الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
جالية

في ظل حالة الطوارئ الدينية.. نحتاج إلى خُدَّام الدين لمواجهة تجار الدين

في ظل حالة الطوارئ الدينية.. نحتاج إلى خُدَّام الدين لمواجهة تجار الدين يحيى المطواط مع مشهد سابق لمسلمين يؤدون الصلاة بإحدى ساحات إيطاليا

لعل حفظ النفس الإنسانية من أهم الركائز التي ترتكز عليها الديانات، وديننا الإسلامي كرم الإنسان من مهده إلى لحده، ونهى عن الإقدام على التهلكة. لذلك  فإن قرار إغلاق المساجد ودور العبادة بسبب الجائحة كان قرارا جريئا وصائبا يخدم الإنسانية ويحفظ للإنسان الحق في الحياة.

 

والحالة هاته، وبتزامن الوباء مع شهر رمضان الأبرك، أول ما يحتاج الناس إليه هو العقيدة، الدين والتقرب من الله عز وجل، وإلى كل ما قد يغذي الروح. في هذه اللحظة يحتاج الإنسان إلى من يخفف عنه الآثار النفسية التي خلفها هذا الوباء. يحتاج لمن يمسح بيد حنونة جروح النفس وآلامها.

 

في هذه المرحلة بالضبط تحتاج الإنسانية إلى خٌدام الدين الذين يبعثون الأمل في الحياة وينشرون التفاؤل والطمأنينة ويباركون قيم التضامن والتآزر ويقودون الناس إلى الالتزام بالتدابير الوقائية التي قررها من يسهرون على شؤونهم. في هذه اللحظة الاستثنائية يحتاج الناس إلى من يُخرجهم من ظلمات اليأس، إلى نور أبواب السماوات، بعد أن ضاقت بهم فجاج الأرض. نحتاج لمثل هؤلاء وليس لتجار الدين الذين يوظفون الدين حتى ضد مقاصده. تعبنا من أنصاف العلماء الذين جعلوا من الخرافة منهجًا للاستلاء على العقول البسيطة خدمة لمصالحهم الخاصة أو لخدمة شيخ قبيلتهم أو أمير جماعتهم. إن علماء الدين عمومًا مطالبون اليوم باقتراح حلول تمكن من تحقيق العبادة بأفضل الصور تتعايش مع الوضع الذي تمر منه الإنسانية لكي لا يشعر الناس بحالة الطوارئ الدينية.

 

أما القائمون على المؤسسات الدينية والجمعيات التي تشرف على تأطير الشأن الديني عمومًا وبإيطاليا على وجه الخصوص ننتظر منهم أن يكونوا أكبر من أن يناقشوا صغائر الأمور. عليهم أن ينصرفوا إلى التفكير في بدائل تتناسب مع فترة الأزمات، بدل المشاحنات وتبادل الاتهامات. فرفقًا  بعقول البسطاء من المسلمين. رفقا بمن يريد فقط أن يجد مكانا هادئا للقيام بشعائره الدينية. لا تكونوا سببًا في نفورهم بل كونوا خير محفز لهم.

 

 

أعتقد أن المشكلة ليست في بنية الفقه الإسلامي كما قد يروج البعض أو يدعي. من المؤكد أن الفقه الإسلامي فيه من الحلول ومن كيفيات التعامل مع الأزمات ما قد يخفف عن المسلمين شعورهم بالحرمان من ممارسة طقوسهم الدينية كما اعتادوها، كصلاة التراويح خلال رمضان، أو صلاة الجمعة، أو الحج،... نحتاج  في وقتنا الراهن إلى فتاوي جريئة من قبيل إصدار فتوى، مثلا، لمن كانت له نية الحج هذه السنة أن يقوم بالتصدق بقيمته المالية أو جزء منها إلى المحتاجين في زمن كورونا وما أكثرهم في ظل الحجر الصحي، وله أجر الحج. أو الاجتهاد في  أداء زكاة الفطر بطريقة ربما تكون أكثر ملائمة مع الوضعية الاستثنائية التي تمر منها البشرية.

 

فهل المشكلة إذن هي أزمة فقهاء لم يطلعوا على تراث الفقه الإسلامي وتنوعه؟ أو أنهم اطلعوا عليه ولم يستوعبوه، أو أنهم استوعبوه وليس في مصلحتهم الإفصاح عن فهمهم الحقيقي لمقاصد الدين خوفًا مِن أن يختلفوا مع ما تعتقده عامة الناس الذين هم مصدر سلطتهم و قوتهم وثرواتهم؟

 

نحن في حاجة إلى العمل على تحرير الخطاب الديني، من خطاب يوظف الخرافة ويحتقر العقل، ويدعو إلى التعصب والتطرف، وتحريره من المتربصين بالجالية الإسلامية في أوروبا اللذين يطمعون إلى تنميط المجتمع وفصل المسلمين عن تراثهم وتاريخهم وأصلهم، إلى خطاب يسمو بالعقل ويجعله محورا أساسيا لفهم ديننا الحنيف الذي يدعو إلى المحبة والتسامح وقبول الآخر والسلم والسلام والتضامن والتآزر وكل القيم الإنسانية الجميلة.