الإنسانية واستدامة التضامن. وفي مثل هذه السياقات الخاصة يكون مطلوبا أيضا خلال مواجهة مجمل تلك التحديات، بأن يكون كل ذلك مقرونا بالحرص المضاعف على حماية حقوق الإنسان والنهوض بها والقطع مع مختلف أشكال الإنتهاكات، وهو الشرط اللازم لتعزيز المناعة الوطنية وتقوية القدرات لمجابهة كل المحن والأزمات.
إن ما سجلناه إيجابيا بشأن مجمل التدابير المتخذة لمواجهة هذه الجائحة لا ينبغي أن يحجب علينا حقيقة القلق البالغ الذي يساور المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، بشأن التزايد المضطرد للمتابعين قضائيا بسبب خرق تدابير الحجر الصحي، وهي مناسبة للتأكيد بأن العقوبات السالبة للحرية ليست حلا ناجعا وخاصة في مثل هذه الظرفية، التي ولأسباب موضوعية قد يتضاعف فيها خطر الإصابة بجميع أماكن سلب الحرية، وما قد يترتب عنه من تداعيات على العاملين بها والوافدين عليها، ولأنه لا بديل عن الصرامة في إعمال القانون تجاه المخالفين كما جرى هنا ويجري في الكثير من بلدان العالم، فإن التشديد سيظل مطلوبا في جعل الغرامات عقوبة ردعية بامتياز لكل من يقدم على المس بسلامة الآخر كأفراد وكمجتمع، في سياق خاص أصبح معه كل فرد بقدر ما يشكل مصدر تهديد على نفسه و للآخرين في حالة تهوره في الإخلال بتدابير الوقاية، بقدر ما يعمل الفرد نفسه على حماية الحق في الحياة بالنسبة له وللجميع. حين يكون مسؤولا بالتزامه بتدابير الوقاية والحرص على التطبيق السليم لها.
ومن جهة أخرى يمكن لبلادنا أن تجعل من هذه الظرفية التي تحددت أولوياتها بشكل مغاير كليا للسياقات العادية، فرصة للتسريع بإصدار وإعمال المقتضيات التشريعية المتعلقة بالعقوبات البديلة، وخاصة ما يتصل منها بإجبارية القيام بأعمال لفائدة المصلحة العامة.
وكما سيلاحظ القارئ الأهمية التي أفردها التقرير للحق في الحياة، وكيف قاربه بمنظور مبتكر أكثر شمولية مما هو متعارف عليه، وذلك بتوسيع نطاق قاعدة الحماية في علاقة بالحق في الحياة لتشمل ضحايا الإهمال الصحي وحوادث السير، والانتحار... والتأصيل لذلك معياريا، ولتأتي هذه الجائحة لتعزز مركزية هذا الحق وأهمية تعبئة كل الوسائل لصونه وحمايته وإذكاء الوعي بأهمية الوقاية بالنسبة للأفراد حالا، وخلال إعداد السياسات والبرامج والخطط في ما سيأتي اليوم وغدا من استحقاقات.
رابعا: وبعد شهرين على التاريخ الذي كان مفترضا للنشر، وعشر أسابيع من انتشار فيروس كورونا في المغرب، وفي أجواء تهيئ لإخراج الإجراءات الأولية للرفع التدريجي للحجر الصحي وتخفيف حالة الطوارئ الصحية، والتي سيكون عنوانها الأبرز هو :"المسؤولية الذاتية للأفراد في إعمال تدابير الوقاية بصرامة وباستمرار من أجل أن يحيا الجميع"، لأن نتائج البحث العلمي بشأن مواجهة الوباء تفيد بأن الأمر يتطلب ما سيتطلبه من وقت. وبناء عليه، قررنا في الوسيط نشر هذا التقرير وتقاسم محتوياته، بأمل أن يجد فيه القراء والمهتمين ما يفيدهم، وأن لا يبخلوا بآرائهم ومقترحاتهم المرحب بها دوما، بما يعمل على تجويد مضامينه كل ما تطلب الأمر ذلك مستقبلا.
كما لا يفوتنا أن نشير بأن الوسيط ما يزال على اختياره الذي يجعله يتوجه لبناء شراكات الدعم فقط بشأن برامج تعزيز القدرات ذات الصلة بالشباب، أو لدعم بعض أنشطته ولإخراج إصداراته للوجود، بينما وكما اعتاد منذ إحداثه، فإنه بخصوص إعداده لتقارير الرصد والتقصي، ظل الوسيط و ما يزال يعتمد لإنجازها على الإمكانيات والخبرات الذاتية لأعضائه، وهو ما ارتأى أيضا نهجه لإعداد هذا التقرير الذي هو حصيلة المجهود التطوعي لأعضائه، والتعاون الكلي لفريق العمل.
الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان
 
 
ملخص تنفيذي:
أعد "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان"[1]، هذا التقرير للمساهمة في تجميع المعطيات، ودراستها ومعالجتها ومساءلتها، وتحيين المقاربات وتقديم بعض التوصيات بهدف لفت الانتباه لتدارك الاختلالات والتسريع بتحسين الأداء.
وقد اعتمدنا في إعداده على منهجية تستجيب للمعايير المتعارف عليها في إعداد تقارير المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان، كما عملنا أيضا على تنويع مصادر المعطيات والمؤشرات التي اعتمدناها في معالجة القضايا موضوع هذا التقرير، وفي هذا السياق، تم رصد وتوثيق وتحليل المعطيات التي تواترت كأخبار في أكثر من مصدر إعلامي، أو تم التوصل بها أو تعميم شكايات بشأنها، وما تحصل لدينا من وثائق ومعطيات من مختلف الجهات ذات المصلحة، أو كانت طرفا في القضايا والمواضيع التي عالجناها، بعد أن يتأكد التقاطع بينها وتستقر كمعطيات ثابتة، حيث لا يكون قد صدر عن الأطراف المعنية أي نفي لها، كما اعتمدنا ما تأتى لنا الوصول إليه من معطيات صادرة عن هيئات ومؤسسات عمومية، بموازاة ذلك وانطلاقا من الالتزامات الدولية للمغرب، ظل الرجوع إلى ما صدر عن وكالات الأمم المتحدة وهيئاتها وآلياتها موجها في تحديد الأهداف والمؤشرات المؤطرة للرصد.
وبناء عليه، تم الحرص على التذكير بالإطار المرجعي الدولي والوطني وبالالتزامات والتعهدات التي قبل بها المغرب ضمن ممارسته الاتفاقية، واستعرضنا بشكل وصفي ومركز مجمل ما تعتبره السلطات العمومية "إنجازات نحو الوفاء بالتزاماتها"، وليتم الوقوف على الواقع والحالات وما يكشفاه من تعثر واختلال وتحديات، وما يستلزمه ذلك من مقترحات وتوصيات.
