الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

"المغرب الذي كان": شريف وزان، و قبائل الأنجرة و المفوضية البريطانية تفاوضُ "الريسولي "لإطلاق سراح" هاريس" (23)

"المغرب الذي كان": شريف وزان، و قبائل الأنجرة و المفوضية البريطانية تفاوضُ "الريسولي "لإطلاق سراح" هاريس" (23) الريسولي، يتوسط، الأستاذ هشام بنعمر بالله، ووالتر هاريس(يسارا)

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و 1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب صحفي بريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية والفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الاوروبية إلى البلاط المغربي. و خلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و 1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر و المؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء و موظفو المخزن الشريف، و شيوخ القبائل و الزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص و قطاع الطرق، وعموم الناس ...)

الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه و مظاهره بأسى شديد". و نشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب (المغرب الذي كان) .

عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الانجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها و مناقشتها.

 

ليس من الضروري أن أسرد تفاصيل يوميات تسعة أيام في الأسر بـ "الزينات". يكفي أن أقُول أنني عانيتُ كثيراً من الإرهاق. لم أعاني من سُوءِ المعاملة، ما عدا بعض الضَّربات الخفيفة بالنِّعال، غير أنني لم أتمكن من الإستحمَام وتغيير ملابسي، الأمر الذي جَعل الحشرات تُغطِّي بدني. في إحدى المرَّات، بَقيتُ دون إطعامٍ طيلة ثلاثة أيام. لا يُوجد طعامٌ للأكل لأَنَّ القرية أُحرقت بالكامل. خلال هذه الفترة كانت حياتي في خطر حقيقي.

أَنفقَ أصدقائي كُلَّ الجهد من أجلي، غير أنه لم يكن باستطاعتهم القيام بأكثر من ذلك. كان هناك أزيد من أربعة ألف مُقاتل خارج السَّيطرة، ولا يخضعُون لأحد. كانت لحظات مُؤلمة للغاية. غير أن فرصتي الوحيد كانت أن أضع فيهم كامل الثِّقة. مع مرور الوقت، بدأت تتقدمُ مُفاوضَات تسريحي.

لا تكفي كُل كلمات الشُّكر والثَّناء، لوصف البراعة الكبيرة التي أدار بها الوزير البريطاني السير "أرثيرنِكلسُون" المفاوضات. مُنذ اللحظة الأولى، انتبه إلى صُعوبة المهمة، وبناء على ذلك أظهر في اتصالاته بشيوخ القبائل الكثير من الحيطة والبراعة. فهو من أوعَز إلى الحكومة المغربية بعدم التَّدخل في المفاوضات مع الجبليين [جبالة] لكي يتكلَّف شخصياً بقيادتها. كما استخدم الشريف الوزاني الشاب مولاي احمد [الوزاني] للوساطة بين الحكومة البريطانية و القبائل (الجبليَّة). تَكمُن صعوبة المهمة كذلك في العدد الكبير من القَبائل المعنيَّة بالمفاوضات.

قادها [المفاوضات] بطريقة جعلت الجبليين الأميين والمتعصبين يثقون في كلامه [الوزيرالبريطاني]. وحتى عندما تنقضي الآجل المحددة، وهو الأمر الذي يحدث مراراً في المغرب، لم يحدث أمر خطير.

كان أول طلبٍ تَقدَّمت به القبائل مقابل الإفراج عني، أن يتمَّ سَحبُ جميع الرَّعايا الانجليز العاملين بالقصر السُّلطاني. كنت أعلنُ لهم، بشكل تلقائي، أن هذا الطلب سخيف، وعملت على إقناعهم أن من الحماقة الخالصة تناول هذه النقطة. بعد ذلك، توالت الطلبات المستحيلة. والتي تمَّ رفضُها بنفس الطريقة.

عندما دَخلَتِ المفوضية البريطانية في محادثات مباشرة مع القبائل الجبلية [جبالة] حصرت هذه الأخيرة طلباتها في تسريح سجنائها المحبُوسين في طنجة و العرائش.

في جميع مراحل المفاوضات لم يأتي ذكر فدية مالية. وفي ذلك تختلف حالة أسري كُليَّةً عن عمليتي اختطاف السيد "برديكاليس"، والقائد السير" ماك لين" اللَّتان وقعتا لاحقاً.