الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

دبيش: هذا ما جاء في باب تلاحم سلاطين وملوك المغرب بالشعب للقضاء على الأوبئة والأزمات

دبيش: هذا ما جاء في باب تلاحم سلاطين وملوك المغرب بالشعب للقضاء على الأوبئة والأزمات صورة تركيبية: عبد الوهاب دبيش وفيروس كورونا، وفي الخلفية مشهد من زمن الطاعون الذي ضرب المغرب

سجل المغرب، على مر الحقب والعصور، صفحات مشرقة في تلاحم السلاطين والملوك مع الشعب، في مواجهة مختلف الأزمات، من أوبئة ومجاعات وغيرها؛ وكانوا يخرجون منها منتصرين سالمين غانمين.

"أنفاس بريس" حاورت عبد الوهاب دبيش، أستاذ التاريخ بكلية الآداب بنمسيك الدار البيضاء، والذي  أبرز بعضا من معالم هذا التلاحم المستمر إلى اليوم...

 

+ يسجل التاريخ بأن سلاطين وملوك المغرب كانوا يتفاعلون في تلاحم ملحوظ مع الشعب في مواجهة الأزمات التي عرفتها البلاد، ما السر في ذلك؟

- هذه هي وظيفة الملوك والسلاطين، لأن تحصين الرعية (بالمصطلح القديم الذي يقابله اليوم مصطلح المواطن) من كل الأخطار، ظلت من مهامهم الأولى؛ سواء كان خطرا بشريا كهجوم العدو، أو وبائيا. ولذلك فالمغاربة لهم تقليد وتجربة راسخة في الحجر الصحي.. فالناس القادمون من الحج أو الرحلات التجارية أو من المناطق التي تعرف وباء معينا، كان يفرض عليهم الحجر الصحي، حيث يمكثون في أماكن بعيدة ولا يختلطون بالسكان؛ وكان السلاطين ينشئون حارات أو إحياء خاصة للفئات الاجتماعية، المرضى المصابين بالجذام مثلا. والمحطة الطرقية الموجودة حاليا بفاس خارج بوجلود في منطقة تسمى المقطع، كانت عبارة عن حارة يعزل فيها مرضى الجذام أو الجدري، حماية لسكان المدينة من العدوى التي كان تحصد المئات من الأرواح.

 

+ ما هي الأسباب التي جعلت الملوك يخرجون مع الرعية أو الشعب، منتصرين بقوة من هذه الأزمات؟

- سبب ذلك يكمن أساسا في عراقة وتأصيل وتجذر المؤسسات المخزنية في المغرب؛ فقد كانت هنالك بعض المؤسسات، حتى في الفترة التي كان فيها المخزن أمازيغيا، قبل دخول الإسلام، وظيفتها هي تأمين الرعية من كل الأخطار؛ وبالتالي فوجود مؤسسة كمؤسسة اكليت أو مؤسسة  السلطان أو الملك، هي في حد ذاتها شهادة على الدور الهام جدا الذي كانت تقوم به تلك المؤسسات في حماية المجتمع من كل الأخطار التي كانت تهدد المجتمع، والتي من بينها الأوبئة والمجاعات، وغيرها...

 

+ هل يمكنك إعطاء مثال على ذلك؟

- يمكن أن أورد مثالا بسيطا على ذلك، يتمثل في أن السلطة كانت في سنوات المجاعة تتدخل لحماية المواطن من آفة المجاعة وتوزيع الدقيق والمؤن على المواطنين، حسب احتياجاتهم... ولا ننسى هنا أن الوازع التضامني في المغرب كان دائما موجودا عند المغاربة، كحس إنساني بشري منذ القديم.

 

+ كيف تنظر إلى أفق العلاقة، إذا ربطنا هذا المعطى بما نعيشه الآن مع أزمة كورونا، في استجابة الشعب للمبادرات الملكية الاستباقية؟

- سأذكرك بالمناسبة بحادث له دلالته العميقة في هذا الشأن؛ فقد شهد فاتح نونبر 1998 حملة تاريخية للتضامن ضد الفقر، والتي انطلقت  تحت شعار "لنتحد ضد  الحاجة"، حيث خرج خلالها الملك الحالي، وكان آنذاك ولي العهد، لقيادة الحملة في سلا. وبالرجوع إلى صور الأرشيف سنرى بأنه لم يسبق أن عرف تاريخ المغرب نوعا من التلاحم، وصف بالمتين والشعبي والمباشر بين ولي العهد والشعب...

والآن ونحن في ظرف جديد، من المفروض أن نكون فيه متضامنين بشكل كبير جدا؛ وخاصة بعد أن توطدت دولة المؤسسات، وأصبحت دولة ذات حضور قانوني بأبعاد اجتماعية وحقوقية، إلى غير ذلك. وبات السؤال الذي يطرحه الجميع هو، ماذا وقع للأشخاص الذين يتحملون مسؤولية الإدارة الترابية في المغرب؟ وكيف تبدلت النظرة نحوهم بين عشية وضحاها؟ ولم يعد الخطاب السابق الذي كان ينظر المواطن إلى رجل السلطة، من قائد وباشا ورئيس دائرة، إلخ... بصفته يمثل التعسف والقمع والتحكم؛ بل أحس المواطن الآن بأنه هو المذنب في حق الدولة وممثليها، وأنه مقصر في حقها كذلك؛ لأن الدولة في الواقع تجاوزته بعدة مسافات؛ وتبين أن الدولة متقدمة على المواطن، بل وعلى الأحزاب في عدة أمور؛ وظهر المواطن متخلفا عن الدولة وعن رؤيتها؛ وهذا ما تلمسه الدولة نفسها.. فأين هي الأحزاب التي من المفروض أن تلعب دورها في هذه الظرفية؟ إنها باتت عاجزة، وقد سحبت الدولة من تحتها البساط وتركتها تنظر إلى التطورات، كأنها ملاحظ لا أقل ولا أكثر. لقد سبقت الدولة الأحزاب؛ لأن الدولة متأصلة منظمة، وليست مزاجية أو اعتباطية، كما أن رئيس الدولة  أو المؤسسة الملك محمد السادس لا يشتغل وفق مزاجه، ولكن وفق ما تمليه عليه القوانين والمؤسسات والدستور.. لذلك فالدولة التي لها مؤسسات عريقة ومتجذرة  في المجتمع، لا خوف عليها من الأزمات.. وهذا لا يعني أن الدولة انتهت مع المشاكل وقامت بتسويتها؛ بل ما زالت تنتظرها مشاكل كبيرة؛ ولعلها تدركها الآن من خلال التقارير الإعلامية التي تصلها من هنا وهناك، والتي تكشف عن الواقع الاجتماعي الهش الذي يحتاج من أجل احتوائه إلى الكثير من الاجتهاد.