وخلال تناولنا لكل موضوع من مواضيع التقرير، حاولنا وبموازاة ذلك تقديم معطيات ومؤشرات صادرة عن السلطة التنفيذية، وكذا رصد حجم انشغال السلطة التشريعية برسم سنة 2019، بالحقوق والحريات ذات الصلة بموضوعات هذا التقرير، حيث جعلنا متن الأسئلة البرلمانية مؤشرا على ذلك، كما عملنا أيضا وبشكل جزئي على تقديم قراءتنا لبعض الأحكام القضائية ذات الصلة بممارسة بعض الحقوق والحريات.
وقد تناول "الوسيط" في هذا التقرير عشر مواضيع ذات صلة بحريات وحقوق محددة، غير أن هذا الاختيار لا يعني بأن هذه القضايا هي ما تصدر المشهد الحقوقي خلال سنة 2019، فمن المؤكد أن قضايا أخرى تتسم بنفس الأهمية، كانت محط انشغال الحركة الحقوقية، وحظيت باهتمام إعلامي واسع، غير أن المعطى الذي بات يؤطر الخطاب حول وضع الحقوق والحريات بالمغرب خلال سنة 2019، هو التشديد على منحى"التراجع" أو "النكوص" أو "الإحساس بالتدهور الحاد"، كما وصفته مؤسسة عمومية، وهي المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الإخبارية حول نتائج بحث الظرفية لدى الأسر برسم سنة 2019، حيث "صرح 23.8% من الأسر أن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب قد تدهورت مقابل 18.7% سنة 2018". وبصرف النظر عن اختلاف التقديرات والتموقعات، فالتقرير الحالي يهدف بالأساس إلى المساهمة من جهة في تقديم مؤشرات ذات مصداقية من شأنها أن تساعد على فهم أفضل لوضعية الحقوق والحريات موضوع هذا التقرير، ومن جهة ثانية، في تحيين المقاربة في التعاطي مع قضايا الحقوق والحريات بالمغرب لتجاوز التقاطب الحاد بين خطاب "الردة والنكوص والعودة إلى ممارسات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" من جهة، والخطاب المحتفي ب"الإنجازات الكبرى" من جهة أخرى.
وهي المواضيع التي تتحدد أهم معطياتها وخلاصاتها كما يلي:
أولا: بخصوص الحق في الحياة:
تحددت مقاربة الوسيط في التعاطي مع الحق في الحياة، انطلاقا من آخر ما أقرته منظومة الأمم المتحدة لحماية الحق في الحياة، بلفت الانتباه للاجتهادات والتوصيات الموجهة للدول الأطراف عبر مختلف آلياتها، وفي إحالة خاصة على التعليق العام رقم 36 كآخر ما اعتمدته اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن كل ما يمكن أن يمس بالحق في الحياة، ويؤدي لحدوث وفيات مبكرة، بسبب التشريعات والسياسات غير المنصفة وضعف الخدمات العمومية غير الملائمة مع احتياجات المواطنات والمواطنين وتزايد الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وما يترتب عن ذلك من مسؤوليات تقصيرية للحكومات بخصوص حماية هذا الحق. بما يتجاوز ويعزز المقاربة التي ظلت تختزل المس بالحق في الحياة فقط في الأحكام ذات الصلة بالإعدام، أو حالات الوفيات بالأماكن الخاصة بسلب الحرية، أو في علاقة بأحداث ذات صلة بالتجمع والتظاهر وعلى خلفيته، أو في علاقة بالإجهاض.
في مقابل ذلك تم التركيز من جهة أولى على استمرار الإبقاء على عقوبة الإعدام ضمن التشريعات الوطنية وجرد الأحكام ذات الصلة خلال سنة 2019، مع تسجيل الوسيط لغياب تحمل الحكومة لمسؤوليتها بشأن التزامها بإطلاق ورش النقاش المجتمعي وتعميم حصيلته، ومن جهة ثانية، تقديم حالات بشأن انتهاك الحق في الحياة على خلفية التجمع والتظاهر السلمي، حيث تحددت نسبة حالات المنع أو التدخل لفك التجمع والاستعمال غير المتناسب للقوة في 1.17%، مع تسجيل وفيات تخص حالتين برسم سنة 2019، ومن جهة أخرى، تم تقديم المعطيات ورصد الحالات بشأن انتهاك الحق في الحياة بسبب استعمال السلاح الوظيفي وارتفاع حوادث الطرق وتنامي اللجوء للانتحار، وحالات الوفيات بسبب الهجرة غير النظامية، وكذا انتهاك الحق في الحياة بسبب عدم تيسير الولوج للخدمات الصحية، وأحيانا بسبب ضعف الخدمات ومحدودية الموارد حتى في حالة الولوج إليها، ولذلك فإن مختلف المعطيات وحالات المس بالحق في الحياة في علاقة بالمجالات موضوع الرصد تعد مصدر قلق وانشغال متزايد يستدعي التدخل عبر مراجعة التشريعات وإعداد وإعمال السياسات المنصفة من أجل ضمان حماية هذا الحق.
وبناء عليه، يتوجب على الحكومة ما يلي:
ملاءمة مختلف الاستراتيجيات والسياسات مع التزامات المغرب بأهداف التنمية المستدامة 2030، التي اتخذت من الحق في الحياة مرتكزا أساسيا وناظما لباقي الأهداف والغايات؛
إصلاح ومراجعة التشريعات ومختلف السياسات غير المنصفة، التي ما تزال تؤدي إلى المس بالحق في الحياة؛
التسريع بإصلاح النظام الإحصائي الوطني، وإنهاء تباطؤ الحكومة في علاقة بذلك وعدم تناسق أدائها بشأن نظام جمع البيانات وقياس مؤشرات أهداف التنمية المستدامة في علاقة بمختلف السياسات الرامية لحماية الحق في الحياة في مختلف تمظهراته؛
التسريع بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، والعمل على القطع مع المنطق التبريري الرافض لإلغائها، والذي يتذرع بكونها قضية خلافية تحتاج لتعميق النقاش المجتمعي، لأنه ومنذ صياغة هذا الجواب للرد على توصيات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، لم تقدم الحكومة حتى اليوم أية إستراتيجية أو برنامج عمل لإطلاق النقاش المجتمعي ذي الصلة بإلغاء عقوبة الإعدام.
العمل على التزام الحكومة ومختلف القطاعات والمؤسسات العمومية التي يقع المس بالحق في الحياة بمجالها وفي نطاق مسؤولياتها، والتي تعلن على إجراء الأبحاث وفتح التحقيقات سواء الإدارية أو القانونية، بالحرص على إعلان النتائج ذات الصلة وإطلاع الرأي العام على مآلها في آجال معقولة.
