خلال القرون الأخيرة خاصة القرن العشرين والواحد والعشرين، كانت الحروب ومنها الحربين العالميتين الأولى والثانية هي الرافعة الكبرى لحركة التاريخ وتغييره. وكانت الإمبراطوريات الصاعدة تصنع التاريخ بتلك الحروب تأكيدا لهيمنتها وسيطرتها وترسيما لنظام يدير شؤون الدنيا بقراراتها. كان يتم إعداد الحروب العالمية لذلك إعدادا فترسم على الورق اطرافها وميادينها ونتائجها أيضا.
لنعد إلى الحرب العالمية الأولى 1914/1918 فقد تم الإعداد والتهييء لها لأول مواجهة ونزاع عالمي بترتيب فرنسي انجليزي يهدف سحق ألمانيا وروسيا إنهاء الخلافة العثمانية ورسم خريطة جديدة للعالم وفي القلب منه الشرق الاوسط وفي القلب منه إسرائيل. اندلعت الحرب وخلفت حصيلة بشرية جسيمة وتراجعا اقتصاديا وتدميرا للبنى التحتية وتغييرا على مستوى الخريطة السياسية لأوروبا بظهور دول جديدة كبولونيا ويوغوسلافيا واختفاء بعض الإمبراطوريات: الإمبراطورية العثمانية والألمانية والروسية...
وما بين 1939/1945 تم الاعداد لصراع عالمي بترتيب من أمريكا ولوبياتها ومخابراتها واللوبي اليهودي. وكان الهدف من الحرب العالمية الثانية هو إنهاء عصر الإمبراطوريات الكبرى كإنجلترا وفرنسا. وبالفعل مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية انقسم العالم الى قطبين عالميين: قطب تقوده أمريكا ويضم الدول الرأسمالية، وقطب آخر تتزعمه الاتحاد السوفياتي معها البلدان الاشتراكية (القطبية الثنائية).. ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي، انهار الاتحاد السوفياتي وأصبحنا في نظام أحادي القطب تسيطر فيه أمريكا دركي العالم بمعية شركاتها العملاقة وأعلامها ومخابراتها... إلى أن جاء فيروس كورونا المستجد ليهدد تلك الحقبة الأحادية المسيطرة في عقر دارها، ولتبدأ مرحلة جديدة وبأفكار جديدة ورؤى جديدة.
لقد باغ كورونا المستجد أمريكا وأصبحت مهددة بالتفكك، ولن ينظر على أنها قائدة للعالم الكائن غير المرئي.
لقد أصبح كورونا المستجد الإنسان بكل طغيانه لزوم البيوت وخائفا مذعورا. وأصبح البشر يعيش داخل "كانتونات" مغلقة.
كما أسقط فيروس كورونا المستجد الأقنعة عن أنظمة دولية كثيرة واتحادات، كالاتحاد الأوربي الذي فقد قوته ووحدته ليس بخروج المملكة المتحدة (بريكسيت)؛ ولكن بتركه لإيطاليا بمفردها في مواجهة جائحة كورونا تنتظر المساعدة من الصين الأسيوية. كما بينت وباء كورونا المستجد للعالم اهمية العلم والبحث العلمي هما عماد الدولة وليس التسلح.
إن فيروس كورونا المستجد لا يقتل فقط ويبيد. فالوباء يأمر الإنسان أن يفهم ويفكر وأن يستنتج العبر والدروس من هذا الوباء الفتاك والخبيث وغير المرئي. فهو أشبه بالأمواج العاتية التي تهدد السفينة (الوطن) ومن عليها (الشعوب).