الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

محمد الصديقي : رسالة إلى من لا يهمه الأمر

محمد الصديقي : رسالة إلى من لا يهمه الأمر محمد الصديقي
عدِمْنا جُرحَنا ولم تُسعِفوها، فاعلموا أن قلوبَنا بها أضْمَد من سَعْفِكم، علِمنا منذ أنْ وُلدنا في هذا الوطن السعيد بكم، أنْ ليس لدينا موطئا في بساتينَ سمَّيْنها حلما حقوقا.
يا أنتَ اللقيطُ، كم نسينا أصلنا، وبَرَحْنَا عُقْمنا نستجدي خِصْباً مِمَنْ لا خصب فيه. نَبَا بِنَا البَيْنُ قسراً حتى ارتأى لنا ما فينا شكّاً، وما الشك يقينٌ أبدا. أيها الرفيق، في زمن الوباء، هلَّا بدأتَ تلاوة العفو عند الموت حين يُعلن لعنة الحياة ! 
لم نكن يوما رذاذا، ولا اعترفنا أننا، حين انتمائِنا، تآبَيْنا لحظةَ الوصلِ خيانةً. أيا هذا الذي كشَّر عن صومِه حين استزدْنا صوتا وصوناً لأقوامنا حِلاًّ، يومَ أَحالَ الجلادُ صوتَ الجبانِ سوطا. تفرقوا، أيها الرفيق، يومَ حانَ البوحُ أجلا. "تفرقوا أيدي سَبَأ"، ما عاد مولانا سيداً، ولا راح مساؤنا ضياءً، وما بأيدينا إلا أنْ نَنْعي أنفسَنا "يسارا" للحظة الموت غصبا.
تفرقوا حِرَباً حين ابتغيْنا جمعَ رِماحنا. كشفْنا عوراتِ بغائِنا، وما بِنا غيرُ أننا لثَمْنا أيْدينا حين كان لِزاما علينا تشمير سواعدِنا. دَثَّرْنا جُبْنَنا بِعُهْرِنا الأسود. هكذا كذبنا على أبنائِنا نهارَ استقلالِنا عن أوطانِنا. غنَّيْنا "المواكب" دون أدنى ركوب على موج "المساء"، وطرِبنا لِلَحْنِ "معزوفة الأطلس" من دون أن نَعِيَ وجَع "الكوليرا". يا رفيقي "هل كان حبا" ذاك الوجعُ الذي لعنتْه "أنشودة المطر" فحالتْ "أنشوطةً" تَلُفُّ أعناق الحرائرِ غصبا؟ يا مولاتي اللعينةَ، ناديتُك يوما عبثاً و"سقط سهوا" مني أن أرْشف من شفتيكِ شهدَ الوفاء خيانةً، وأعلنتُ أن تكوني فَكُنْتِ، "ويكون إحراق أسمائه الآتية": "لارا والبحر":
 
وَالْبَحْرُ مِنْ خَفَرٍ تَوَلَّى
 فَحَالَ هِيَاجَهُ نَسَائِمَ الْأَفْنَانِ
 وَمَا بِهِ إِلَّا أَنْ حَضَرَ الْجَمَالُ بِهِ
 فَذَابَ عِشْقاً لُجُّهُ مِنْ نَضَارَةِ الْأَقْدَامِ
 فَكَيْفَ بِالْعُذَّالِ يَا قَلْبِي لَا تَخْبُو سِهَامُهُمُ
 وَالْبَحْرُ فِي حَضْرَةِ الْجَمَالِ يَذُوبُ.
هراءٌ، هذا الذي نسميه شعرا. وحيٌ هذا الذي نغنِّيه شعرا. بكاءٌ هذا الذي أعلناه وطنا.