ثانيا: بخصوص حرية الجمعيات
رصد الوسيط خلال التعاطي مع موضوع حرية الجمعيات برسم سنة 2019، مجموعة من المعطيات التي تهم ممارسة هذا الحق، حيث بلغ عدد الجمعيات المصرح بها لدى السلطات الإدارية المحلية، حسب السيد رئيس الحكومة،209.657 جمعية، مقابل حوالي 116 ألف جمعية سنة 2014 و130 ألف جمعية سنة 2016، تنشط في مجالات مختلفة، ضمنها نحو 6500 جمعية تعمل في مختلف مجالات حقوق الإنسان، كما تم الوقوف عند مدى انشغال المؤسسة التشريعية بقضايا حرية الجمعيات، ليتحدد عدد الأسئلة الموجهة للحكومة، في 100 سؤال، وهي المعطيات التي تكشف عن حجم انشغال المؤسسة التشريعية بموضوع حرية تأسيس الجمعيات، مثلما تحيل أيضا على حجم المشاكل والصعوبات والاكراهات التي ما تزال تعترض إعمال هذا الحق، كما تبرز أيضا محدودية الإطار التشريعي الحالي والحاجة الملحة إلى تغييره، بما يستجيب للمعايير الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
وبخصوص حرية الجمعيات على مستوى الممارسة خلال سنة 2019، فقد قدم الوسيط قراءته في الحكم القضائي بشأن حل جمعية "جذور"، وخلص إلى أن قرار حل "جذور" يعد الحدث الأبرز في سنة 2019، لأنه يشكل تحولا "نوعيا" في التعاطي مع حرية الجمعيات بالمغرب ومن شأنه أن يؤثر على عملية مراجعة الإطار التشريعي للجمعيات الذي وعدت به الحكومة منذ عدة سنوات، حيث أعتبر الوسيط أنه في "حالة جمعية جذور" فقد تم الزّجّ بالقضاء لاستصدار حكم بالحل يفتقد إلى الأسس القانونية والحقوقية المستوجبة للحل، خصوصا وأن الجمعية المعنية نفت أية صلة لها بالنشاط الذي كان حجة النيابة العامة لالتماس الحكم بالحل، وعدم قدرت النيابة العامة على تقديم دليل قاطع يثبت صلة الجمعية بالنشاط، وبأن الحكم القضائي يعتبر غير عادل وغير منصف، ويتنافى مع الضمانات الدستورية المكرسة في الفصلين 12 و29.
هذا إلى جانب حالات المنع التي تعيق حرية الجمعيات، والتي اتخذت عدة أشكال وسمت تدخل ممثلي السلطات الإدارية لعدة سنوات، واستمرت خلال سنة 2019، وهي كالآتي:
رفض تسلم وثائق الجمعيات (أو فروعها) مما يتعارض مع أحكام الفصل 5 من ظهير 15 نونبر 1958.
تسلم الوثائق ورفض تسليم الوصل المؤقت مما يتعارض مع أحكام الفصل السابق الذكر.
اشتراط وثائق إضافية وخارج ما هو منصوص عليه في الفصل المشار إليه أعلاه.
تسليم الوصل المؤقت، والامتناع عن تسليم الوصل النهائي في الأجل المحدد قانونيا في 60 يوما، أو بعد انصرام هذا الأجل وترك الجمعيات في وضعية "معلقة"، خاصة بعد أن أصدر بنك المغرب تعليمات للبنوك بعدم القيام بأي عمليات بنكية لفائدة الجمعيات ما لم تكن تتوفر على وصل الإيداع النهائي، مما يعطل أنشطة الجمعيات ويؤثر على التزاماتها.
عدم تمكين الجمعيات من ولوج واستعمال مختلف الفضاءات والمقرات لتنظيم بعض أنشطتها، سواء الموجهة إلى أعضائها، أو الموجهة للعموم، بما في ذلك الجموع العامة والمؤتمرات المخصصة لتجديد هياكلها، وفقا لأنظمتها الأساسية والمقتضيات القانونية الجاري بها العمل، وفي ذلك مخالفة صريحة للمنشور رقم 28/99، وقد سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن أوصى ضمن مذكرته سنة 2015، بتحويل هذا المنشور إلى مرسوم.
وضع العراقيل أمام ولوج بعض الجمعيات إلى الدعم المالي بدون مصوغات قانونية أو موضوعية.
تغييب الجمعيات في الاستشارات والنقاشات العمومية ذات الصلة بالسياسات العمومية ولاسيما في القضايا والمواضيع التي تنشغل بها أو تكون كصاحبة مصلحة وطرفا فيها، وحتى في حالة إقدام بعض القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية على إطلاق مبادرات للحوار والتشاور، فإن طريقة إعدادها واختيار الفرقاء تكون في الغالب، غير شفافة وغير منصفة وغير منضبطة لمعايير موضوعية، وفي حالات أخرى يتم إشراك الجمعيات في مسلسل المشاورات إشراكا شكليا تفرضه حينا الإكراهات المتصلة بالممارسة الاتفاقية للمغرب، التي تستوجب بناء الشراكات وإجراء المشاورات خلال إعداده للتقارير الوطنية للتفاعل مع تلك الآليات، وأحيانا تحت ضغط شروط شركاء الحكومة والمانحين لدعم برامجها. وليقع مباشرة بعد الإشراك الشكلي تجاهل مقترحات تلك الجمعيات لحظة بلورة الاختيارات النهائية، سواء تعلق الأمر بإعداد التشريعات أو وضع السياسات العمومية والبرامج والمخططات وطنيا وترابيا.
تهميش وإقصاء العديد من الجمعيات والفعاليات من المشاركة في البرامج الحوارية للقنوات العمومية وعدم تغطية أنشطتها، مما يعتبر خرقا واضحا لبنود دفاتر التحملات.
وبناء عليه يتوجب على الحكومة ما يلي:
العمل على مراجعة الظهير الشريف رقم 1.58.376 بما يتلاءم مع الدستور والممارسة الاتفاقية والالتزامات الدولية ذات الصلة بحرية الجمعيات، ومع توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان الواردة في مذكرته بشأن حرية الجمعيات، وتسريع العمل بما يلي:
إلغاء العقوبات السالبة للحرية من النصوص التشريعية بشأن حرية الجمعيات؛
إنهاء منع السلطات الإدارية من تحويل مبدأ التصريح بتأسيس الجمعيات إلى نظام الترخيص؛
الحرص على تمكين جميع الجمعيات من ولوج واستعمال مختلف الفضاءات والمقرات لتنظيم أنشطتها، سواء الموجهة إلى أعضائها، أو الموجهة للعموم، بما في ذلك الجموع العامة والمؤتمرات المخصصة لتجديد هياكلها، وفقا لأنظمتها الأساسية وللمقتضيات القانونية الجاري بها العمل؛ الحرص على تطبيق السلطات الإدارية لأحكام القضاء دون تباطؤ حين تكون لفائدة الجمعيات.
