ما أقساك أيها التاجي اللعين، وأنت تتبختر متباهيا بحرماننا من توديع ذلك الرجل إلى متواه الأخير في موكب جنائزي يليق بروحه الطاهرة، وبشموخه الرائع، وصدق نضاله وكفاحه ووطنيته الهادئة المعطاء، وعفة خلقه، وتجدٌر وصلابة مبادئه الوطنية والأممية وإنسانيته الراقية المتدفقة.
حرمتنا الاحتشاد من وراء جثمان رجل ليس كباقي الرجال، يجمع نبل القيم في شخص رجل اسمه عبد الرحمن اليوسفي، رجل يحمل تحت جوانحه تجربة شعب مقاوم من أجل الاستقلال، شعب مكافح مناضل من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة.
رجل آمن حتى النخاع بمبادئ النضال الديمقراطي السلمي، يساري اشتراكي يقدر الأشياء حق قدرها، متزن يدرك بدقة موضوعية ميزان القوى. نظراته تعكس حكمة وحنكة الرجل المتأمل ذو الخلفية الفلسفية الفكرية العميقة.
يحاجج مخالفيه برقي، ويواجه معارضيه بابتسامة متسامحة وصمت عميق يعكس أخلاق القامات التاريخية الاستثنائية التي تختار عدم الخوض مع الخائضين. بلغ من السن عتيا ولم يتبدل تبديلا على عكس رهط ممن تشيعوا وتحلقوا حوله.
ما أوضعك وأحقرك أيها الكائن المجهري وأنت تحجر علينا وتمارس علينا كل هذا الحقد القاتل، وتفرض علينا توديع الرجل عن بعد من مضاجعنا ومخابئنا. وعيوننا وأعناقنا تشرئب عبر الطاقات والثقوب والنوافذ تفتش عن روحه الطاهرة وهي تجوب الدروب والشوارع محلقة مودعة إلى هناك حيث تلتقي كل العوالم.
عذرا أيها الشهم الخلوق الصدوق الوارع، العفيف النقي الطهور لأننا لم نستطيع أن نكون في الموعد. سامحنا أيها السموح لم نتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة على جثمانك الطاهر، نخجل من أنفسنا المذعورة المنكسرة الحزينة المنفطرة بفراقك أيها القائد الزعيم الخالد فينا.
رحيلك عنا يشعرنا باليُتم وعزاؤنا الوحيد هو ما تبقى لنا من طينتك في ذلك الرجل القادم من سوس العالمة المعتصم المقاوم إبن آيت يدر عٌروة وعمدة أحرار هذا الوطن.
نم في سلام أيها الكبير، نم قرير العين، لا تأبه بتهافت أشباه الساسة وهرولة المهرولين و بِلَغْو اللاٌغين. ستعلم من هناك كم هو ولاٌد هذا الشعب الذي آمنت بحقوقه وناضلت بشراسة من أجلها سيكون لامحالة على موعد مع التاريخ لاستكمال بناء قلاع الحرية، وسترى بعيون من أسكنت في نفوسهم عشق الحرية وطنا يتسع للجميع. سيخبرك طير الوروار وأنت مع العليين أن اليم أتى عليهم، وأن المعتقل والمعتقلين أصبحوا من ذكريات الماضي، وأن حلمك في مغرب كبير قد تحقق حيث أصبح القطار ينطلق من البيضاء إلى طرابلس عابرا الجزائر وتونس. وأن العلم الفلسطيني يرفرف فوق أرجاء القدس وكل فلسطيني، وأن إفريقيا أصبحت مرجعا في الحرية والديمقراطية والتنمية.
نعاهدك أننا سنمضي إلى ما نريد وطن حر وشعب عتيد،وأننا سنعض بالنواجد على وصاياك، وأنك ستبقى خالدا شامخا في كل ثنايا هذا الوطن.
سلام عليك يوم ولدت ويوم تبعث حرا.