ثالثا: بخصوص حرية التجمع والتظاهر السلمي للرد على ما يثار من أسئلة لدى الفاعلين بشأن حرية التجمع والتظاهر السلمي اعتمدت الحكومة على"لغة الأرقام" وفق مقاربة كمية تختزل التحديات في معطيات تفيد بأن التظاهر بات ممارسة عادية ووقع التطبيع معه، ولم يقع التدخل الأمني لفض المظاهرات إلا في 941 شكلا احتجاجيا من أصل 12.052 برسم الأشهر العشرة الأولى من سنة 2019، غير أن المغيب في هذه المقاربة هو عدم الوقوف عند بعض المظاهر والتحولات المقلقة والمفارقة، والتي سيعمل الوسيط على رصدها من خلال المحددات التالية:
اللجوء من حين لآخر إلى استعمال القوة غير المتناسبة خلال فك بعض الأشكال الاحتجاجية وإلى التوقيف وتحريك المتابعة القضائية بتهم تتعلق "بالتظاهر غير المرخص"؛
عدم تعميم استثمار المهارات المهنية المكتسبة خلال التدريب وبرامج التكوين على جميع عناصر القوات العمومية، وما يرافق ذلك من توفير التجهيزات والمعدات الملائمة للتعاطي مع مختلف أشكال الاحتجاج والتظاهر في الفضاء العام، حيث نسجل التفاوت مابين أشكال التدخل في تعاطي القوات العمومية مع الاحتجاجات؛ محاصرة أنشطة الجمعيات ببعض القيود التعسفية يؤدي إلى الرفع من منسوب التوتر والاحتقان المؤدي إلى العنف والعنف المضاد، في سياقات يتراجع فيها التأطير والوساطة لدى الكثير من الأشكال الاحتجاجية، والتي أصبح الداعون لها يكتفون فقط بالتعبئة إليها على شبكات التواصل الاجتماعي. بينما تعزيز الحريات وضمان ممارستها لا سيما الحق في تأسيس الجمعيات وتجديد هياكلها وممارسة أنشطتها بدون قيود تعسفية، من شأنه أن يساهم بفعالية في تأطير وتوجيه وعقلنة الفعل الاحتجاجي.
استمرار الفراغ القانوني أمام انبثاق وتعدد أنماط الاحتجاج وأشكال التعبير، ومحدودية المقتضيات القانونية وعدم ملاءمتها مع مستجدات الواقع، ومع الضمانات الدستورية والالتزامات الدولية للمغرب.
وبناء عليه يتوجب على الحكومة ما يلي:
العمل على مراجعة الظهير الشريف رقم 1.58.377 بشأن التجمعات العمومية، بما يتلاءم مع الدستور والممارسة الاتفاقية والالتزامات الدولية وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص الحق في التظاهر والتجمع السلمي.
العمل على إلغاء العقوبات السالبة للحرية من النصوص التشريعية في علاقة بالحق في التظاهر والتجمع السلمي.
التزام السلطات بتقديم تعليل قرارات المنع وتسليمها مكتوبة لمؤطري التظاهرات، لتمكينهم من ممارسة حق الطعن أمام المحاكم، والحرص خلال التدخل على إتباع المسطرة المنصوص عليها في القانون؛
الحرص على إعمال بعض الاجتهادات القضائية فيما يخص حرية التجمع (وتحديدا الوقفة الاحتجاجية) في مكان عمومي محدد ولفترة زمنية محددة، بما لا يستوجب أي تصريح مسبق، حسب وجهة نظر القضاء.
رابعا: بخصوص حرية الرأي والتعبير
رغم تكريس الدستور لحرية الرأي وحرية التعبير وتسييجهما بالضمانات اللازمة، واستجابة مدونة الصحافة والنشر للعديد من مطالب الحركة الحقوقية والمهنيين في مجال الصحافة وتعبيراتهم النقابية والمهنية، ما تزال الممارسة تكشف عن محدودية حماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وهو ما يتضح من خلال عينة الحالات التالية:
محاكمة الصحفيين الأربعة: بتاريخ الاثنين 23 دجنبر 2019، حيث قضت محكمة الاستئناف بالرباط بتأييد الحكم الابتدائي الصادر في حق أربعة صحفيين، القاضي بستة أشهر موقوفة التنفيذ و10 آلاف درهم غرامة. ويتعلق الأمر باستدعاء الشرطة القضائية في يناير 2017، لأربع صحفيين وهم: محمد أحداد (جريدة المساء)، كوثر زكي (موقع le site info)، عبد الحق بلشكر (جريدة أخبار اليوم) وعبد الإله سخير (رئيس تحرير موقع "الجريدة 24)، بالإضافة إلى المستشار البرلماني عبد الحق حيسان عن المجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث حوكم الصحفيون الأربعة ومعهم برلماني بموجب المادة 14من القانون التنظيمي 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق عوض مدونة الصحافة والنشر.
محاكمة الصحفي عمر الراضي: بتاريخ 25 دجنبر2019، حيث سيتوصل باستدعاء من طرف الشرطة القضائية قصد تبليغه أمرا يهمه. وليجري التحقيق معه على خلفية مضمون تغريدة نشرها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" خلال شهر أبريل 2019، في موضوع الحكم الاستئنافي في حق الصحفي حميد المهداوي ونشطاء حراك الريف، وتم الاستماع إليه من طرف قسم الجرائم الإلكترونية، حيث تركز الاستجواب حول ما تم اعتباره إهانة لشخص القاضي الذي ترأس جلسات الاستئناف ونطق بالأحكام في الموضوع المشار إليه أعلاه. ليقرر وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بعين السبع بتاريخ 25 دجنبر 2019، متابعته بفصول القانون الجنائي خاصة الفصل 263 منه، وإحالته على المحاكمة في حالة اعتقال، ليتم إيداعه بسجن عكاشة يوم 26 دجنبر 2019، ولتقرر المحكمة بتاريخ 31 من نفس الشهر، متابعته في حالة سراح، بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر.
قضية تشميع البيوت: ترجع هذه القضية لسنة 2006، عقب إغلاق وتشميع منزل السيد محمد عبادي أمين عام جماعة العدل والإحسان، وليتكرر الأمر مع أعضاء من نفس الجماعة، ليصل عدد البيوت المشمعة إلى 14 بيتا خلال سنة 2019، وقد اعتبرت السلطات السبب الموجب لإغلاق وتشميع هذه البيوت هو "احتضانها لتجمعات عمومية دون تصريح تمت خلالها ممارسة شعائر دينية، إضافة لكون بناء بعض هذه البيوت تضمن تغييرات غير مرخص بها". ويعتبر الوسيط تشميع البيوت إجراء يتعارض مع مقتضيات الفصل 35 من الدستور الذي يضمن حق الملكية، ومخالفا للفصل 24 من الدستور الذي ينص على الحق في حماية الحياة الخاصة، حيث لا وجود لنص قانوني يؤطر عملية تشميع البيوت، ولا وجود أيضا في ظهير الحريات العامة وقانون التجمعات لما يسمح بإغلاق المساكن بدعوى عقد تجمعات بها "غير مرخصة لها أو غير قانونية"، وليبقى تشميع البيوت وإغلاقها قرارا إداريا مشوبا بالشطط والتعسف في استعمال السلطة.
وانطلاقا من الحالات موضوع الرصد، يسجل الوسيط ملاحظاته وتوصياته ذات الصلة، من خلال مايلي:
بخصوص حرية الصحافة، يتضح أن حماية الحق في حرية الرأي والتعبير ما يزال يعرف تحديات فعلية، فبالرغم من عدم تنصيص القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر على العقوبات السالبة للحرية، إلا أن الفقرة الأخيرة من المادة 17، تركت المجال مفتوحا لإمكانية اللجوء إلى قوانين أخرى، مما فتح الباب أمام استعمال القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب وقوانين أخرى في علاقة بقضايا الصحافة والنشر؛
وهو ما يستدعي ضرورة مراجعة مدونة الصحافة والنشر بما يضمن حماية حرية الرأي والتعبير، وذلك من خلال تضييق إمكانية استعمال قوانين أخرى لإنزال العقوبات في الجنح المتعلقة بالصحافة والنشر، والحد من السلطة التقديرية للقضاء، للبت فيما يدخل في مجال الصحافة وفيما لا يدخل في نطاقها، وضمان سرية مصادر الخبر بشكل صريح وواضح، والتنصيص على مبدأ التناسب ما بين الضرر المحدث والتعويضات المحكوم بها في قضايا القذف؛
وبخصوص قضية "البيوت المشمعة"، يتوجب الحرص على احترام وإعمال المقتضيات الدستورية ذات الصلة بحماية حرمة المسكن وتقييد كل الأطراف بالتطبيق السليم للقانون.
خامسا: بخصوص حرية المعتقد
تَعتبر الدولة المغربية الأقلية الدينية من اليهود المغاربة، التي يقدر عددها ما بين 3000 و3500 مواطن(ة) يهودي(ة)، جزءا أصيلا من النسيج الديني والاجتماعي المغربي، وبالتالي فهي لا تعترف بها فحسب، بل تضمن لمعتنقيها حرية ممارسة شؤونهم الدينية وحماية دور عبادتهم، والتي تصل إلى 94 معبدا يهوديا، وتمكنهم من حقهم في نظام قضائي خاص في مجال الأحوال الشخصية. كما تضمن نفس الحق للمسيحيين الأجانب، اللذين يقدر عددهم ما بين 2000 و6000، في إقامة طقوسهم الدينية بالكنائس الرسمية والتي تصل إلى 37 كنيسة كاثوليكية والدفن على الطريقة المسيحية. في المقابل ظلت حرية ممارسة الشعائر الدينية من قبل الأقليات الأخرى (مغاربة يعتنقون ديانات ومذاهب غير الإسلام وغير المذهب المالكي أو مغاربة لا دينيون) مقيدة، بحيث لا يسمح للمواطن الذي ولد مسلما أن يغير دينه، مما يضطر هؤلاء إلى ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم في سرية تامة، وفي بيئة غير متسامحة.
وبالرغم من ضمان الفصل الثالث من الدستور للفرد "...حرية ممارسة شؤونه الدينية"، فإن الممارسة تبين أن المسيحيين الأجانب فقط هم المشمولون بهذه الحماية الدستورية في ممارسة تعبدهم وشؤونهم الدينية، كما أن القانون الجنائي (المادتين 200 و222) ومدونة الأسرة (المادتين 39 و332) ما تزال تتضمن ما يتناقض مع كل من الدستور الذي كرس حرية الفكر والرأي والتعبير، والمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ومن جهة أخرى وبالنظر إلى كون حرية المعتقد تقوم على أساس نبذ جميع أشكال العنف والتعصب والتمييز على أساس الدين والمعتقد أو باسمهما، فقد ارتأى الوسيط في رصده ومناقشته لبعض مظاهر التحريض على العنف وإشاعة خطاب الكراهية، أن يتوقف عند ما تواتر من حالات سنة 2019، وكان مصدرها شخصيات اعتبارية تنطلق من الدين لتقييم وضع ما، واستهداف الأشخاص بسبب المعتقد والتحريض على الكراهية والعنف تجاههم، وقد شكل النقاش العمومي حول موضوع الحريات الفردية بمناسبة عرض مشروع القانون الجنائي على المؤسسة التشريعية، من جهة أولى السياق الخاص لإطلاق مختلف أنماط الخطاب المؤطرة للتحريض على الكراهية والعنف، ومثلنا لذلك بمضمون ومنطوق ما صرح به كل من السادة أحمد الريسوني وحميد العقرة وحسن الكتاني، ومن جهة ثانية شكل موضوع الإعلان عن تشكيلة الأسماء العضو في اللجنة الخاصة للنموذج التنموي سياقا لما أبدى به السيد عبد الإله بنكيران من تشكيك في أهلية الأعضاء على أساس الدين، وبناء عليه لم يكتف الوسيط فقط برصد مضمون ما صرح به هؤلاء من خطاب يحرض على الكراهية والعنف، بل توقف عند تحديد المسؤولية المعنوية والسياسية في ما ترتب عن ذلك من تداعيات تمثلت في جرد الردود التفاعلية المتراكمة على هامش تلك التصريحات للكشف عن ما وسمها أيضا من عنف وعنف مضاد، وليستنتج الوسيط بأن أنماط خطاب التحريض على الكراهية والعنف في الحالات التي استدل بها، تشكل مشاتل أصلية لما تفرع منها وعلى هامشها من ردود تفاعلية متطرفة تبدأ بالقذف والسب وكل أشكال الإهانة والتحريض على الكراهية على أساس الدين والتدين لتصل إلى التلويح بالتطرف العنيف، والذي يشتغل في الاتجاهين. كما تدل عليه العينة المستشهد بها على ذلك.
وبالنظر لذلك يبدو الخصاص ملحوظا على مستوى الصرامة في إعمال القانون بشأن خطاب التحريض على الكراهية والعنف، حيث تلاحق المساءلة من حين لآخر مستويات التفاعل وردود الفعل على حساب مساءلة المشاتل الأصلية، المسؤولة بشكل مباشر على إنتاج تلك الأنماط من التحريض على الكراهية على أساس الدين تجاه مختلف فئات و تجليات التنوع المجتمعي بالمغرب.
وبناء عليه، يتوجب على الحكومة ما يلي:
ملاءمة جميع القوانين مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية وإعمال مبدأ سموها على التشريعات الوطنية؛
رفع التجريم عن كل فعل قد يكون تعبيرا عن حرية المعتقد والضمير كما وردت ضمن معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة الفصلين 200 و222 من مجموعة القانون الجنائي؛
إعادة النظر في أحكام مدونة الأسرة ذات الصلة بالموضوع، خاصة المادتين 39 و332؛
سن تشريعات تجرم التكفير والتمييز على أساس المعتقد.
العمل على اعتماد التربية على القيم الإنسانية الكونية كمرتكز بيداغوجي لمراجعة مناهج وبرامج التعليم.
سادسا: بخصوص الحقوق الإنسانية للنساء والمساواة بين الجنسين
ما تزال المساواة بين الجنسين ومختلف الحقوق الإنسانية للنساء بالمغرب تعهدا حكوميا بدون إعمال، فبالرغم من تنصيص الدستور على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس وتكريسه لمبدأ المساواة بين الجنسين، والتزام المغرب بملاءمة القوانين مع الاتفاقية الدولية ذات الصلة، والتي يعد طرفا فيها، وكذا التزامه بإعمال أهداف خطة التنمية المستدامة 2030. فإن المؤشرات المتعلقة بمدى ضمان العدالة الجندرية على مستوى القوانين والمساواة بين الجنسين في الحياة السياسة والاقتصادية، ما تزال تحيل على استمرار التمييز المبني على النوع على مستوى القوانين والممارسة وهي المؤشرات التي تتحدد كما يلي:
تعرض 57% من النساء لنوع واحد من العنف على الأقل خلال سنة 2019؛
استمرار تزويج الأطفال، حيث سجل حسب الأرقام المتاحة إلى حدود بداية سنة 2019، 26.240 حالة دون احتساب التزويج غير القانوني للأطفال؛
حصر تمثيلية النساء بالحكومة الحالية في 17%، بما مجموعه 4 نساء من أصل 24 عضوا؛
حصر تمثيلية النساء بمجلس النواب في 21%، بما مجموعه 81 امرأة من أصل 395 مقعدا؛
حصر تمثيلية النساء بمجلس المستشارين في10%، بما مجموعه 12 امرأة من أصل 120 مقعدا؛
حصر تمثيلية النساء على مستوى التعيينات في المناصب العليا برسم سنة 2019، في 11%، بما مجموعه 18 منصبا للنساء من أصل 143 منصبا.
غياب كلي لتمثيلية النساء ضمن قائمة التعيينات الخاصة بالولاة والعمال برسم سنة 2019.
وبناء عليه، يتوجب على الحكومة ما يلي:
العمل على التسريع بمراجعة مدونة الأسرة وتحديدا الأحكام التمييزية التي تعطل مسار تحقيق المساواة بين الجنسين، والتي تهم أساسا: إلغاء وتجريم الاستثناء الخاص بتزويج الأطفال، والذي يهم بالدرجة الأولى الفتيات، ويشكل تمييزا ضدهن وانتهاكا صريحا للمصلحة الفضلى للطفل؛ مراجعة المسائل التمييزية المتصلة بالطلاق من قبيل اقتسام الممتلكات التي تمت حيازتها خلال الزواج؛ والمساواة في حضانة الأطفال؛ والمساواة في الوصاية القانونية على الأطفال؛ وإعمال المساواة في الإرث؛
العمل على تسريع ملاءمة القوانين مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية، والتسريع بمواصلة انضمام المغرب إلى الاتفاقيات ذات الصلة بالحقوق الإنسانية للنساء؛ خاصة اتفاقية الرضا بالزواج؛ والحد الأدنى لسن الزواج؛ وتسجيل عقود الزواج وكذا الاتفاقية المتعلقة بجنسية المرأة المتزوجة، والاتفاقية رقم 156 لمنظمة العمل الدولية بشأن المعاملة المتساوية للعمال من الرجال والنساء من ذوي المسؤولية العائلية؛
التسريع باعتماد وإعمال إستراتيجية وطنية من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وضمان الحقوق الإنسانية للنساء، تتجاوز الزمن الانتخابي وتتأسس على المقاربة الحقوقية، وتسعى لإعمال التزامات المغرب الطوعية ذات الصلة بمختلف المجالات؛
العمل على مراجعة المنظومة التشريعية ذات الصلة بالانتخابات بما يعزز إعمال مقاربة النوع الاجتماعي على مستوى كافة مراحل العملية الانتخابية في أبعادها المحلية والجهوية والوطنية لضمان ولوج النساء لمواقع المسؤولية.
سابعا: بخصوص حقوق السجناء وأوضاع السجون
بلغ عدد المؤسسات السجنية خلال سنة 2019، ما مجموعه 77 مؤسسة سجنية، وتتحدد الساكنة السجنية برسم نفس السنة في ما مجموعه 85.756 سجينة وسجين، منهم 34.698 من السجينات والسجناء الاحتياطيين، أما عدد السجينات فقد بلغ 1982 مقابل 83.783 سجين، ويتحدد عدد الأطفال المرافقين لأمهاتهم في 86 طفلا(ة)، بينما عدد السجناء الأحداث يتحدد في 1395 حدث، وبالنسبة لعدد السجناء الذين يتحدد عمرهم في 60 عاما فما فوق فقد بلغ 1369، أما عدد السجناء الأجانب فيتحدد في 1127.
وبناء على المعطيات أعلاه، فإن الطاقة الإيوائية الإجمالية للمؤسسات السجنية بالمغرب، وإلى حدود شتنبر 2019، تتحدد في 159.505 متر مربع، ولتتحدد على ضوء ذلك المساحة المخصصة لكل نزيل في 1.86 متر مربع، على عكس المعـايير الأوروبية التي تفرض مساحة للعيش لا تقل عن أربعة أمتار مربعة لكل سجين.
من جهة أخرى سيظل عدد موظفي المؤسسات السجنية يحتاج إلى تعزيز للحد من ضعف وهشاشة التأطير، حيث لا يتعدى المعدل الوطني موظف (1) لكل 11 سجينا، ويرتفع في بعض المؤسسات إلى موظف (1) لكل 40 سجينا نهارا، وموظف (1) لكل 300 سجين ليلا، بينما المعدل الدولي موظف (1) لكل 3 سجناء.
وتتأكد حدة هذه التحديات أيضا مع استحضار الجوانب المتصلة بالرعاية الصحية، إذ لا يتعدى عدد الأطباء 102، أي طبيب لكل 841 نزيل و71 طبيب أسنان لكل 1200 نزيل، ويبلغ عدد الممرضين 478، بمعدل ممرض لكل 179 نزيل، كما تتحدد نسبة الأخصائيين النفسانيين في أخصائي واحد (1) لكل 1649 نزيل.
وفي هذا الإطار تم رصد عينة من الحالات بشأن ادعاءات وإفادات في علاقة بوضع السجون والسجناء بالمغرب برسم سنة 2019، والتي تمحورت حول ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة المتعلقة بسجن راس الما بفاس؛ تواتر حالات الانتحار داخل المؤسسات السجنية؛ ووفاة سجين بسبب الإضراب عن الطعام.
وبناء عليه يتوجب على الحكومة ما يلي:
الالتزام بإعمال القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والحرص على تنفيذ التوصيات الصادرة عن هيئات المعاهدات، واستحضارها خلال إعدادها للسياسات ذات الصلة، واعتمادها لما تضمنه إعلان الدوحة الصادر عن المؤتمر 13 للأمم المتحدة بشأن منع الجريمة والعدالة الجنائية (2015)؛
مراجعة السياسة الجنائية وملاءمة المنظومة القانونية بما يعزز التدابير ذات الصلة بقرينة البراءة، ويؤسس للعقوبات البديلة لسلب الحرية، وتسريع اعتماد آلية الحراسة الإلكترونية، وتدابير الحرية المقيدة بالنسبة للأحداث والنساء والشيوخ، بموازاة إعمال المقتضيات القانونية المتعلقة بالإفراج المقيد، ذات الصلة بالاستفادة من العفو، في إطار سياسة عمومية إدماجية تؤكد على الإجراءات التيسيرية لفائدة المفرج عنهم من السجناء وتعزز مناهضة التمييز والإقصاء والوصم الموجه ضد هذه الفئة؛
الحرص على تفعيل اختصاصات ومهام اللجان الإقليمية لمراقبة السجون.
ثامنا: بخصوص حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة
منذ مصادقته على الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية الأشخاص ذوي الإعاقة والبرتوكول الملحق بها، عمل المغرب لحماية حقوق هذه الفئة على اتخاذ مجموعة من التدابير أهمها اعتماده القانون الإطار 97.13، وإحداث آلية وطنية لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان خاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.
وبعد ست سنوات على صدور القانون الإطار في الجريدة الرسمية، ما تزال الحكومة تتباطأ في إخراج النصوص التنظيمية التي نص عليها القانون الإطار، مما أفرغه من حمولته وعطل مفعول كل مقتضياته، وضمنها إحداث اللجنة الوطنية التي يفترض أن "يعهد إليها بتتبع تنفيذ مختلف الاستراتيجيات والبرامج المتعلقة بالنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة التي تعدها الحكومة، وإعداد تقرير سنوي".
مما يستوجب إحداث التعديلات لملاءمة القانون الإطار مع الاتفاقية ذات الصلة، وهو الاتجاه الذي أكدته مضامين مقترحات وتوصيات كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والجمعيات العاملة في المجال.
وبخصوص إحداث الآلية الوطنية لحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، التي نص عليها القانون 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مادته (19)، فإن الإعلان عن تركيبة المجلس في 19 يوليوز 2019، قد أثار انشغال وقلق الجمعيات ذات الصلة بشأن تركيبة العضوية ومساءلة مدى تمثيليتها لهذه الفئة.
في المقابل وللنهوض وحماية حقـوق الأشخاص في وضعية إعاقة لم تستطع الحكومة اتخاذ تدابير لـ"إذكاء الوعي في المجتمع على مستوى الفضاء العام والخاص، وبمختلف مؤسساته (الأسرة، المدرسة، الإعلام، أماكن الشغل...)، ولتوسيع اختصاصات مراكز الحماية من العنف التي تم إحداثها على مستوى المحاكم لتشمل حماية الأشخاص في وضعية إعاقة.
وبناء عليه، يتوجب على الحكومة ما يلي:
العمل على التسريع بإخراج النصوص التنظيمية الخاصة بالقانون الإطار 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، وملاءمة التشريعات والقوانين بما يجعل الحرمان من الترتيبات التيسيرية المعقولة شكلا من أشكال التمييز؛
العمل على توسيع مجال الولوجيات ليشمل المباني والطرق ووسائل النقل والمعلومات والاتصالات والخدمات الأخرى والحرص على إلزامية تفعيل الخدمات المتصلة بها، وترتيب الجزاء في حالات تعطيل تيسيرها؛
العمل على إقرار الاعتراف بمساواة الأشخاص في وضعية إعاقة مع الجميع أمام القانون، عبر تمكينهم من الأهلية القانونية ودعم ممارستها، لضمان الحق في الملكية والإراثة واللجوء إلى القضاء، وضمان العيش المستقل؛
العمل على تعديل القانون المنظم للسجون بما يراعي حقوق هذه الفئة داخل المؤسسات السجنية؛
العمل على تعديل قانون 89.15 المتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي بما يضمن تعزيز التمثيلية للأشخاص في وضعية الإعاقة؛
العمل على التسريع باعتماد وتنفيذ مخطط عمل شامل لتوفير تعليم دامج، في جميع المناطق والجهات، وتخصيص الموارد البشرية المؤهلة لتنفيذ الجوانب البيداغوجية، وضمان توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة في المدارس والمعاهد والمؤسسات التعليمية في مختلف المستويات والأسلاك والمتلائمة مع مختلف أنماط الإعاقات؛
الحرص على تفعيل التدابير القانونية ذات الصلة بتوظيف الأشخاص في وضعية إعاقة؛
مباشرة الحكومة بإعمال الملاحظات الختامية للجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي وجهتها للمغرب، في غشت 2017.
العمل على مراجعة القانون 31.13 في اتجاه تجاوز القيود التي يفرضها بطريقة غير مباشرة على الأشخاص في وضعية إعاقة، بما يحرمهم من الولوج إلى المعلومات من خلال حصر وتضييق قائمة الحوامل المعتمدة في تقديم المعلومات.
تاسعا: بخصوص حقوق المهاجرين واللاجئين
بالرغم من جهود المغرب على مستوى حماية حقوق المهاجرين واللاجئين والنهوض بها، فإن إعمال التزاماته الطوعية المتعلقة بالاتفاقية ذات الصلة، ما يزال يعرف الكثير من التحديات التي تنعكس سلبا على أوضاع المهاجرين واللاجئين بالمغرب، والتي نرصد بعض محدداتها من خلال ما يلي:
ارتفاع وثيرة توقيف المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء، بصفة خاصة، في مركز إركمان بالناظور، وإبعادهم من مدن الشمال، وخاصة من وجدة والناظور وطنجة ونقلهم نحو مراكش وتزنيت وبني ملال. حيث يساهم الإبعاد من المدن والمناطق الحدودية في تعميق الهشاشة لدى الأفراد الذين شملهم هذا التدبير، وذلك بإعادة مسار اندماجهم الاجتماعي إلى نقطة الصفر، وإجبارهم على الانطلاق من جديد في المدن والمناطق التي تم إبعادهم إليها، بما يجعل تدبير السياسة العمومية في مجال الهجرة واللجوء موضوعا للتأرجح والتقلبات وعدم الانسجام مع الأهداف المعلنة في الاستراتيجيات والبرامج.
بالرغم من حق الأشخاص الحاصلين على صفة لاجئ في النفاذ إلى الخدمات الاجتماعية، وخاصة الصحية منها والقضائية، واستنادا إلى التزام القطاع المعني بتوفير العلاج بغض النظر عن الوضع الإداري للمعنيين بالأمر، فإن ذلك غير متاح في الكثير من الحالات بسبب نواقص المنظومة الصحية بالمغرب عموما، كنقص الموارد البشرية، والتكاليف المالية المرتفعة لبعض العلاجات. بالإضافة إلى امتناع بعض المؤسسات الصحية عن تقديم العلاجات الضرورية بسبب عدم تفعيل الاتفاقية المتعلقة بالتغطية الصحية الأساسية في هذا المجال. مما ينبغي معه إدماج المهاجرين واللاجئين ضمن الساكنة التي يحق لها قانونيا الاستفادة من نظام المساعدة الطبية "راميد".
ما تزال بعض المؤسسات الاستشفائية ترفض تسليم شهادة الولادة وتقرير الوضع ما لم تؤد الأسرة تكاليف المستشفى، مما يتناقض مع مضمون دورية الوزارة رقم 108 التي تتعلق بمجانية الوضع والعمليات القيصرية، ومع القانون رقم 37.80 المتعلق بالمراكز الاستشفائية باعتبارها مؤسسات عمومية تابعة للدولة تضمن الاستفادة بنفس الشروط للمغاربة والأجانب. وينعكس عدم التسجيل في الحالة المدنية على حرمان هؤلاء المواليد من امتلاك اسم ونسب ومن الحق في التمدرس.
بالرغم من التدابير التي تم اتخاذها لتفعيل المبدأ الرابع ضمن الإستراتيجية الوطنية حول الهجرة واللجوء، ما يزال الحق في التعليم يصطدم ببعض العراقيل في عدد من المديريات الإقليمية التي تمتنع عن تسجيل أبناء المهاجرين بسبب عدم توفرهم على عقود الازدياد؛ وعدم ملاءمة اللغات التي يتم اجتياز الامتحانات بها مع قدرات التلاميذ؛ وعدم تمكين بعض التلاميذ من الإعفاء من الدروس والامتحانات المتعلقة بمادة التربية الإسلامية؛ في إطار الملاءمة مع الخصوصيات الدينية لأبناء المهاجرين واللاجئين، وتخصيص جزء من أنشطة الاستثمار والأنشطة الموازية للخصوصيات الثقافية للبلدان التي تنحدر منها أسر هؤلاء الأطفال من التلاميذ والتلميذات.
كما سجلت المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، خلال زيارتها للمغرب، مجموعة من التجاوزات المتعلقة بحقوق المهاجرين واللاجئين والتي حددتها في استمرار المواقف التمييزية تجاه المهاجرين من أصل جنوب الصحراء؛ ومحدودية التحقيق في الشكاوى وعدم تحديد المسؤوليات في حالة إجراء تحقيقات بسبب نقص الأدلة؛ وعدم إتاحة وتعميم مستلزمات المساعدة القانونية في ما يتصل باللغة؛ وعدم نشر وزارة العدل أي إحصاءات عن عدد الأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية للجنح والجرائم العنصرية لفائدة الضحايا؛ وعدم ضمان الإطار القانوني للإجراءات المتعلقة بحالة الأشخاص الذين يستوفون معايير منح صفة لاجئ دون القدرة على التماس اللجوء بالحدود؛ وعدم ملاءمة برامج التدريب والتكوين المهني بالنسبة للنساء المهاجرات مع احتياجات سوق العمل.
وبناء عليه، يتوجب على الحكومة ما يلي:
العمل على تجاوز الالتباس المؤسساتي الذي يطبع تدبير سياسة الهجرة بعد إلغاء القطاع الذي كان مكلفا بذلك إلى حدود التعديل الحكومي بتاريخ 09 أكتوبر 2019، وذلك من أجل ضمان استكمال مسار الإصلاحات ذات الصلة بهذا المجال؛
العمل على التسريع بتعديل القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمغرب وكذا القانون المتعلق باللجوء؛
مواصلة العمل من أجل تجاوز العوائق التدبيرية على مستوى الإدارات الترابية التي يترتب عليها حرمان المهاجرين من الحق في الصحة والتعليم وتجديد وثائق الإقامة.
العمل على ملاءمة القانون 03.02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمغرب مع المقتضيات الدستورية والالتزامات الدولية ذات الصلة؛
التسريع بالمصادقة على مشروع القانون المتعلق باللجوء وإحداث منظومة قانونية ومؤسساتية وطنية لتدبير اللجوء؛
التسريع بتقديم المغرب لتقريره الدوري الثاني بشأن مدى إعماله للاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم؛
تعزيز إعمال المغرب لاختياره بخصوص الانفتاح والتعاون مع الإجراءات الخاصة.
عاشرا: بخصوص الحق في حماية الحياة الخاصة والمعطيات ذات الطابع الشخصي
عمل المغرب في علاقة بحماية المعطيات الشخصية والحق في الحياة الخاصة، على توطيد التزاماته الدولية في سياق الملاءمة مع الدستور والالتزامات الدولية ذات الصلة، وقد انخرط في ذلك منذ المصادقة على بعض الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وأيضا من خلال ما راكمته اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية، غير أن تعزيز هذا الانخراط ما يزال يتطلب تضافر جهود إضافية تنحو نحو إقرار سياسات وتدابير حديثة، تساير المتطلبات الخاصة والمستجدة لمنظومة حماية المعطيات الشخصية وتتلاءم مع الحق في الحياة الخاصة. وذلك باعتماد بعض المداخل التشريعية والمؤسساتية والتنظيمية وتعزيز فعاليتها، باعتبار الإطار التشريعي الحالي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية والحياة الخاصة، لم يعد كافيا في مضمونه ونطاقه وآلياته على استيعاب تطورات العصر الرقمي، بكل تمظهراتها وتعقيداتها.
وبناء عليه يكون التفكير ضروريا بشأن تعديل القانون رقم 09.08 وملاءمته مع مستجدات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وكذا أحكام دستور 2011، بما يضمن استقلالية اللجنة الوطنية المنصوص على إحداثها لدى رئيس الحكومة (الوزير الأول سابقا) بمقتضى المادة 27، وإعطائها وضعا قانونيا متميزا مماثلا لهيئات الحكامة المنصوص عليها في الفصول (من 161 إلى 170)، أو من خلال تمكينها من أساس قانوني متطور لتوسيع نطاق ممارستها لمهامها.
ولأن المسعى العام لإقرار وتعزيز حماية المعطيات الشخصية والحق في الحياة الخاصة، ما تزال تعترضه الإكراهات والتحديات، فإن الممارسات التي تكشف عن التجاوزات والانتهاكات ذات الصلة والمرتكبة من طرف مؤسسات عمومية وخاصة ومن قبل الأفراد ومنابر الإعلام والاتصال تتنامى بشكل مقلق، يعكس أيضا الخصاص الذي يطال وعي المجتمع وكذا الفاعلين ومسؤوليتهم في علاقة بحماية المعطيات الشخصية للأفراد داخل المجتمع، واحترام الحياة الخاصة للأفراد.
وبناء عليه، يتوجب على الحكومة ما يلي:
ضرورة تجويد الإطار القانوني وملاءمته مع أحكام الدستور والاتفاقيات الدولية، فيما يتعلق بالأشخاص الذاتيين عند معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي؛
تأهيل اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية والارتقاء بها إلى مصاف المؤسسات المستقلة المحدثة بقانون طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 159 من الدستور.
وضع الضمانات القانونية والإجرائية اللازمة لضمان أن تكون معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي متلائمة مع مضامين الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادق عليها المغرب؛
اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها الاستجابة لمقتضيات النظام العام الأوروبي لحماية المعطيات RGPD التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2018؛
تأهيل آليات حماية المعطيات الشخصية للمواطنات والمواطنين بما يضمن تناسبها مع مستجدات المنظومة الرقمية؛
تعزيز وتقوية قدرات مختلف الفاعلين والمتدخلين رسميين وغير رسميين في علاقة بمنظومة حماية المعطيات الشخصية والحياة الخاصة؛
إدماج التحسيس بخطورة انتهاك الحياة الخاصة وأهمية التوعية بذلك ضمن مناهج وبرامج التعليم والإعلام؛
اتخاذ التدابير الكفيلة بتكريس وترسيخ الوعي بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي داخل المجتمع.